سببه معتقدات غير عقلانية.. جنون العظمة أو وهم العظمة أكثر من مجرد غرور أو تقدير عالٍ للذات
تشرين – إلهام عثمان:
أنا القوي الخارق.. أنا الملك.. عبارات قد ترن في مسامعنا من برنامج تلفزيوني أو إذاعي، لكن في الحقيقة هناك أشخاص فعلاً يظنون أنفسهم ملوكاً أو أبطالاً لا يقهرون وهم فوق الجميع، إلا أن الإنسان مهما كان قوياً، لا يستطيع أن يكون بطلاً خرافياً يتحدى الطبيعة في تصرفاته وتفكيره، لماذا؟.. ببساطة لأن الله خلقنا هكذا..
خبير: يعتقد المريض أن جميع من حوله يحيكون المؤامرات ضده
الثقة بالنفس شيء رائع يجب أن تدعم تفاصيل شخصيتنا، لكن، ماذا لو زادت تلك الثقة عن حدها, فكما قيل؛ “ما زاد عن حده قلب ضده” هنا تحديداً.. وجب الانتباه والحذر من وجود مشكلة ما في هذا الشخص، والتي تتجسد بوجود اضطراب عقلي، هو مرض جنون العظمة أوالوهم والارتياب.
جنون العظمة أو الوهم
يشير هذا الاضطراب لحالة من الغرور الشديد واعتقاد الشخص المريض أنه أفضل و أهم الآخرين، و هنا تطفو سلبيات هذا الاضطراب.. حيث يؤثر في علاقاته وتصرفاته بشكل سلبي مع المحيطين به.
(إ.ش) أكدت لـ”تشرين” أنها تزوجت منذ ٧ سنوات من أحد الشبان، إلا أن زواجها لم يتم بسبب أمه حيث كانت تعتقد بأنها محط الكون، وأنها تعي كل الأمور، رغم إنها في الواقع (حسب وصفها)، جاهلة ولا تمتلك أي شيء مما تدعيه سواء من العلم او إدارة شؤون المنزل أو حتى توجيه أفراد أسرتها بالشكل الصحيح، وتتميز بحبها للسيطرة على إدارة الأمور المالية, والسيطرة أيضاً على أفراد أسرتها على الرغم من عدم تقبل بعضهم ذلك, واللافت جداً أن تلك الشخصية هي عكس ما تدعي تماماً، وكل من يخالفها تظهر سلاحها في وجهه فهو عدوها اللدود.
تواصل (إ.ش): الغريب أنها بعد تحريض زوحي على ضربي تقوم حماتي بلعب دور الضحية الضعيفة، علماً أنني كنت الطرف المسالم دائماً وذلك لرغبتي “بالحفاظ على زواجي أولاً – وثانياً لإرضاء زوجي” إلا أن جنون العظمة لديها دمر زواجنا.
ليس كل من يعاني من بعض الأفكار المزعجة من وقت لآخر يكون مصاباً بجنون الارتياب والعظمة
ومن هنا نجد أن مريض جنون العظمة له معتقدات غير عقلانية، هذا ما أكده الاختصاصي النفسي د. صهيب الحمدان من خلال تصريحه لـ”تشرين”، مبيناً أن المريض يظن نفسه شخصاً خارقاً يستطيع فعل ما لا يستطيع فعله البشر، وأنه شخص مشهور ويحتل مكانة عالية في المجتمع، ولكنه في حقيقة الأمر عكس ذلك تماماً، فقد ينسب نفسه إلى نسل العائلات المخملية أو الأنبياء أو المشاهير، ولكن، أكثر ما قد يفاجئك، أن هذا الشخص” لا يكذب عليك”، فهو في الحقيقة يشعر بذلك، لأنه مصاب بهذا الاضطراب فهو أكثر من مجرد غرور أو تقدير عالٍ للذات أو شعور مبالغ فيه بأهمية الذات، وإنما يمثل انفصالاً كبيراً عن العالم الحقيقي.
للضرورة أحكام
أما ناصر يوسف طالب جامعي وعامل في سوبر ماركت، أوضح لـ”تشرين” أن صاحب المتجر يتبختر في مشيه وكأنه الملك، ويعامله بفوقية وفظاظة وكأنه وليّ نعمته، ويفرض رأيه في كل الامور، ويوضح بملامح حزينة أنه ملتزم بتسديد أقساط جامعته وإلا لما استمر في العمل (للضرورة أحكام).
من جهته أشار الحمدان إلى أن المريض يستمر في الوهم رغم تناقض الأدلة لديه، كما يظن أن الجميع ممن حوله يحيكون ضد شخصه المؤامرات، ولا يمكن لأي شيء إقناعه بأن ما يعتقده أو يشعر به غير صحيح.
وشدد الحمدان على أن الشخص المصاب بأوهام العظمة، والذي لا يعاني من أي أعراض أخرى مثل “الهلوسة السمعية والبصرية”، يستطيع أن يباشر حياته اليومية بشكل طبيعي، لكن قد تتأثر حياته الاجتماعية وتصبح في إطار ضيق جداً ومعزول عن الغير نتيجة نفور الآخرين منه، وليس كل من يعاني من بعض الأفكار المزعجة من وقت لآخر يكون مصاباً بجنون الارتياب والعظمة، هذا ما أكده الحمدان، لذا لابد من أن تستمر هذه الأفكار غير المنطقية أو غير المبررة لفترة طويلة، إذ إنه غالباً ما تصاحبه بعض الأمراض العقلية.
أعراضه
الهلوسة والشعور الوهمي بالتفوق والعظمة، وصعوبة الانسجام مع الآخرين بسبب الوهم، يشعر بأنه ضحية الغير طوال الوقت، والاضطهاد الدائم، وإساءة الفهم من قبله، وعدم الثقة بالآخرين، ما يسفر عنه العزلة والانطواء، و بسبب عدم الثقة تتولد علاقات سيئة مع الآخرين، الإصرار رغم مخالفة الأدلة، الهروب و نبذ الأشخاص الذين يرفضون قبول اعتقاده الوهمي والشعور بالغضب منهم، والعمل على إقناع الآخرين بقبول معتقداته والتسلط، والتصرف كما لو كان اعتقاده صحيحاً، كما يرافقه اضطرابات مزاجية مثل الغضب والعصبية.
أسبابه
وأوضح الحمدان أن مرجع الاضطراب قد يكون “وراثياً” من أحد أفراد العائلة، أو “عضوياً” فحبوب الهلوسة من أهم الأسباب التي تجعل الشخص يتخيل نفسه مميزاً عن الآخرين وكأنه الملك، و بعض الدراسات أشارت أن كثيراً ممن يعانون من إعاقات بدنية يصابون بهذا المرض، وفي الغالب هم من ذوي أمراض الصمم وشلل الأطفال والمكفوفين.
العلاج صعب فأغلب من يعاني هذا الاضطراب هم مثقفون و مشاهير ولديهم سلوك عدواني تجاه المعالج
وقد تكون أسباب “نفسية” مرجعها الأسرة فالإهمال والإيذاء يولّد لدى الشخص شعوراً بالخوف الشديد من الفشل والإحباط، أو “القلق الزائد” الذي يؤدي إلى اكتئاب مزمن فيلغي الثقة بالنفس، الاضطراب في نمو الشخصية، فقدانه لشخص أحبه لدرجة التعلق، نتيجة الموت أو فشل في الحب أو السفر قد يؤدي لاضطرابه فيبدأ بتخيله ويعاني من أعراض الفصام التي تتحول بعد ذلك إلى (الوهم)، هذه الأسباب تؤدي إلى ظهور شخص يعاني صراعاً شديداً مع النفس، فيظن أنه ليس له مثيل في العالم ويبدأ يتخيل أنه الملك والأسطورة.
ولسوء الحظ، حتى وإن كان هذا الشخص ذا قيمة في المجتمع، فإنه يفقدها بكل سهولة، وكثير من العلماء والعظماء ورؤساء الدول والمشاهير أصابهم هذا المرض، مثل “هتلر” الذي كان يظن أنه مبعوث لينقّي العرق الألماني، و ريتشارد نيكسون رئيس للولايات المتحدة الأمريكية والذي كانت لديه قناعة دائمة بأن هناك مؤامرة تحاك ضده.
العلاج
بين الحمدان أن هناك عدة طرق تتلخص في زيارة الطبيب المختص أو زيارة المشفى وتلقى نوعاً من الأنسولين المعدل والصدمات الكهربائية، ولكن.. كيف والمريض مقتنع بأنه غير مضطرب, فأغلب من يعاني هذا الاضطراب هم (مثقفون و مشاهير).
يبدأ المعالج بدعم وتعزيز السلوك التوافقي وفق رأي الحمدان، وهنا يحدث اهتزاز في تماسك الشخصية، ويساعد دور الأسرة و العمل الجماعي والبيئة المحيطة على تقبله العلاج، ويكون ذلك بمساعدته على الاندماج في المجتمع، والقيام بالأنشطة الاجتماعية فيشعر بأنه جزء من العالم، وليس فوق البشر، وأنه كغيره من الناس، ويؤكد هنا الحمدان أنه وعلى الرغم من (عدم وجود علاج مطلق) للحالات التي تسبب الوهم، إلا أن العلاج يمكن أن يساعد الشخص على التكيف مع أعراضه ليمارس حياته كما يجب، والجدير بالذكر أن الشخص المضطرب قد لا يتقبل العلاج لظنه أن المعالج يحسده ويحقد عليه.
علامات
أهمها على الإطلاق، وحسب رأي الحمدان، عدم تقبل النقد إطلاقاً من الناس أو الأقارب والاستخفاف بهم وبقدراتهم المختلفة، كما يتميز بكثرة الكلام والرغبة في التحدث من دون توقف، والسير كالطاووس تعد أحد أعراض المرض الواضحة من دون خلاف، وشعوره بأنه مركز العالم أو الشخص الذي ليس له مثيل، فهؤلاء الأشخاص لا يؤمنون بأن معتقداتهم مجرد أوهام، وعادة ما يقاومون العلاج. فغالباً ما تكون الأدوية المضادة للذهان أحد العلاجات المفيدة له, ومدة العلاج غالباً ما تكون طويلة المدى وتحتاج صبراً.
تقليل الأعراض
الهدف من العلاج وفق ما أشار إليه الحمدان هو تقليل الأعراض والتحكم بها، والعمل على مساعدة المريض على مواصلة حياته بأكبر قدر من الالتزام، ومنع تدهور حالة المريض، كما يجب أن يتضمن العلاج (جلسات العلاج النفسي) التي تساعد المريض على تطوير مهارات أفضل في التأقلم مع الآخرين، والتواصل معهم، وتعليمه طرقاً مختلفة للتحكم في مشاعره والتعبير عنها، وتطوير ثقته في الآخرين.