معارض ومحاضرات وأماسٍ شعرية.. في مهرجان الشعر السنوي في طرطوس

طرطوس- ثناء عليان:

على مدى ثلاثة أيام متتالية أقامت مديرية الثقافة في طرطوس مهرجان الشعر السنوي بمشاركة أدباء وشعراء مخضرمين وشعراء شباب..
وتضمنت فعاليات اليوم الأول افتتاح معرض للخط العربي، تنوعت الأعمال المشاركة فيه لتشمل كل أنواع الخط العربى “الديواني والفارسي والكوفي والنسخ”، كما تنوع مضمون الأعمال بين الحكم والأقوال المأثورة والشعر.. وبعد افتتاح المعرض ألقى رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للتدريب والتأهيل البحري الدكتور سلمان ريا محاضرة جاءت بعنوان: “رحلة الخط العربي والكتابة”، تحدث فيها عن تاريخ اختراع الكتابة ومرورها بخمسة أطوار هي: الطور الصوري, والرمزي, والمقطعي, والصوتي, والهجائي. كما تناول مراحل تطور الخط واللغة العربية.. وأكد أن اختراع الشعوب والأجداد الحرف وانتقالهم من نظام التصوير المقطعي إلى نظام التجريد شكّل لحظة هامة لنقل المعرفة، وبيّن ريا أن كتابة الحروف تعود إلى الأبجدية الفينيقية والتي تعود بدورها إلى مملكة أوغاريت في رأس شمرا السورية، وقدم إيضاحات لاستخدام رمزية الحروف وما يقابلها من أرقام كحرف الألف الذي يرمز إلى الغزال أو رأس الثور وحرف الباء ورمزيته للبيت ودلالة حرف الواو إلى الوتد أو الثبات.
وبيّن البنية الرياضية للحروف وما طرأ على وظائفها من تطور على يد علماء منهم: الخوارزمي وعبد الله العلايلي وأبو الأسود الدؤلي، الذي أوجد ما يسمى التنقيط، أي استخدام النقاط الملونة للفصل بين الكلمات، بالإضافة إلى الاختلاف والتشابه في استخداماتها وأشكالها.
واستعرض ريا أيضاً أنواع الخط العربي كالخط الكوفي والرقعي والثلث والنسخي والفارسي والديواني، وما لحق بها من مدخلات جديدة بغرض الزينة على جدران الكنائس والمساجد كالخط الديواني الجدلي والخط الفني الحر .. وتطرق لأساليب التعلم المتعددة للحروف واللغة، مشيراً إلى أن اختراع قلم الحبر السائل في العهد الفاطمي شكل مرحلة هامة اشتهرت معها صناعة الكتب وتهذيب الحروف والكتابة والزخرفة.
وفي الأمسية الشعرية قدم كل من الشعراء: محمود حبيب وأسامة ميهوب وهيثم علي وعصام خليل نماذج من أشعارهم التي عبرت عن حالتهم العاطفية، وذكرياتهم الحياتية، وحبهم لوطنهم.
وبدأت فعاليات اليوم الثاني بمحاضرة للدكتورة فاديا سليمان عضو الهيئة التدريسية في كلية الآداب- قسم اللغة العربية، جاءت بعنوان “اللغة العربية.. مكانتها وأهمية الحفاظ عليها”، أكدت فيها أن اللغة العربية تنبع من ارتباطها الوثيق بالدين الإسلامي، والقرآن الكريم.. فقد اصطفى الله هذه اللغة من بين لغات العالم لتكون لغة كتابه العظيم “إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون”.
ولفتت إلى أن اللغة نظام اجتماعي حي ومتكامل يستخلص من أفواه الناس لا من الكتب فحسب، ويتطور مع الاستخدام البشري له، لأن اللغة بنت المجتمع.. وبينت سليمان أن لغتنا الحالية كما يؤكد كثير من علماء العربية، إنما هي العربية الباقية التي وصلت إلينا عن طريق الأدب الجاهلي والقرآن الكريم، لا العربية البائدة التي اندثرت بقرون، وما وصل إلينا من الشعر الجاهلي يدل على أنه قطع عدة مراحل في تطوره، فلغته ومعانيه وأسلوبه وأوزانه وقوافيه تؤكد ثمرة تطور اللغة.
وفيما يخص علم النحو بيّنت سليمان أن من وضع هذا العلم هو أبو الأسود الدؤلي ويهدف إلى تقويم اللسان وصيانته عن الخطأ في الكلام العربي وفهم كتاب الله وكلام نبيه فهماً صحيحاً ومساعدة المتعلم على ممارسة الكتابة في شتى ميادينها بأسلوب سليم بعيد عن الخطأ.. ودعت الباحثة للحفاظ على اللغة العربية وإلى خلق إطار عربي قادر على توطيد الصلات الأدبية والعلمية والفكرية بين العلماء، والتنقيب عن جميع المخطوطات العربية ومحاولة إحياء جميع المصطلحات والألفاظ العربية، وبناء سياسة واضحة وهادفة ودقيقة في مجال التعريب الذي بدأت فيه مجموعة من البلاد العربية خلال السنوات الماضية، وتأهيل الطلاب لغوياً.
واختتم المهرجان فعالياته بأمسية شعرية أخرى شارك بها خمسة شعراء لكل منهم نهجه الشعري المختلف، وتنوعت المشاركات الشعرية ما بين نصوص الشعر العمودي وشعر التفعيلة وقصيدة النثر.
والبداية كانت مع الشاعر منذر يحيى عيسى رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب في طرطوس الذي قرأ نصاً شعرياً وجَّه فيه التحية إلى قريته ومربع طفولته وشبابه ومنها قوله:
يهلُّ الصباح على شرفات قريتي، وعلى منكبيهِ معطفان من ضياء
يخضلُّ حائراً وفي الجيب نافورتان
يجيء متكئاً على عصاه
يهشُّ بها على قطيع الليل
ويرتعُ في حقول الرجاء
حاملاً معاجزهُ
وقدَّم الشاعر محي الدين محمد قصيدتين جاء في إحداهما:

تلكَ القصائد ما حجَّت مبكِّرةً
لكن لبعثِ الذي إبداعهُ المددُ
ماذا أقول وقد ماتوا وما علموا
إنّ الضحايا على ألواحها الأبد
أعلِّمُ السيلَ كيف السيلُ يجرفهم
والطالعون همُ الأطفال والعدُد
أُصغي لأيامهم والدهر في شغلٍ
سيَّافهُ الحر في الإصغاء يقتصد
وألقت الشاعرة أحلام غانم قصيدتين الأولى بعنوان زيتونة الضاد، جاء فيها:
ما خانَ سيدكِ الرحيل وإنما
حسداً أصيبَ من المجاز بمقتلِ
فترنَّحت ألفُ المخضَّب وانتهى
ذاكَ المدادُ إلى مداه الأولِ
مدِّي جيوشكِ بالعتادِ وقاومي
حربَ النجوم فلا بقاءَ لأعزلِ
أما الشاعرة ليزا خضر فقدَّمت نموذجاً من قصيدة النثر، التي خاطبت فيها هذا النوع الصعب من الشعر الحداثي بروح وثابة مقدامة واثقة، ومما جاء في قصيدتها:
بُخار أعماقي أم اللهفة؟
ما تكاثفَ على بلور المصعد
فزَّاعةُ الحقل ليست عصفوراً
ليستْ فرساً ولا وحشاً، بل دميةً على شكل إنسانٍ يضحك
أرى الجهاتِ
الحنَّةُ العسليةُ تصبغ شيبَ الغروب
وعلى رفوف الغيم كؤوسٌ مهربةٌ
من نبيذٍ كان يكبتُ حمرةً في الخدود
أرى العمرَ صحواً، وأعاصيرَ استقالت منذ وصلنا طابقَ الخريف
أرى مفكِّرتي
حيثُ حورياتُ البحر التي كنتُها
وبساتينُ الأزرقِ التي ارتديتها
وكلماتُ الحب التي صدَّقتها
وختامُ الأمسية كان مع الشاعرة ميرفت علي التي قدمت ثلاث قصائد، منها مقطوعة هروب، حيث تقول فيها:
هربَ العشب
ولم نلُذ بأعطافه
هربَ الندى
ولم يبُح باعترافه
هربَ الرعد
ولم نفُز بهتافه
هربَ السيل
ولم نشقَ بانجرافه
هربَ قوسُ قزح
ولم نحتف بأطيافه
هربَ المنحنى
ولم نبتهجْ بانجرافه
هربَ القلب
وتبرَّأَ من شِغافه
هربَ دربُ التبَّانةِ
بنواميسهِ وأعرافه
هربَ العمر
ولم نعلقْ بحوافّه
هربَ الهروب
ولم نُمسك بأظلافه!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار