فيلمٌ أميركيٌ جديدٌ
لايمكنُ التعاطي مع مسألةِ انفصالِ ولايةِ تكساس عن الجسمِ الفيدرالي الأميركي، بذات الطريقةِ السّطحيّةِ التي يجري تسويقها من قِبل المكاتبِ العَميقةِ في «قارّة الأكشن»..
فمسرحُ الأحداثِ هذه المرة ليس إقليماً صغيراً في الشرق الأوسط أو إفريقيا، من تلك الأقاليمِ المشتعلةِ بحركاتٍ انفصاليةٍ مُدجّنةٍ أميركياً، بل ولايةٌ من أهمّ الولايات الأميركية.. وثاني أكبر ولاية مساحةً وسكاناً، وأهمُ منتجٍ للنفط والغاز، والأكثر تأثيراً في تقرير مؤشرات الاقتصاد الأميركي.. بالتالي قد يكون من المهم التحرّي عن الغايات المتخفيةِ وراءَ افتعالِ مثل هذا الحَراك الفريد وغير المعهود، في بلدٍ عَوّدَ العالم على زراعة المكائدِ قبل زراعة الذرة، وصناعةِ الدسائسِ قبل أي صناعة أخرى برعَ بها.. من المَركبات الفضائيةِ إلى أفلام هوليود.. أوليس الأميركان هم ذاتهم من أطاح ببرجي نيويورك في الحادي عشر من أيلول ٢٠٠١، ليصنعوا ذريعة الانعطافةِ الكبرى في تنفيذ سياساتهم الشّرهةِ للدماء والأراضي والمال؟
لايمكن لعاقل أن يصدّق أن خلافاً على إدارة الحدود كواحدة من مُسلّماتِ ما يسمى الأمن القومي الأميركي، يستدعي كل التطورات المتسارعة التي يرصدها الإعلام العالمي -والأميركي بالدرجة الأولى- والتصعيدَ الكلاميَ المترافق مع «تمثيلية» عسكرية من قبيل حشد قوات على الحدود..؟
هناك بالتأكيد مرامٍ بعيدةٌ، قد لاتكون من إبداع جو بايدن الخَرف، بل من الذين غضوا الطرف عن غيبوباته العقلية، واستبقَوه ولم يحجروه، مكافأةً له على خطاباته الناريةِ القديمةِ والجديدة المُناصرة للصهيونية.
لابدّ إذاً من التحرّيّ عن تفاصيلَ ليست في واجهةِ المشهدِ الراهنِ، وسنصل إلى أحد احتمالين.. أو الاثنين معاً..
الأول يأتي في سياق الكباش قبيل الانتخابي بين الجمهوريين والديمقراطيين.. والثاني يخصّ العلاقة مع المكسيك وإشكالية المهاجرين والمهربين والحدود العصيّة على الضبط التي أرّقت الأميركان..
وهذا يعني أن على العالم انتظار مفاجآت على مستوى الانتخابات القادمة قد تعود بدونالد ترامب الرئيس السابق إلى الواجهة، وعودة الأخير ستفضي إلى تطورات غير متوقعة في الخلاف مع المكسيك الجار الجنوبي المبتلى بجاره الشمالي، وفي الحالتين التحضير لسيناريو تولّي الجمهوريين السلطة ببرنامج غير تقليدي يتماهى مع اختراقات ترامب وجنوحه وجنونه.
تكساس ورقة ترامب الرابحة التي ستعيده إلى الواجهة بقوّة، و هي العصا التي سيلوح بها في وجه من حكموا بإبعاده وإقصائه، وربما ستكون البوابة الأوسع لعودته أو بالأحرى تسويغ العودة، ليظهر بهيئة الرجل المنقذ للفيدرالية.. وربما سيصار إلى استبدال رئيس خرف بآخر أخرق.. وعلى العالم أن يتحمل انحرافات سكان البيت الأبيض.
كل شيء متوقع إلا «حدوتة» الانفصال.. لأن الجينات الأميركية أخبث من أن تولّف أصحابها في مثل هذا الاتجاه، فالقراصنة يختلفون مع كل العالم ولايختلفون فيما بينهم، بما أن ما يجمعهم رغم كل التباينات العرقية والإثنية، هي لغة المصالح، ذاتها تلك التي يصرّون على تسميتها «المصلحة القومية العليا».