رغم الضربات الموجعة التي تتلقاها.. لماذا لا تريد أميركا تصعيداً موسعاً في المنطقة؟.. الكيان يوسع جرائمه ومسار التفاوض حول هدنة جديدة ما زال عالقاً
تشرين – مها سلطان:
كثير من التهويل تطلقه أوساط غربية، سياسية وإعلامية، حيال الرد الأميركي المحتمل، أو المرتقب حسب سياق التهويل، على مقتل 3 جنود أميركيين وجرح العشرات في هجوم مسيّرة استهدف قاعدة لهم في الأردن على الحدود مع سورية، يوم الأحد الماضي، وعندما نقول تهويل فليس المقصود أنه لن يكون هناك رد، بل سيكون هناك رد ولكن لن يكون في الاتجاه الذي تهول به تلك الأوساط والذي يصل إلى حد المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، على اعتبار أن الاتهامات الأميركية موجهة لها بالمسؤولية عن الهجوم بصورة غير مباشرة من خلال تقديم الدعم للجهة التي قامت به.. علماً أن إيران نفت ذلك.
– قنبلة.. لكنها لن تنفجر
ورغم أن الرئيس الأميركي جو بايدن، أكد – عقب الهجوم – أن الولايات المتحدة لا تريد صراعاً موسعاً في المنطقة، إلا أن أغلبية المراقبين ترى أن «قنبلة هائلة» موصولة بمسار التطورات في المنطقة «والتعبير لصحيفة الغارديان البريطانية» وأنها على وشك الانفجار.
تصريح بايدن ليس الأول من نوعه، فمنذ عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول الماضي، وما أعقبها من تطورات متفجرة على أكثر من جبهة ومستوى، والمسؤولون الأميركيون وعلى رأسهم بايدن، يؤكدون أنهم لا يريدون حرباً موسعة ويعملون على عدم اندلاعها، صحيح أن الهجوم على قاعدة أميركية في الأردن تم تصنيفه بأنه التطور الثاني الأخطر، بعد طوفان الأقصى، على مستوى المنطقة، بالنسبة للأميركي، إلا أنه هجوم لن يقود إلى حرب مباشرة أو موسعة، ولا يُجانب بايدن الحقيقة عندما يقول إن بلاده لا تحتاج صراعاً أكبر في المنطقة، لا مع إيران ولا مع غيرها.
أي رد أميركي سيكون منضبطاً ومضبوطاً وبما لا يقود إلى مواجهة مباشرة أو تصعيد موسع رغم كل ما يُقال عن «القنبلة الهائلة» التي باتت موصولة بمسار التطورات في المنطقة
وبالمجمل، هناك اتفاق على أن أي طرف في المنطقة لا مصلحة له بحرب مباشرة أو موسعة، لذلك نجد أن المشهد في المنطقة ما بعد عملية طوفان الأقصى مستمر وسيستمر على الوتيرة نفسها، تصعيد وتوسيع في التصعيد من دون الوصول إلى حرب موسعة، بمعنى أن المنطقة ستشهد المزيد من «تبادل الضربات» الضربات والضربات المضادة التي تتضاعف شدتها لناحية إيقاع أعلى مستوى تأثير وإيلام بالطرف الخصم وبما يدفعه للتسليم.. وإذا ما أخذنا هذا السياق بالعرض والتحليل فإننا نجد الولايات المتحدة، مقارنة بخصومها في المنطقة، هي التي في الوضع الحرج بصورة أكبر، باعتبارها تحارب على جبهات عدة، وتتلقى ضربات من جميع هذه الجبهات وبصورة يومية، حتى من هم محسوبين عليها كحلفاء لها في المنطقة لا يستطيعون تخفيف حرجها، أو بعبارة أدق هم لا يريدون التدخل في مسار «تبادل الضربات» حيث لا مصلحة لهم بذلك، في ظل الانزياحات الكبيرة التي شهدتها وتشهدها المنطقة لناحية تقرير اتجاهاتها المستقبلية.. هذا كله مُضافاً إليه ما يُقال عن قرار إقليمي، أو لنقل نصف إقليمي، بطرد الأميركي من المنطقة.
– لا زالت كل الاحتمالات واردة
مع ذلك فكل الاحتمالات والسيناريوات واردة، وهناك فريق واسع من المراقبين الذين يتحدثون عن أن المنطقة لن تشهد حرباً موسعة، يحذرون في الوقت نفسه من اندلاعها، وأن الأسباب نفسها التي تقول بأنها لن تقع، تقول في الوقت ذاته أنها ستقع، وعليه فإن المنطقة مستمرة رهناً لكل الاحتمالات.
المنطقة ستشهد المزيد من تبادل الضربات التي ستتضاعف شدتها لناحية إيقاع أعلى مستوى من التأثير والإيلام.. وأميركا فعلياً في الوضع الأكثر حرجاً باعتبارها تحارب على عدة جبهات
هناك اتفاق على أن أميركا سترد على استهداف قاعدتها في الأردن ولكن كيف ومتى وبأي حجم ومستوى، هذا هو السؤال المسيطر في ظل حالة الترقب السائدة. بايدن مُجبر على الرد أو على أي نوع من الرد في ظل مشهد السباق الرئاسي الذي يزداد حدة وخطورة بمواجهة خصومه الجمهوريين، ومرشحهم الأبرز ترامب، خصوصاً وأن هذا السباق يتخذ للمرة الأولى في تاريخ السباقات الرئاسية الأميركية منحنى مثقل بالمخاطر الداخلية إذا ما أخذنا ما يجري في ولاية تكساس بالاعتبار، وإذا ما تم تحميل هذه المخاطر لبايدن وولايته الرئاسية.
وعليه لا بد من الرد، لكن هذا الرد سيأتي في وضع إقليمي «شرق أوسطي» بات محفوفاً بالاحتدام بصورة أوسع وأكثر خطورة، فكيف يمكن لإدارة بايدن أن ترد من دون المخاطرة بتفجير صراع موسع في المنطقة.
– جبهة غزة
هذا الوضع الأميركي يضاعف من حرجه، جبهة غزة والفشل الإسرائيلي المتواصل في تحقيق الأهداف المعلنة، وهي بالأساس فشل أميركي، سواء كان ما يُقال عن أن الخلافات الأميركية الإسرائيلية تعرقل إغلاق هذه الجبهة، صحيحاً أم لا.. وسواء كان ما يُقال عن أن الكيان الإسرائيلي ما زال يسعى لجر أميركا إلى حرب أوسع في المنطقة، صحيحاً أم لا.. فإن أميركا بعد 117 يوماً من انفتاح هذه الجبهة، تبدو عاجزة عن تجيير تطوراتها لمصلحتها، وعاجزة أيضاً عن ضبط مسار التطورات بما لا ينعكس مزيداً من تقويض النفوذ والتواجد الأميركي في المنطقة.
حلفاء أميركا لا يجدون مصلحة لهم في التدخل في مسار الضربات المتبادلة خصوصاً في ظل الانزياحات الكبيرة التي تشهدها المنطقة لناحية تقرير اتجاهاتها المستقبلية
وبعد 117 يوماً لا زالت أميركا وكيانها عند النقطة ذاتها والتي هي باتجاهين: الأول هو التوصل إلى هدنة تقود إلى سحب ورقة الأسرى بصورة نهائية من يد الفلسطينيين، وإراحة الكيان من عبء هذا الملف، والثاني ما يسمى باليوم التالي وترتيبات ما بعد انتهاء الحرب، وكلا الاتجاهين مرتبطان بالنسبة للكيان وداعمه الأميركي، إذ إن الأول يقود حُكماً إلى الثاني في حال نجحت أميركا في تحقيقه بالضغوط والابتزاز والالتفاف، وهو ما يُقال حالياً عن مسار التفاوض القائم «واجتماع باريس» حيال هدنة جديدة بفترة زمنية أطول ومن ثلاث مراحل يُصار في نهايتها لإغلاق ملف الأسرى، والتفرغ لترتيبات اليوم التالي بالطريقة والمسار نفسهما.
لكن الحسابات لم تستقم حتى الآن مع ما يخطط له الأميركي والإسرائيلي، فما زال الفلسطينيون يقاومون وبعيدون عن التسليم والرضوخ.
– الحسابات الأميركية
بكل الأحوال فإن هذه الحسابات مستمرة يحملها المسؤولون الأميركيون تباعاً إلى المنطقة، إلى جانب الحسابات المباشرة التي يجريها متزعمو الكيان الإسرائيلي في زياراتهم الأميركية ومنها زيارة من يسمى وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، إلى واشنطن اليوم لبحث ملفي الأسرى واليوم التالي للحرب.
بالتزامن يستمر متزعمو الكيان في إطلاق التهديدات باتجاه الجبهة الشمالية، وهي تهديدات لا تخفي عنصر المخاوف الكبيرة، بل الهلع الذي يشعر بها الكيان تجاه جبهة الشمال والمقاومة اللبنانية، مع استمرار العدوان على قطاع غزة الذي يكاد يختتم شهراً رابعاً، مع حصيلة ضحايا من أهل القطاع تقارب الـ 100 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح ومفقود.