ملف «تشرين».. كيف يرسم محوران (متعاديان/متصالحان) مسار زعامة عربية/ إقليمية مستقلة ونافذة في عالم جديد يتشكل؟
تشرين – مها سلطان:
هل يكفي أسبوع واحد لإعطاء تقييم لحال «تحالف الازدهار» الذي أعلنت الولايات المتحدة الأميركية تزعمه في البحر الأحمر بذريعة حماية الملاحة الدولية فيما حماية الكيان الإسرائيلي ومصالحة التجارية هي الهدف، وهو معروف للجميع؟
قبل حوااي أسبوعين من الآن «في 18 كانون الأول الجاري» نجحت أميركا في استقطاب التركيز العالمي بإعلانها عن «تحالف الازدهار» على اعتبار أنه سيقلب المنطقة من حال إلى حال، وأن كل العالم «والمنطقة خصوصاُ» سينقسم مجدداً، مع أو ضد، مع أغلبية لـ«مع» كما كان الحال سابقاً.
بعد أسبوع، فشلت أميركا في الحفاظ على حال التركيز العالمي، العالم لم ينقسم، المنطقة لم تهرول للاصطفاف خلف ذلك التحالف، الكيان الإسرائيلي تضاعف مأزقه.. محور المقاومة «ومن ضمنه اليمنية» لم يتراجع، بل أظهر أقصى مستوى من التحدي والتهديد والقدرة على التنفيذ وتوسيع دائرة المعركة لتشمل البحر المتوسط أيضاً، وصولاً إلى جبل طارق «وفق تصريحات إيرانية خلال اليومين الماضيين».
كيف يرسم محوران (متعاديان/متصالحان) مسار زعامة عربية/ إقليمية مستقلة ونافذة في عالم جديد يتشكل؟
خلال هذا الأسبوع، لم تتخذ أميركا إجراءً ميدانياً واحداً تحت غطاء تحالف الازدهار حتى بدا وكأنه في حالة تجميد، باستثناء «الرد الهستيري» يوم الأحد الماضي لإحدى البوارج الأميركية لاسقاط مسيرة يمنية، حيث انفجر أحد الصواريخ بالقرب من سفينة تابعة لجمهوية الغابون، وبما وضع الموقف الأميركي في مأزق شديد، ومعضلة حقيقية لناحية «من هو الطرف الذي يهدد أمن الملاحة في البحر الأحمر؟».. مقابل المقاومة اليمنية/أنصار الله/ التي سجلت هدفاً جديداً في المرمى الأميركي دون أن تستطيع واشنطن الرد ولو ببيان عن حقيقة ما حدث لسفينة الغابون، وعليه بات على أميركا أن تحسب كل خطوة مئة مرة.
لقد باتت بالمرصاد تماماً، وسط حالة تأييد إقليمية ودولية هي في حدها الأدنى، وربما هذا ما يفسر لماذا يبدو تحالف الازدهار في حالة تجميد أو بعبارة أدق عاجز عن الفعل، وحتى رد الفعل، إذا كان رد الفعل سيكون من نوعية ذلك الرد الهستيري.
هل يستمر الحال كذلك، هل تقبل الولايات المتحدة باستمرار هذه الحال، هل من خيارات أمامها، وهل سيكون تحالف الازدهار هزيمة نهائية لها في المنطقة؟
ظاهرياً، هذا ما يبدو عليه واقع الحال، ولكن عملياً هل أميركا باتت فعلياً من دون أوراق قوة في المنطقة.. هل مازال هناك وقت للالتفاف والمناورات، هل باتت طرفاً يخضع للضغوط والابتزاز؟
بعد أسبوع من إعلان «تحالف الازدهار» فشلت أميركا في الحفاظ على حال التركيز العالمي العالم لم ينقسم المنطقة لم تهرول للاصطفاف خلفها.. الكيان تضاعف مأزقه.. ومحور المقاومة أكثر تحدياً
الأسئلة تبدأ ولا تنتهي، وليست كلها تحظى بإجابات، لكن المهم والذي هو محل إجماع أن المنطقة، وعلى مرآى من الولايات المتحدة، تغيرت كلياً، وهي وإن كانت مازالت منقسمة بين محورين أساسيين، إلا أنهما محوران يلتقيان في أكثر من نقطة، وإن كانا يعملان بطريقة مختلفة، كلاهما يريدان إرساء معادلات قوة جديدة في المنطقة يكونان فيها طرفين قائدين حتى لا يذهبا «ضحايا جانبيين» لعالم جديد يتشكل. وكلاهما يمتلك أوراق القوة الكافية، ويَعيان تماماً حجمها وتأثيرها وقدرتها على الضغط والفرض والاستحواذ، والأهم القدرة على تحقيق استقطاب إقليمي دولي، على قاعدة مصلحتهما أولاً، وكما أن المنطقة تغيرت فإن العالم تغير أيضاً وبات أكثر سهولة في الاستقطاب لهذا المحور أو ذاك، لقد بات العالم أكثر مرونة في التحرك والمناورة بعيداً عن هيمنة الولايات المتحدة، يبحث عن مصالحه وعن مواقع القيادة ويريد قلب العالم كله على رأس الولايات المتحدة وزعامتها التي جعلت كل العالم «طوال قرن كامل» يجلس على فوهة بركان من الحروب والاضطرابات والأزمات.. وهذه فرصة إذا لم تستغلها المنطقة، قد لا تتوافر مجدداً، أقله لن تتوافر في هذا القرن.
الآن، لماذا الاعتقاد بأن «تحالف الازدهار» يعطي صورة حقيقة عما آل إليه حال الولايات المتحدة وزعامتها العالمية؟
– أولاً: في المنطقة
عندما أعلنت أميركا عن هذا التحالف، تحوّل كامل التركيز العالمي إلى المنطقة.. تحديداً على من يسمون حلفاء أميركا الاستراتيجيين « بعض الخليجيين والذين هم في الوقت نفسه خصوم المقاومة اليمنية ويشنون حرباً عليها منذ عام 2015» ويُعتَبرون أيضاً ضمن المتضررين من أي اضطرابات في البحر الأحمر.
وتحديداً بالدرجة الثانية من يتم إدراجهم ضمن المتضررين بصورة مباشرة، مصر والأردن، حيث استبقت أميركا والكيان الإسرائيلي عملية الإعلان عن تحالف الازدهار بحملة تخويف وتشويش، باتجاه مصر والأردن باعتبارهما الخاسرين الأكبر من وراء عمليات المقاومة اليمنية في البحر الأحمر.
ويأتي بالدرجة الثالثة الأطراف العربية الأخرى، بعضها على الضفة المقابلة للبحر الأحمر «الصومال وجيبوتي»، وفعلياً يتم التعامل معهما كتحصيل حاصل، حيث الصومال لا يملك كيان الدولة الكامل، فيما جيبوتي تعد قاعدة متقدمة لكل من أميركا والكيان الإسرائيلي «أما السودان فهو يعيش على وقع يوميات اقتتال داخلي جديد وبالتالي فهو خارج الحسابات حالياً».
1 – «الحلفاء الاستراتيجيون»
كثير من المراقبين والمحللين اتجهوا في تحليلاتهم إلى مسألة أن «الحلفاء الاستراتيجيين» لم ينضموا إلى تحالف الازدهار لأنهم «تعلموا درس العراق- ثم ليبيا- جيداً» أو أنهم انضمو سراً، تلافياً للحرج أولاً، ولتبعات الانضمام ثانياً، فهم لا يريدون توسيع المواجهة مع المقاومة اليمنية فيما هناك مسار سلام مفتوح معها، ويكاد يكتمل.
العالم تغير جذرياً.. بات أكثر مرونة في التحرك والمناورة.. يبحث عن مصالحه وعن مواقع القيادة ويريد قلب العالم على رأس أميركا وهذه الفرصة الأكبر للمنطقة
لنعتبر أن هذا صحيح في جزء منه، دون أن يعني ذلك أن هذا الجزء الصحيح هو نقطة تحسب ضد «الحلفاء الاستراتيجيين» بل هي تحسب لهم، ولكن الدائرة أوسع من ذلك بكثير، تتعلق بقرارات استراتيجية بعيدة المدى «والاتجاهات» تم اتخاذها من قبلهم، وعلى قاعدة المصلحة والمصالح أولاً، والأهم على قاعدة القيادة – في عالم جديد يتشكل – ويرون أنهم يمتلكون كامل المقومات لذلك، فلماذا التبعية لأميركا؟.. عملياً إذا عدنا إلى التاريخ قليلاً كانت السعودية منقذاً لأميركا مرتين، مرة عبر «البترودولار» والثانية خلال أزمة الرهن العقاري 2008- 2009 هذا عدا عن أن إحدى أهم المحطات التاريخية في صعود أميركا باتجاه الزعامة العالمية كان الاتفاقات التي عقدتها مع المملكة في ثلاثينيات القرن الماضي، أما مسألة أن كل ذلك مقابل الحماية العسكرية الأميركية فهذه لم تعد قائمة لأنها لم تعد واجبة أو لنقل لم تعد بذات أهمية، إذا ما اعتبرنا أن هذه الحماية يمكن توفيرها بصورة أكبر وأعمق وأكثر احتراماً «وأرخص» عبر طرق وأطراف دوليين بعيداً عن الولايات المتحدة وضغوطها وتهديداتها وما تمارسة من ابتزاز مقابل الحماية التي تضع هذه الأطراف في الجانب المعادي أو الخصم بالنسبة لدول المنطقة، العربية وغير العربية.
ثم إن لا أمن لدولة أو استقرار أو سيادة إلا ضمن محيطها أولاً، هذا ما تثبته الأحداث التاريخية، وهذا ما باتت تدركه جميع دول المنطقة، ومن هنا كان التوجه السعودي باتجاه الإقليم (الاتفاق مع إيران وعودة العلاقات مع سورية ثم فتح مسار سلام في اليمن… الخ) وصولاً إلى عدم الانضمام إلى تحالف الازدهار.
ثم من قال: إن «الحلفاء الاستراتيجيين» غير متضررين بصورة مباشرة، أليست السعودية هي من يبني «مدينة عالمية/نيوم» على سواحل البحر الأحمر؟.. أليست أي تهديدات أمنية في البحر الأحمر ومع «أنصار الله» ستنعكس مباشرة على مسار الرفاه والازدهار والطموحات المستقبلية الهائلة التي تخطط لها كل من السعودية والإمارات على سبيل المثال؟
لا أمن لدولة أو استقرار أو سيادة إلا ضمن محيطها أولاً، وهذا ما باتت تدركه جميع دول المنطقة لذلك نشهد محطات التقارب الفارقة بينها وصولاً إلى منطقة بعيدة عن كل أنواع الهيمنة الخارجية
أيضاً.. أين المصلحة في الانضمام إلى تحالف هدفه الأساسي حماية الكيان الإسرائيلي ومصالحه طالما أن المقاومة اليمنية تعلن وتؤكد كل يوم أن المستهدف فقط هو السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى الكيان الإسرائيلي، دعماً لقطاع غزة وأهله في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي عليه (فإذا ما توقف توقفنا).. حتى الدول الغربية الحليفة لم تجد مصلحة لها في هذا التحالف، أكثر من دولة أوروبية لم تنضم إليه أو أنها أعلنت مشاركة رمزية باستثناء الدول الثلاث التابعة (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا)، لنأخذ تصريح جوزيب بوريل مفوض السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي كمثال، بوريل اعترف مؤخراً- بعد يومين على إعلان تحالف الازدهار- أن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع تحديد «أين يقع الجانب الصحيح من الرواية» عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط /غزة والصراع مع إسرائيل/ وهو بالتالي يخاطر بفقدان الثقة الدولية بسبب أنه لا يعرف ما إذا كان يقف مع الطرف المُحق، وهذا ينعكس على الوضع في أوكرانيا ومسألة التأييد الدولي للموقف الأوروبي الأميركي ضد روسيا في أوكرانيا.
السعودية حالها في ذلك حال جميع دول منطقة الخليج العربية، باستثناء البحرين التي أعلنت الانضمام إلى التحالف الأميركي، وللبحرين قصة مختلفة هنا ولها ما لها، وليس صحيحاً ما يقال إن البحرين واجهة أو مظلة، بمعنى أن البحرين تطوعت نيابة عن الآخرين لتكون في الواجهة وتتحمل كامل الحرج، لا نعتقد أن السعودية على سبيل المثال تحتاج لذلك، وهي أكثر من يجاهر بمواقفها، مثلها مثل أقرانها الخليجيين، وأحياناً تكون مواقفها صادمة جداً.. ثم ماذا تستفيد أميركا من الانضمام السري أو من العمل تحت واجهات، وهي التي تبحث بالدرجة الأولى عن حشد عربي (إقليمي/ دولي) تريد من خلاله كسب الشرعية لتحالفها، وتالياً في مرحلة لاحقة ربما، استصدار قرار دولي عسكري تشرع من خلاله عسكرة البحر الأحمر لمصلحتها وتحكم قبضتها عليه بمواجهة خصوم دوليين باتوا يزاحمونها بقوة على أهم مناطق نفوذها الحيوية، وأبرزهم الصين وروسيا.
الاعتقاد أن أميركا وهي أكثر من يعرف ويراقب مسار تطورات المنطقة وتحرر دولها من القبضة الأميركية.. هي أكثر من يقرأ التداعيات والمخاطر المستقبلية، ولكنها بمواجهة ذلك تصر على اتباع السياسات نفسها التي لم تعد صالحة بالمطلق بل هي باتت كارثية.. أو أن أميركا لم يعد لديها خيارات، إذا ما اعتبرنا أنه إذا كان لديها خيارات أو سياسات جديدة فإنها أيضاً لم تعد نافعة في ظل تغيرات المنطقة مرفقاً معها القوى المنافسة المزاحمة.
2- مصر والأردن
رغم أن مصر والأردن تُحسبان من دائرة المتضررين المباشرين، وفق التقييم الأميركي الإسرائيلي، إلا أنهما لم تنضما إلى التحالف، وإذا ما أخذنا بالاعتبار استمرار حملة التشويش والتخويف ضدهما فإن هذا اللاانضمام مؤشر كبير ثانٍ «بعد الحلفاء الاستراتيجيين» على أن هذا التحالف لن يكون بالقيمة أو بالنتائج المرجوة أميركياً وإسرائيلياً.
كون المنطقة العربية خارج تحالف الازدهار ومثلها القوى الصاعدة فهذا يجعله تحالفاً أميركياً أوروبياً فقط وهذا يُفقده الشرعية أولاً، وقدرة الفعل ثانياً
مصر والأردن أعلنتا عدم تأثرهما «حتى الآن» بعمليات أنصار الله في البحر الأحمر، وتالياً هما خارج الحسابات الأميركية، ولأن مسألة «حتى الآن» لا بد من الاستعداد لها، فإن مصر والأردن تعملان على تيسير العلاقات التجارية بينهم عبر عدة سبل، من بينها طرق برية جديدة، واتفاقات يتم العمل عليها. هما تحسبانها على المدى العربي/الإقليمي وأياً تكن تطورات جبهة البحر الأحمر فهي لن تكون بنفس المخاطر التي سيشكلها الإنضمام إلى تحالف هدفه فقط حماية مصالح الكيان الإسرائيلي فيما هو يواصل عملية إبادة جماعية بحق الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة من جهة، ويهدد مصر والأردن بما يسمى «الوطن البديل» من جهة ثانية، ويهدد مصر بـ «قناة بن غوريون» من جهة ثالثة، هذا عدا عن التهديدات الأمنية الأخرى.
تدرك مصر والأردن أن الانضمام إلى هذا التحالف هو بمنزل ممارسة «عملية ضد» هي فعلياً مسار انتحاري بما يمثله من تهديدات وجودية لكليهما. وبالتالي لم يكن من المتوقع منهما غير رفض الانضمام أياً تكن الضغوط والمساومات الأميركية.
3- الضفة المقابلة
كثير من السياسيين والمراقبين استغربوا تشكيل تحالف الازدهار، لأن أميركا وحلفاءها التابعين الثلاثة «بريطانيا وألمانيا وفرنسا» موجودون أساساً في المنطقة وبصورة عسكرية، من خلال قواعد متقدمة «في جيبوتي مثلاً» وبوراجها وسفنها تجوب مياه المنطقة من البحر الاحمر إلى بحر العرب إلى الخليج العربي وبحر عمان.. إذاً لماذا عمدت أميركا إلى تشكيل هذا التحالف؟
– الجواب قد يكون في جزء كبير منه متعلق بالخصوم، الإقليميين والدوليين «إيران، الصين، روسيا» ولأن البحر الأحمر مع مضيق باب المندب محسوب ضمن مفاتيح العالم الخمسة، ولأن هؤلاء الخصوم باتوا موجودين بقوة هنا، وبقواعد عسكرية متقدمة أيضاً، وبصورة تلقى تأييداً كبيراً في المنطقة.. كان لا بد لأميركا من تأكيد الوجود والنفوذ، ورأت أن الفرصة مواتية حالياً للبناء على عمليات أنصار الله وتقديمها باعتبارها تهديداً عالمياً يتطلب رداً عالمياً، حتى من قبل الخصوم، لكن ما حدث هو أنها فشلت في تحقيق ذلك. لقد أخطأت القراءة والرؤية، وتالياً التخطيط، فانعكس الأمر بهذه الصورة السلبية تجاه المواقف الدولية حيال الانضمام، ثم حيال طريقة عمل التحالف، والشكوك بالنيات الأميركية من ورائه.
– الجواب أيضاً قد يكون في جزء منه متعلقاً بالسيطرة على طريق التجارة الدولية عبر البحر الأحمر، أو بعبارة أدق احتكارها، عبر مضاعفة التوتير، باستهداف السفن (عن طريق الخطأ أو بزعم إسقاط المسيرات اليمنية) وبما يشكل بيئة غير آمنة بالمجمل، تجبر الشركات التجارية تباعاً على تحويل مسارات سفنها عن البحر الأحمر، وقد تكون الولايات المتحدة تخطط لما يمكن تسميته فرض «رسوم حماية» تحقق من خلالها مكاسب اقتصادية/عسكرية في آن، ولا يقلل من هذه المكاسب كل تلك التقارير حول التكلفة الباهظة جداً لإسقاط المسيرات اليمنية، وهي باهظة فعلاً، ولكن إذا ما كانت أميركا تفكر بفرض رسوم حماية فلابد أن تكون هذه الرسوم متناسبة مع تلك التكلفة، وعليه ستخرج أميركا رابحة..
أميركا تبني مخططاتها هنا على قاعدة الضعف التي هي عليها دول الضفة المقابلة للبحر الأحمر (ونحن هنا نتحدث فقط عن الدول العربية: جيبوتي، الصومال، السودان) ومن دون حاجة لطلب انضمامها إلى التحالف.
ثانياً، على المستوى الدولي
الآن، كون المنطقة العربية خارج تحالف الازدهار، ومثلها القوى الصاعدة: الصين، روسيا، الهند، البرازيل، فهذا يجعله تحالفاً أميركياً – أوروبياً، وليس تحالفاً دولياً، وهذا يُفقده الشرعية أولاً، وقدرة الفعل والتأثير ثانياً، وتالياً فإن الإخفاق محتوم بكل ما يعنيه ذلك من تكريس مسار الانحسار الأميركي عن المنطقة، وانعكاسات ذلك على زعامتها العالمية.
على الأكيد لم يكن في الحسابات الأميركية أن تلك القوى الصاعدة ستنضم إلى تحالفها، حتى عندما وجهت دعوة غير مباشرة للصين بهذا الخصوص، وربما اعتقدت أنها تستطيع تعويض ذلك بدول المنطقة العربية المعنية، لكن هذا لم يتحقق أيضاً. هذه القوى ليست مضطرة لذلك أبداً طالما أن مصالحها محمية وفق مسار تصريحات المقاومة اليمنية.. وعليه فإن هذه القوى لن تغامر بخسارة علاقات متينة بنتها مع دول المنطقة، ولن تغامر باستفزاز الجبهة اليمنية طالما أن مصالحها محمية وآمنة، في سبيل مصلحة طرف واحد هو الكيان الإسرائيلي ومن خلفه أميركا.
من الصعب توقع الخطوة الأمريكية التالية وإن كان من المؤكد أن واشنطن لن تقف متفرجة إذا ما فشل «تحالفها».. هي لن تتخلى عنه بل قد تستثمره باتجاهات لا تخطر على بال أحد
ثم إن الكيان الإسرائيلي هو طرف واحد في المنطقة، وليس من المتعذر تعويض الخسائر التجارية معه.
هنا لابد من العودة إلى الدعوة الأميركية غير المباشرة للصين. ربما اعتقدت أميركا أن الصين لها وضع مختلف عن بقية القوى المنافسة عندما يتعلق الأمر بالكيان الإسرائيلي، باعتبار أن هذا الكيان هو جزء من الممر الصيني (الحزام والطريق) وأن الصين لن تخاطر بخسارته، تخطئ أميركا مرة أخرى في قراءة الصين تحديداً، أولاً لأن أميركا نفسها تقود الممر الهندي الذي تم إعلانه خلال قمة العشرين في أيلول الماضي (وحيث يشكل الكيان الإسرائيلي قاعدته الأساسية في المنطقة) والهدف الأساسي ضرب الممر الصيني، فإذا ما نجحت في تحقيق الممر الهندي فهذا يعني أن الكيان الإسرائيلي لن يتردد لحظة واحدة في قطع مسار الممر الصيني.
وثانياً، لأن الصين أبعد رؤى وأوسع مدى في قراءة تطورات المنطقة، وتبني استراتيجية القوة والنفوذ وفق «نَفَس طويل» دون استعجال، وهناك اعتقاد واسع بأن الصين باتت تتفوق على الأميركي لناحية المكانة والحضور والنفوذ في المنطقة، وتالياً لماذا تخاطر بكل ذلك، فيما المنطقة بدورها تعيش انعطافة تاريخية، وربما بات الوجود الأميركي مسألة وقت، وهذا سيؤثر بلا شك على الكيان الإسرائيلي وقراراته إذا ما أراد الاختيار ما بين الممرين.
وثالثاً، لأن أميركا نفسها واقعة تحت الضغط الصيني، التجاري بالدرجة الأولى (والترسانة العسكرية هائلة القوة للصين بالدرجة الثانية) فلماذا تضع نفسها تحت الإمرة الأميركية فيما هي قاب قوسين من إزاحة أميركا عن الزعامة العالمية؟
ما نقوله عن الصين، نقوله عن بقية القوى الصاعدة وإن بدرجات مختلفة فلكل منها استراتيجية قوة ونفوذ تناسبها ووفق ظروفها ومخططاتها، ولا تجد أن لها مصالحة بتحالف على شاكلة تحالف الازدهار.
– ماذا الآن؟
بكل الأحول، وإذا كانت أميركا تدرك أو باتت تدرك كل ذلك، فما هي الخطوة التالية؟
على الأكيد لن تتخلى عن تحالفها، بل ستسعى إلى الاستثمار تحت مظلته، إلى جانب استغلال المصالح المتداخلة مع الآخرين، سواء في المنطقة (وما يسمى ظروفاً قاهرة) أو مع القوى الصاعدة (وما يسمى ارتباط مصالح عصيّة على الانفكاك على اعتبار أن مسارات التجارة والتطور التكنولوجي الهائل جعل العالم كله منطقة اقتصادية واحدة).
وليس من المؤكد أنها ستلجأ إلى خيار عسكري موسع، بمعنى إشعال المنطقة لجر الجميع إلى دائرة الحرب وقواعدها .. ولاحقاً نتائجها.
فعلياً، من الصعب توقع الخطوة التالية، وإن كان من المؤكد أن أميركا لن تقف متفرجة فيما المنطقة تتسرب من بين يديها.
لا بد من الانتظار.. ربما ليس لوقت طويل.
لننتظر ونرَ.
اقرأ أيضاً: