«المسافة صفر» تغرق الكيان بحرب استنزاف فادحة الخسائر.. أميركا تضغط لإنهاء العدوان والدخول بمرحلة «الترتيبات السياسية» وحديث عن تفاوض وهدنة جديدة؟

تشرين – مها سلطان:
كل ما يفعله الكيان الإسرائيلي هو الغرق أكثر في غزة، والأسوأ أنه مُجبر على ذلك، كل سبل الخروج من غزة مُهينة ومُذلة، والاستعانة بالأميركي لم تنفع.
وفيما تتضاعف خسائر الكيان بصورة سريعة ومحرجة في هذه المرحلة، فهو يختار الهرب باتجاه مزيد من التهديدات مُعاكساً حملة تقودها وسائل إعلام أميركية «وإسرائيلية» وهي حملة تبدو مدبرة ومتفقاً عليها نحو الترويج لهدنة جديدة أقرب لاتفاق يشبهه البعض بـ«أوسلو جديدة»، ورغم أن هذه الحملة مستمرة منذ نحو أسبوعين إلا أن أميركا وكيانها لا يبدو أنهما تلقيا ردود أفعال مرضية، ونحن هنا نتحدث عن ردود فعل عربية، خصوصاً المعنية والمتأثرة بصورة مباشرة بالحرب على غزة، أما رد فعل المقاومة الفلسطينية فهو واضح منذ بدأ الحديث عن هدنة جديدة بعد انتهاء تمديدات الهدنة السابقة أول هذا الشهر.. وعليه لا يبدو من سبل أمام الكيان الإسرائيلي سوى مواصلة التهديد، وسوى استمرار الغرق في غزة، هذا هو حاله فكيف إذا ما أضفنا لكل ذلك كوابيسه على جبهة الشمال، وحالة الشك حيال نجاح المخططات الأميركية على جبهة اليمن/ البحر الأحمر والمتمثلة بتحالف الازدهار.

«نغرق أكثر»
تحت عنوان «الجيش الإسرائيلي يغوص في مستنقع غزة» كتب المراسل الحربي لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية حول العملية البرية التي تتجه لتكون حرب استنزاف، وهو ما يعكس صمود المقاومة الفلسطينية وحجم الخسائر الفادحة التي يتكبدها الجيش الإسرائيلي في الجنود والعتاد والآليات العسكرية، وكذلك يعكس الأكاذيب التي يسوقها قادة هذا الجيش لناحية السيطرة على مناطق واسعة في شمال القطاع.

يديعوت أحرونوت: العملية البرية الاسرائيلية تحولت حرب استنزاف.. تفاقمت تعقيدات المعارك المتمثلة بالاشتباك وجهاً لوجه/ المسافة صفر/ والنتيجة: نحن ندفع وسندفع أثماناً باهظة

وكان الجيش الإسرائيلي أعلن عن حصيلة جديدة – غير نهائية – لقتلاه بلغت 498 قتيلاً و 2066 جريحاً منذ 7 تشرين الأول الماضي  (164 قتيلاً و 874 جريحاً منذ بدء العملية البرية).
ويقول مراسل «يديعوت أحرونوت»: إن الطقس العاصف زاد الطين بلة وصعّب من عمليات التوغل، فيما تفاقمت تعقيدات المعارك البرية المتمثلة بالاشتباك وجها لوجه، المسافة صفر، وإطلاق القذائف والصواريخ المضادة للدبابات والدروع، وأيضاً نصب الكمائن وزرع العبوات الناسفة وإلقاء المتفجرات، والتخوف من إطلاق نيران صديقة.
ويوضح المراسل أن الجيش الإسرائيلي يواجه سيناريوهات معدة مسبقاً من قبل مقاتلي حماس الذين يختبئون بالأنفاق، ويفخخون المنازل ويطلقون القذائف المضادة للدبابات.
وأكد أن هذه السيناريوهات تحولت إلى واقع على الأرض خلال سير المعارك البرية، قائلاً: إن هذه الظروف تقودنا إلى أننا ندفع وسندفع أثماناً باهظة، والحقيقة البسيطة، حسب المراسل هي “«أن الغارات الجوية والمدفعية وحدها لن تحقق هذه نتيجة، فقد بنت حماس مدينة تحت الأرض تعمل قوات الجيش الإسرائيلي على تفكيكها، وهو أمر صعب ومؤلم ومكلف».
وفي السياق ذاته تحدثت صحيفة «هأرتس» مؤكدة أن هجمات قليلة لحماس تكفي لتكبد الجيش الإسرائيلي خسائر بشرية وعسكرية بشكل يومي حتى في المناطق التي يسيطر عليها.
وتضيف «هآرتس»: بعد مرور 82 يوماً هناك صعوبة في تجاهل الثمن الباهظ, وكذلك التشكيك في أن أهداف الحرب لا تزال بعيدة عن التحقيق، فيما حماس لا تظهر أي علامات استسلام.
أمام هذا الواقع والتطورات الميدانية، تتابع «هأرتس»: إن الجيش الإسرائيلي لا يشعر بساعة رملية للتوقف أو ضغطاً لإنهاء المناورة، لكن معدل تقدم القوات ليس سريعاً، حيث يود الجيش إظهار أنه حقق بعض الإنجازات عند الانسحاب للمناطق الحدودية، والحفاظ على الوضع القائم من خلال التوغل البري المحدود وهجمات من الجو.

مرحلة مختلفة
وفيما هذا هو الحال وبلسان الكيان الإسرائيلي، إلا أنه لا يملك سوى الاستمرار في الحرب والغرق أكثر في غزة، وعليه يبدو مفهوماً أن تستمر التصريحات الإسرائيلية بأن العدوان «سيستمر أشهر أخرى» وفق أحدث التصريحات التي أطلقها أمس رئيس أركان الحرب الإسرائيلي هرتزي هاليفي، مؤكداً أنه «لا توجد حلول سحرية» أمام الكيان.
لكن هذا لا يعني عدم وجود مناقشات على أعلى مستوى بين الكيان وأميركا حيال ما يمكن القيام به، خصوصاً وأن الخلافات بين أركان العدوان في الكيان بلغت أوجهها وبشكل ينذر بانفجار داخلي ما بين حكومة بنيامين نتنياهو ومتزعمي جيش الكيان.

وفي هذا الإطار تأتي محادثات مستشار الأمن القومي الأميركي جيك ساليفان مع وزير ما يسمى الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر في واشنطن أمس، والتي تركزت على مسألة الانتقال إلى «مرحلة مختلفة» حسب تصريح مسؤول في البيت الأبيض طلب عدم نشر اسمه.

هناك حديث أميركي مختلف كلياً عن المتداول مفاده حجم الضغوط الأميركية على الكيان الذي بات أكثر ميلاً لإنهاء عدوانه من دون أي منجز ميداني والانتقال إلى مرحلة الترتيبات السياسية

وحسب هذا المسؤول فإن ساليفان ناقش مع ديرمر- المقرب من نتنياهو- مسأل «الانتقال إلى مرحلة جديدة من الحرب للتركيز على أهداف مهمة» بمعنى التركيز على استهداف قادة المقاومة.
في هذا الوقت كان وزير ما يسمى الأمن القومي الإسرائيلي ايتمار بن غفير يواصل هجومه الحاد على متزعمي الجيش الإسرائيلي خصوصاً وزير الحرب يوآف غالانت واصفاً إياه بالمرتبك، مطالباً بتغيير أسلوب الجيش الإسرائيل.
وكان الجيش الإسرائيلي قال إنه تصدى «لهدف معاد» فوق البحر الأحمر كان في طريقه إلى الكيان. وهذا يقود إلى ما يسميه المراقبون توسع الجدل والتساؤلات حول «تحالف الازدهار» الذي أعلنته واشنطن في 18 كانون الأول الجاري، وهل أنه بدأ العمل.. وإذا لم يبدأ متى يبدأ ووفق أي قواعد وأساليب؟

معضلة الخطوة التالية
وفيما سجل العدوان على غزة في يومه الـ82 أكثر من 21 ألف شهيد فلسطيني «بينهم 8 آلاف طفل» و55 ألف جريح «بينهم 8700 طفل»  وفي وقت يقدر عدد المفقودين بأكثر من 7000 شخص (بينهم 4900 طفل) بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.. تستمر معضلة الخطوة التالية بالنسبة لأميركا وكيانها. وفي الوقت الذي تعلن فيه واشنطن باستمرار دعمها لاستمرار العدوان دون جدوال زمنية ودون خطوط حمراء أمام الكيان، هناك حديث مختلف كلياً عن حجم الضغوط الأميركية على الكيان الذي بات أكثر ميلاً لإنهاء العدوان حسب تقاري إعلامية أميركية، ولكن الكيان سيعمد قبل ذلك إلى مزيد من التدمير على الأرض ومن القتل الجماعي في سبيل تقديم كل ذلك على أنه منجز ميداني لن تقوم بعده لغزة قائمة. وإذا كان هذا هو مسار الخطوة التالية فهذا يعني أن الكيان بات مستعداً لتجرع كأس الهزيمة وعلى كل المستويات.
فعلياً وعلى ذمة وسائل إعلامية أميركية فإن العدوان على غزة سينتهي منتصف كانون الثاني المقبل كنتيجة للضغوط الأميركية.. وبعد ذلك سيتم التفرغ لما يسمى الترتيبات السياسة ما بعد الحرب. مع ذلك لا شيء جازم في هذا الإطار، فهذا يبقى حديث إعلام حتى يعلنه الكيان الإسرائيلي بلسانه.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار