صدى الأزرق في البيت الأزرق الفنان التشكيلي سموقان: أوغاريت كانت المؤثر الكبير على تجربتي وخصوصيتي الفنية
تشرين- لمى بدران:
ودّعنا مؤخراً عاماً بكلّ ما فيه من معاناة ومصاعب وتجارب مختلفة عاشها كل سوري بطريقته الخاصة، ويَحدُث أن يواجه الفنان التعاسة والمعاناة والوضع العام بريشته التي هي لغة الفن والتي يضع فيها مختلف انفعالاته ويقدّم الجمال من خلال لوحاته التي يرسمها ليواجه بواسطتها القبح والحروب..
وصلت إلى درجة من الحداثة التشكيليّة تأسرنا في عالمها الأزرق
خمسون لوحة
الفنان التشكيلي محمد أسعد سموقان في لوحاته الخمسين المعروضة في غاليري (البيت الأزرق) بدمشق، وبعنوانٍ “لوني” طالما شغل الفنان سموقان (صدى الأزرق)، والذي يأتي ضمن أيام الفن التشكيلي.. في هذه الأعمال يُعبّر سموقان عن أفكاره التي منها مواجهة المآسي بطريقة غير مباشرة وأدواته في هذه المواجهة هي: اللون والمساحة البيضاء التي يُسقط فيها كوامنه الزرقاء المتّسمة بالجمال والذي برأيه هي السبيل الأنجع لمواجهة كل مصاعب الحياة.. ويقول لـ(تشرين): كانت سنة ٢٠٢٣ الأكثر تعاسة على السوريين إلّا أنها الأكثر إنتاجاً بالنسبة لي، وآخرها معرضي في صالة البيت الأزرق والتي هي من أهم الصالات التي عرَضتُ فيها أعمالي في سورية.. ومعرضي لم يكن مجرّد عرض لوحات فقط وإنما عرضتُ أيضاً فكرة فلسفية ألا وهي قصة الأزرق أو “صدى الأزرق” كما سميتُ المعرض.
عالم الأزرق
لقد وصلنا في هذه الأيام إلى درجة من الحداثة التشكيليّة التي قد تأسرنا في عالمها الأزرق، والذي يشدّنا بدوره كعاطفة لكثرة الانفعالات التي يقدّمها هذا اللون، ولإيحاءاته التي تتراوح في درجاته بين المسؤولية والتراخي والعمق والتعب والقدامة.. الخ، والأزرق هو لون سورية الذي خصّصه السوري الفينيقي منذ القدم للملوك والآلهة، وهو لون أوّلي وأساسي في العوالم القديمة للشرقين الأدنى والأوسط، وبالتأكيد إنّ تجربة التشكيليّ سموقان التي تعود لأكثر من نصف قرن تعكس النموذج الأعلى والأمثل للفنان المولع باللون الأزرق، ويحاول في معرضه حسبما ذكر لنا، البحث في فلسفة اللون لدرجة المتعة، فهو يشعر بالاستمتاع حينما يرى أن اللون الأحمر يصبح أزرق أمام المشاهد والأخضر والأسود وكل الألوان تصبح زرقاء….! كما يرّكز هنا على إظهار القيمة العليا للوظيفة الزرقاء لكل لون.
أركز على إظهار القيمة العليا للوظيفة الزرقاء لكل لون
المتلقي مُشاركاً
يَعدُّ ابن محافظة اللاذقية سموقان أن المشاهد يشارك في العمل الفني أو هو مشارك حقيقي، ورغم أنه يعمل على اللامرئي أكثر من المرئي إلّا أنه يلاحظ أن اللامرئي يكون بالنسبة له أو بالنسبة للمشاهد مرئياً جداً، وما أن نرى العناصر التي يتناولها في لوحاته سنلاحظ أنه على قيد الحياة وفيها روح.. فهي متحركة وليست جامدة سواء كانت سلّماً أو كرسيّاً أو مزهرية أو بناء أو بورتريهاً أو حصاناً أم قطّة أو كلباً أم شجرة.. فهي متحركة عاشقة للسطح الذي تتواجد فيه، فالشكل هو من يقود إلى الفكرة وليس العكس….
النزعة الأسطورية
نشاهد في بعض اللوحات وجوهاً تتكىء على بعضها وأشخاصاً يعانقون بعضهم وتحيط بأغلبها تفاصيل تبدو أسطورية بشكلٍ كبير وهذا يدلّ على مفهومين أساسيين هما أولاً الفعل المغلّف بسلطة الحب واللون وثانياً النزعة الأسطورية.. وفي هذا الشأن يقول سموقان: في فترة الثمانينيات حتى التسعينيات اشتغلتُ كثيراً على الأسطورة نظرياً وعملياً ولقد أقمتُ معارض متعددة عن حضارة أوغاريت وبلاد الرافدين وجلجامش.. وكان يشاركني في أغلب معارضي التشكيلي السوري المرحوم هيشون حيث الأسطورة كانت حاضرة في جميع أعمالنا ولكن لكل منا أسلوبه وطريقته في معالجته لهذه الأسطورة، وبعد فترة الأساطير هذه انتقلتُ إلى تجارب أخرى منها تجربة الغابة والمدينة والبحر وأبجدية الأزرق.. وفي كل هذه التجارب كانت الأسطورة حاضرة، وتبقى سلطة الأسطورة ومحبتي لأوغاريت…للبلد الذي عشت فيه هو المؤثر الكبير على تجربتي حيث فيه خصوصيتي في الرسم وخصوصية المكان الذي أعيش فيه…
المشاهد مشارك حقيقي ورغم أنه يعمل على اللامرئي أكثر من المرئي
سنة المعارض
أفصح الفنان سموقان عن أن عام ٢٠٢٤ سيكون بالنسبة له عام المعارض الدولية حيث سيكون له أول معرض في صالة الفن المعاصر وسيعرِض فيها أكثر من (٢٥) عملاً فنياً، وينظم هذا المعرض القصر الكبير في مدينة ليل الفرنسية في شهر شباط القادم، ويشارك فيه ( ٧٠٠ ) فنان من العالم مرشحين من قبل صالات عرض عالمية، ومعرض آخر أيضاً في بلجيكا في العاصمة بروكسل وبشهر أيلول من هذه السنة، ويضيف: ونترك التفاصيل لحين المشاركة…
من الجدير بالذكر أن الفنان سموقان الذي شكّلت بداياته من كورنيش بحر اللاذقية فعلاً حداثوياً يتّصف بالجرأة والحداثة هو عضو اتحاد الفنانين التشكيليين وله معارض فردية وجماعية مهمة داخل سورية وخارجها.