الهجرة تحت الضغوط الاقتصادية والمعيشية تؤثر على التماسك الأسري بين المهاجر وأسرته
دمشق – دينا عبد:
مما لاشك فيه أن تبعات الحرب والظروف المعيشية الصعبة جعلت الكثير من الأسر تهاجر إلى بلد آخر بقصد العمل فتغيب سنوات طويلة، وهذا الأمر يؤثر في العلاقات الأسرية والاجتماعية؛ وقد يكون من الصعب على طرف واحد (الأب أو الأم) تربية الأبناء بمفردهم لأنَّ لكل طرف دوراً في عملية التربية.
تؤثر في التماسك الأسري
اختصاصية الصحة النفسية د. غنى نجاتي ترى من وجهة نظرها أن تداعيات الحرب لم تمس فقط القطاع الاقتصادي كذلك أثرت في التماسك الأسري والنفسي بشكل واضح؛ فمن الآثار النفسية والنتائج السيكولوجية التي حدثت بسبب الحرب لظرف أو لآخر وأدت لتفكك الأسرة هي التبعات الاقتصادية وغلاء المعيشة وقلة الدخل الذي دفع بالكثير من أسر بأكملها للهجرة بحثاً عما يؤمن لها حياة أفضل.
د. نجاتي: ابتعاد الشخص عن أسرته بدافع الهجرة تصيبه بالعجز
وأشارت نجاتي إلى أن هناك عائلات باعت كل ما تملك وهاجرت، وعائلات أخرى سافرت بغرض إكمال الدراسة أو بسبب الزواج؛ هذا الشيء يؤدي إلى انشقاق طرف من الأسرة ووجوده ببيئة مختلفة للعادات والتقاليد التي عاش عليها، ومن آثارها النفسية سيصبح هناك تباعد نفسي بين المهاجر وبين أسرته النووية الممتدة التي انشق منها وسيصاب بالعجز عن القيام بأي شيء؛ ولكن مع الوقت سيصبح لديه تعود على أن أسرته بعيدة عنه ويصبح لديه حالة اعتياد نفسي على البعد الأسري.
ومن الآثار السلبية للأسرة المهاجرة إهمال كبار السن وخاصة عند وضعهم في دار للمسنين، فيحس المسن بأنه مهمش من قبل أبنائه الذين لم يهتموا به.
وختمت د. نجاتي حديثها بأن السفر هو الخيار الوحيد للبحث عن حياة أفضل للأسر المهاجرة حتى لو كان سيترك آثاراً قاسية وندبة نفسية.
آثار نفسية واجتماعية
الاستشارية النفسية والأسرية عزة كردي ترى أن الآثار الاجتماعية والنفسية مهمة جداً؛ لكن وجب التنويه في هذا الخصوص بأن ليست كل أسرة مهاجرة تعاني التفكك الأسري أو الاجتماعي؛ فقد نجد العديد من الأسر تعيش تحت سقف واحد مجتمعة ولكنها متفككة على جميع الصعد.
كردي: ليست كل أسرة مهاجرة تعاني التفكك الأسري أو الاجتماعي
مضيفة: اليوم في قراءة لواقع العائلات والأسر في سورية نجد أنَّ كلَّ عوائق البعد تزول أمام الأهل والأبناء طالما بالمقابل الهجرة تضمن لهم دخلاً جيداً وحياة كريمة لأنّ أغلبية الأسر السبب الأساس وراء تفرّقها هو الوضع الاقتصادي الذي بات مشكلة رئيسة لـ ٧٠% منهم.
والسؤال هنا: هل كل الناس تتأقلم وتتكيف مع هذا السيناريو بالطريقة نفسها؟
الجواب؛ بالطبع لا، فعوامل البيئة والتربية والفكر والوعي وتعامل الأطراف كلها في هذا المنحى مع بعضهم تختلف، وأيَّاً يكن سبب تباعد أفراد الأسرة الواحدة عن بعضهم تبقى المسؤولية كبيرة ليبقى التوازن النفسي والتفكك الاجتماعي الناتج عن هذه الهجرة مطروحاً على الطاولة وبشدة؛ لأن ركائز الأسرة متباعدة وكل طرف يحاول أن يمسك بالعصا كي لا تميل ولكنها ستميل؛ لن نعيش أجواءنا كما لو كنا مجتمعين في فترات الطعام والأعياد والمناسبات فالمشاركة الاجتماعية توقفت؛ والتواصل الحسي البصري الشعوري توقف لأنَّ كل المناسبات أصبحت عن طريق الإنترنت.
وتشير كردي إلى أنَّ تربية الأبناء فيما لو كانوا صغاراً وأحد الطرفين من الأب أو الأم غير موجود أمر يحتاج إلى قوة وحكمة وانفتاح وصبر وهذا أمر شبه نادر في مجتمعنا لذلك نرى حالات صعبة من الضياع للأطفال وحتى الأكبر سناً (المراهقين)، ولنكون منصفين، فكل الأطراف في الأسرة المهاجرة يبذلون جهداً من منظورهم الشخصي للمحافظة على كيان أسرة متحابة متوازنة نفسياً واجتماعياً في مجتمع يحمل كلَّ التناقضات.