سلوك مكتسب وليس وراثياً.. دوافع وأسباب وراء السرقة عند الأطفال في المدارس

دمشق – بشرى سمير:

ما إن وضعت الطالبة هبة الله من الصف السادس علبة الألوان الخاصة بها على مقاعدها في المدرسة، حتى اختفت لتكتشف بعدها أن أحد التلاميذ في صفها قد سرقها في غفلة منها، وتقول هبة إنها ليست المرة الأولى التي تفقد فيها الكثير من أغراضها سواء الأقلام أو الدفاتر أو الممحاة أو النقود..
وتشير والدتها، التي راجعت المدرسة أكثر من مرة بهذا الخصوص إلى أنها وُعدت من قبل إدارة المدرسة بإيجاد حل لكن دون جدوى.. حادثة السرقة هذه تضعنا أمام ظاهرة خطيرة باتت منتشرة في مدارسنا باعتراف مديرة إحدى المدارس، التي أشارت إلى أن الحاجة والرغبة في امتلاك أدوات مدرسية جديدة، تدفع بعض الأطفال إلى السرقة، مشيرة إلى أن هذا التصرف هو سلوك اجتماعي يدل على البيئة التي تربى فيها الطفل.

سلوك مكتسب
فيما تشير الاختصاصية الاجتماعية والتربوية الدكتورة حنان الظاهر، إلى أن هناك العديد من الدوافع والأسباب وراء سلوك السرقة عند الأطفال، لافتة إلى أن السرقة تعتبر سلوكاً مكتسباً لدى الطفل وليس وراثياً، ومن أهم هذه العوامل هو الحرمان العاطفي، وعدم تقدير الذات، وعدم الشعور بالأمان والاستقرار، إضافة إلى التفكك الأسري، أو وجود مولود جديد بالأسرة، وعدم إشباع الاحتياجات النفسية لدى الطفل من خلال أسرته، كلها عوامل أسرية تؤدي إلى السرقة.

تربوية: يبدأ كاضطراب سلوكي وقد يتطور الأمر ليصبح جنوحاً

ولفتت إلى أن الرفاق أو الأقران لهم تأثير بالغ على اكتساب الطفل لسلوك السرقة، حيث قد يقومون به بشكل جماعي لتحقيق أغراض معينة، وقد يقوم به الطفل لإثبات قوته وشجاعته أمامهم.
وأوضحت الاختصاصية أن السرقة عند الأطفال تعتبر عرضاً شائعاً في الطفولة، إلا أنه غير ظاهر بوضوح بسبب تردد الآباء في الإفصاح عن سرقات أطفالهم ومناقشتها كظاهرة، لاعتبارهم الأمر شيئاً مخزياً أو فضيحة، وغالباً ما يبدأ ظهور السرقة عند الأطفال كاضطراب سلوكي واضح في الفترة العمرية بين 4 و8 سنوات، وقد يتطور الأمر ليصبح جنوحاً في عمر 10 و15 سنة، وقد تستمر الحال به حتى المراهقة المتأخرة عند بعض الأشخاص.
وترى الظاهر أن السرقة عند الأطفال من السلوكيات التي يكتسبها الطفل من بيئته، فالطفل الذي لم يتعلم التفرقة بين خصوصياته وخصوصيات الغير، أو بين ملكيته وملكية الآخرين، يفتقد التفريق بين حقوقه وحقوق غيره، فهناك أسر لا تقيم حدوداً لملكية الأشياء بين أفرادها إضافة إلى وجود عامل الحرمان المادي أو المعنوي، فالحاجة إلى تحقيق الرغبات غير المشبعة، قد تدفع الشخص المحروم إلى العدوان لإشباع الرغبات فقد يسرق الطفل الأغراض أو اللعب أو الطعام أو الحلوى أو يسرق النقود لشرائها.

عدم إهانة السارق
من جانبه المرشد النفسي عصام قبلان أكد أهمية علاج هذا السلوك قبل أن يتفاقم، ويحتاج علاج الطفل المصاب بمرض السرقة إلى حكمة بالغة من الوالدين وصبر، وكثير من الرعاية والاهتمام والمراقبة إضافة إلى دور المدرسة في العلاج من خلال عدم إشعار الطفل بالذل والإهانة، لذلك يجب الحرص على اختيار الطريقة والأسلوب المناسبين من قبل المعلمة في توجيه الطفل السارق، وتهذيبه، وتجنب ذله وإهانته، وتوجيهه إيجابياً من خلال الكلمات التي ترفع من قدره وتُشعره بأهميته في المجتمع، فالعامل النفسي في علاج السرقة أمر أساسي لا بدّ من مراعاته، كما يجب على المعلم معرفة أسباب السرقة والبحث عن الأسباب التي دفعت الطفل للسرقة، إذ إن بعض الأطفال يسرقون لأسباب عاطفية، والبعض الآخر يُقلّد الآخرين.

المحتوى الرقمي والتلفزيوني
وبحسب قبلان فإنه ينبغي على الآباء مراقبة المحتوى التلفزيوني والإلكتروني الذي يُشاهده أبناؤهم، إذ إنّ بعض البرامج الكرتونية تُظهر أنّ السارق شخص ذكي وخارق، ولا يمكن لأحد الإمساك به، ما يدفع الطفل للشعور بأنّه مشابه لهذه الشخصية ويُحاول تطبيق ما رآه في البرنامج على الواقع.

اختصاصي نفسي: علاجه يحتاج إلى حكمة بالغة من الوالدين وصبر

وأكد قبلان دور الأهل في العلاج من خلال بناء جسور الثقة والتفاهم والتواصل مع الطفل، واستيعاب السبب وراء تصرف الطفل بهذه الطريقة قبل معاقبته، لأن هذا الفهم يترتب عليه العثور على الحل المناسب، والعمل على إزالته، مع التركيز على الصفات المغايرة للسرقة وتدعيمها، حتى يختفي السلوك غير المرغوب فيه.
كما دعا قبلان الى تجنب تعامل الوالدين بشكل عصبي مع الصغير، والتفكير بهدوء بطريقة يمكن بها تخليص الطفل من هذا السلوك، وكذلك الابتعاد عن تهديد الطفل وتخويفه في حال ضياع أقلامه وكراساته على سبيل المثال.
كما يقترح قبلان تشجيع الطفل بتقديم الهدايا له، حتى ندفعه للتحلي بالأمانة، مع رواية القصص التي تغرس في الطفل الصفات الفاضلة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار