مرض نفسي قد يكون مكتسباً لكن الأكيد أنه بسبب الغيرة وقلة العمل.. الثرثرة اضطراب يحتاج الاهتمام
تشرين- إلهام عثمان:
“خير الكلام ما قل ودل” حكمة خطها الأجداد لتكون درساً نتعظ منه في حياتنا، وهذا بالتحديد.. ما لم يستوعبه الثرثارون، فنجد هذا النمط من الأشخاص يتكرر في حياتنا اليومية، ونكون مضطرين لسماعهم والتعامل معهم ومجاملتهم أحياناً، فنجدهم في محيطنا يتجسدون من خلال (الأصدقاء أو الجيران أو العائلة أو حتى زملاء العمل)، وبثرثرة يحاولون لفت النظر إليهم، وحسب تفكيرهم يشيرون إلى أنفسهم بإدعاءاتهم وتمسكهم بآرائهم حتى ولو لم تكن صحيحة حسب بعض الدراسات.
هيا رزق خلال حديثها لـ”تشرين” أكدت أن طفلها الذي يبلغ من العمر ١٣ عاماً كثير الثرثرة، وأن ذلك يجعل وقته يذهب من دون فائدة وهي تحاول إدخال بعض النشاطات في برنامجه اليومي علها تخفف من تلك الحالة حسب رأيها.
ما هي الثرثرة
أكد الخبير الاجتماعي محمد اللادقاني من خلال حديثه لـ” تشرين”، أنها عادة نمطية تتمثل في الحديث المستمر أو الدائم بلا توقف، أو فترات سكون طويلة، وأن الشخص الذي يعاني من الثرثرة، يقوم بإصدار عدد كبير من الكلمات والجمل بطريقة لا تنتهي، وغالباً ما يصعب التحكم بها، إلا أنها في بعض الحالات قد تكون اضطراباً يحتاج إلى اهتمام، وهي مرض نفسي يمكن أن يكون مكتسباً.
خبير اجتماعي: الثرثار يصدر عدداً كبيراً من الكلمات والجمل بطريقة لا تنتهي وغالباً ما يصعب التحكم بها
من أسبابها الوراثة والبطالة المقنعة
(م.ش) أكد أنه يعمل منذ ١٧ عاماً في إحدى المؤسسات الحكومية، وهو يرغب بشدة في تغيير قسمه بسبب أحد زملائه، والسبب في ذلك القرار هو ثرثرة زميله والتي تؤدي لتوتره الدائم على حد تعبيره، وأنه مضطر لسماعها خجلاً وليس حباً في الكلام، وهو يعمل جاهداً على تغيير قسمه حتى “ينفد بجلدو”.
وظائف الدولة
اللادقاني أكد أن الثرثرة تنتشر بشكل كبير في بعض قطاعات الدولة والخاصة أيضاً، عازياً ذلك إلى مفهوم البطالة المقنعة، والتي تتسبب بزيادة حالة الحسد والغيرة في المجتمع، وتقليل الحظوظ للأفراد الذين يستحقون الفرص، وعلى الرغم من أن الثرثرة متعارف عليها وطبيعية بشكل عام في حدها المعقول، إلا أنها تتسبب في إفساد العملية الإدارية، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة فرص البطالة وتفاقم مشكلات المجتمع وهنا تبرز المشكلة، فالتحدث باستمرار من دون فائدة ظاهرة واسعة الانتشار في بعض الوظائف الحكومية، وهي مشكلة كبيرة ولا يمكن إدراكها ولها انعكاساتها السلبية، حيث ينتج عنها تأخير في الأعمال وتراجع الإنتاجية، فالعامل الذي يهتم أكثر بالثرثرة بدلاً من العمل، سيواجه صعوبات في الحصول على الأداء المطلوب وتحقيق الأهداف المتوقعة منه.
موظف يحاول ترك مكان عمله بسبب زميله الثرثار
ويعود ليشدد قائلاً إنه وفي حقيقة الأمر الثرثرة من دون فائدة أمر غير محبذ في العمل، ولا يحظى بشعبية كبيرة في المجتمع كما يظن بعض الأشخاص الثرثارين، إذ إنهم مصدر إزعاج للآخرين، وعلى الرغم من أنه لا توجد قاعدة صارمة لمحاسبتهم، إلا أنه يتم تفضيل العمال أو الموظفين الذين يعملون بجد ويسعون إلى تحقيق الأهداف المطلوبة، ولذلك فإن تجنب الثرثرة من شأنه تعزيز فرص الحصول العمل ورفع مستوى الحياة في المجتمع بشكل أرقى.
أسباب الثرثرة
قد يعاني بعض الأشخاص من الثرثرة نتيجة لتوترهم وقلقهم المستمر، ويمكن أن يكون لنقص الثقة بالنفس دورها في ذلك، فالأشخاص الذين يعانون من ذلك النقص يكون لديهم رغبة قوية في ملء الفراغات بالحديث الدائم، والحاجة إلى انتباه ويلجؤون إلى الثرثرة كوسيلة لجذب انتباه الآخرين، وتحقيق المزيد من التفاعل الاجتماعي، وقد يكون سببها اضطراب الانتباه لديهم وزيادة في فرط النشاط.
العوامل الوراثية
اللادقاني أوضح أن هناك دوراً للوراثة في اكتساب الثرثرة، فيميل البعض للثرثرة بشكل طبيعي، والسبب تفاوت الهرمونات والمواد الكيميائية في أدمغتهم، وقد تشمل أيضاً العوامل النفسية والاجتماعية، حيث يتعامل البعض مع الثرثرة كوسيلة للتعبير عن الذات بشكل مفرط.
وبحسب رأيه “يمكن للثرثرة أن تكون نوعاً من الانفصال عن الواقع والتسلية السريعة، فقد يعاني البعض من صعوبة في التحكم في انتباههم، ويجدون الثرثرة طريقة لتفريغ الطاقة الزائدة”.
البيئة المحيطة
تساهم البيئة في زيادة الثرثرة من خلال تشجيع الأصدقاء والعلاقات الاجتماعية لملئ فراغهم، وهنا تبرز حاجة الفرد للتواصل والقبول من الآخرين من خلال إثبات ذاته بالأحاديث والثرثرة، ولكنهم في حقيقة الامر قد يشعرون بالملل أو الاحباط نتيجة الاحاديث المستمرة منه دون فائدة.
طرق العلاج
يتطلب تجنب الثرثرة اتباع أسلوب حياة صحيح ومنظم، هذا ما أكده اللادقاني، ويكون ذلك بالتركيز على العمل بدلاً من الحديث الزائد، وتنظيم أوقات العمل والتفرغ للمهام المتعلقة بالعمل فقط، والابتعاد عن الاستسلام لإغراءات الثرثرة، ومن خلال جعل الأهداف واضحة والتركيز على الأشياء المفيدة، كما لفت اللادقاني إلى أنه من سبل التخلص منها، على الشخص أن يدرك أنها لا تضيف قيمة حقيقية للعمل أو الحياة، وأن الوقت والطاقة التي تنفق في الثرثرة يمكن استثمارها في أمور أكثر أهمية، ويمكن تحديد الأهداف الشخصية والمهنية والعمل على تحقيقها، وهذا يساعد في توجيه الاهتمام نحو الأمور المهمة وتجنب الثرثرة، والعمل على إنشاء خطة عمل من خلال تحديد أنشطة تساعد على تحقيق الأهداف، من خلال تحديد وقت لذلك، وأن يتواصل الفرد بشكل فعال، ويكون ذلك بتطوير مهارات التواصل والتعبير عن رأيه بوضوح، من دون الحاجة إلى الثرثرة التي لا داعي لها ووضع وقت للراحة خلال النهار، يساعد في تقليل الرغبة في الثرثرة وزيادة التركيز على الأعمال المهمة.
وأشار اللادقاني إلى أنها يمكن أن تنتج عن الروتين والملل اليومي، لذا يجب المحاولة والعمل على تغيير الروتين وإدخال بعض من الاعمال المثيرة والممتعة في نشاطاتنا، فذلك يعمل على تحفيز الاهتمام والاندماج في العمل بدلاً من الثرثرة، كما يعتبر الإسترخاء والتأمل من الطرق المساعدة في تهدئة العقل وفق رأي اللادقاني، ونعمل على تقليل الثرثرة بتوجيه السلوك وتقنيات التركيز والانتباه الذهني على اشياء أكثر فائدة للتحكم بها”.