بين التعلم والاستكشاف.. ألعاب الطفل حاجة فطرية يمكن توظيفها في تنمية قدراته

دمشق- إلهام عثمان:
لكل طفل ذكرياته وعالمه الخاص الذي يجول به كيفما تشاء طفولته، كيف لا.. وهو من ينسج من خياله ذلك العالم الخاص به، فنجد أن بعض الأطفال يظهرون تعلقهم الشديد بدميتهم وألعابهم لدرجة الأنانية والتعلق الشديد، فلا يسمحون لأي كان بالاقتراب من ممتلكاتهم.

 

جمعة: يجب توفير بيئة داعمة وآمنة للأطفال للعب والتفاعل بشكل قوي مع توفير الأدوات والموارد اللازمة لتشجيع تعلق الطفل على اللعب وتطوير مهاراته

اللعب والطفولة
يعد تأثير اللعب في الطفل موضوعاً مهماً بالتطور النفسي والتربوي، هذا ما أكده الخبير النفسي والتربوي الدكتور رفعت جمعة من خلال تصريحه لـ” تشرين”، فهو وسيلة لتعبير الأطفال عن أنفسهم وخيالهم وعالمهم الصغير، وعن طريقه يتعلم الأطفال العديد من المهارات والخبرات، وبه يعبرون عن أفكارهم وابتكارهم ما يجول في عالمهم الخاص بهم، وهو يساعدهم على فهم العالم من حولهم وبناء مهاراتهم الاجتماعية والعاطفية، أما من الناحية السلوكية فيعكس اختيار اللعب وطريقة لعب الأطفال تفاوتاً، بناءً على العديد من العوامل بما في ذلك الجنس، حيث تظهر الاختلافات في تفضيل الألعاب وطريقة اللعب بين الذكور والإناث، نتيجة للتأثيرات الثقافية والاجتماعية والبيولوجية.

الطفل المحروم
أما بالنسبة للطفل المحروم من اللعب، فقد يؤثر ذلك سلباً في نفسيته وتطوره الاجتماعي والعاطفي وفق رأي جمعة، إذ يمكن للعب أن يكون أداة مهمة للتسلية والتعبير وتطوير مهارات الأطفال، وعدم توفر الفرصة لهم للعب والتفاعل بشكل لائق يمكن أن يؤثر في نموهم الشخصي والاجتماعي.

العبد: تساعد الطفل على تحقيق اكتشافات جديدة وتعزيز مهاراته

ماذا يعكس تعلق الطفل باللعب؟
من جهتها أكدت معلمة الروضة ميسم العبد لـ” تشرين” وجود عوامل تعكس تعلق الطفل باللعب، أولها “الحاجة الفطرية إلى التعلم والاستكشاف”، إذ يشعر الأطفال برغبة قوية في التعلم والاستكشاف والتجربة، ومن هنا نجد أهمية الألعاب التي يمكن أن تلبي هذه الحاجة الفطرية، فتساعد الطفل على تحقيق اكتشافات جديدة وتعزيز مهاراته- وقد يختلف تفضيل الألعاب وطريقة اللعب بين الذكور والإناث نتيجة “للتأثيرات الثقافية والاجتماعية والبيولوجية”- كذلك الدعم والتشجيع لهما دور، إذ يجب على الأهل والمختصين والمدرسين، وخاصة في رياض الأطفال، تشجيع الأطفال على اللعب، وتوفير أدوات اللعب المناسبة كل حسب عمره، فمثلاً الطفل في عمر ٣ سنوات يلعب بمكعبات كبيرة الحجم وكذلك حسب إدراكه للأحجام، بينما يعطى الطفل الأكبر عمراً مكعبات أصغر حجماً، وفق رأي العبد، التي نوهت إلى أن علماء النفس مثل فروبل وبستالونزي وغيرهما، كانوا يسعون إلى تعلم الطفل عن طريق (الحواس) مثل صنع أشكال من الصلصال والمعجون الطبي والرمل والحصى وغيره من الوسائل المساعدة في فهم وإدراك الأشياء من خلال الملمس والسمع والشم وغيره، ناهيك بأهمية تحفيز الطفل وتشجيعه بالدعم المعنوي، من خلال بعض الكلمات البسيطة والمحفزة له مثل (أحسنت يا بطل- برافو يا شطور- ووضع نجمة على جبينه مع التصفيق)، فيما لو أتم إنجاز عمله كأول أقرانه، فذلك يعزز ثقة الطفل بنفسه ويساعده على تطوير مهاراته أكثر- كما أن الابتكار والإبداع عن طريق الألعاب المناسبة لعمر الطفل يساعدانه على التفكير بطرق جديدة والحصول على حلول للمشكلات ما يجعله يعتمد على ذاته، أما “تأثير اللعب في النمو العقلي والجسدي” فهو يعزز نمو الأطفال النفسي والتربوي من خلاله والتفاعل والتواصل الاجتماعي، وتطوير الذكاء والقدرات الحركية والاجتماعية، حسب رأيها.

علماء النفس كانوا يسعون إلى تعلم الطفل عن طريق (الحواس) مثل صنع أشكال من الصلصال والمعجون الطبي والرمل والحصى

تعلق الطفل باللعب
من جهته أكد جمعة أن اللعب يعكس العديد من العوامل السابق ذكرها لتعلق الطفل باللعب، لذا وجب علينا توفير بيئة داعمة وآمنة للأطفال للعب والتفاعل بشكل قوي، مع توفير الأدوات والموارد اللازمة لتشجيع تعلق الطفل على اللعب وتطوير مهاراته.

ذكور وإناث
كما يمكن أن يكون هناك اختلاف في تعلق الأطفال باللعب بين الذكور والإناث حسب رأي جمعة، لكن لا يمكن تعميم ذلك على جميع الأطفال، ويعود ذلك إلى العديد من العوامل المعقدة التي تؤثر في اهتمام الأطفال باللعب، فالثقافة والتربية يمكن أن يكون لهما دور في تحديد مدى تعلق الأطفال باللعب، كذلك التوجهات الثقافية والاجتماعية يمكن تعليمها للأطفال حول أنواع الألعاب أو الأنشطة الملائمة لجنسهم، أما العوامل البيولوجية فقد تكون هناك اختلافات بسيطة تؤثر في اهتمام الأطفال باللعب، فعلى سبيل المثال: يمكن أن يكون للهرمونات تأثير في تفضيلات الألعاب وأنواع الأنشطة، كما يمكن أن تؤثر الاهتمامات والميول الشخصية للطفل في تعلقه باللعب، فقد يكون للأطفال أنواع محددة من الألعاب أو الأنشطة التي يجدونها مثيرة للاهتمام أو تلبي متطلباتهم الشخصية، أما التوقعات الاجتماعية تؤثر في اهتمام الأطفال باللعب، فهناك أنشطة محددة تعد ملائمة للذكور أو الإناث وأنشطة أخرى تعد غير ملائمة.

 

يجب على الأهل والمجتمع تشجيع الأطفال بغضّ النظر عن جنسهم وعدم التمييز فيما بينهم، وتشجيعهم على استكشاف أنواع مختلفة من الألعاب

كما أشار إلى أنه من المهم ألا نعتبر هذه الاختلافات قواعد صارمة، فكل طفل فريد بنفسه ولديه اهتماماته وميوله الخاصة، ويجب على الأهل والمجتمع تشجيع الأطفال بغضّ النظر عن جنسهم وعدم التمييز فيما بينهم، وتشجيعهم على استكشاف أنواع مختلفة من الألعاب.

تقليدية
(أم أحمد) ربة منزل بينت لـ” تشرين” أن لديها ثلاثة أطفال، (هيا ٣سنوات- أحمد ٥ سنوات- رنا ٧ سنوات) وتقول: طفلي أحمد يلعب بألعاب أختيه ويقلدهما، فيرتدي الكعب العالي” بيت بيوت” ويضع ملاقط شعر في رأسه متأثراً بأختيه.
وفي تفسيره لهذه الحالة أكد جمعة أن لعب الذكور بالألعاب التي يعتبرها تقليدياً مرتبطة بالإناث، لا يمكن أن يؤدي بشكل طبيعي إلى “الشذوذ الجنسي” عند الأطفال، فالشذوذ الجنسي هو مصطلح يستخدم لوصف اهتمام جنسي غير طبيعي أو غير ملائم، وفي سياق الأطفال يكون الشذوذ الجنسي في الأغلب مرتبطاً بتعرض الطفل لتجارب جنسية غير مناسبة أو إساءة جنسية.

من الضروري تجنب ربط أنشطة الأطفال بالشذوذ الجنسي

وكذلك الفتيات، فإذا كانت الطفلة تتعامل مع لعبة تعتبر “تقليدية” للذكور، فإن ذلك يمكن أن يساعدها على استكشاف اهتماماتها وتطوير قدراتها.
كما شدد على أنه من الضروري أن نتجنب ربط أنشطة الأطفال بالشذوذ الجنسي، ويجب علينا دعم الأطفال في اختيار الألعاب التي يستمتعون بها، وتعزز تطورهم الشخصي ويكون ذلك بإشراف ودعم مناسب من الأهل والمشرفين.

تعلق الشخص أو الطفل بدميته
الاحتفاظ بالألعاب من طفولتنا يمكن أن يرتبط بعدة جوانب في علم النفس، وفق منظور جمعة، فكثيراً ما يحتفظ بعض الأشخاص بألعابهم والأشياء الباقية من طفولتهم لأسباب عاطفية، فقد تكون تلك الألعاب مرتبطة بذكريات “إيجابية من الطفولة”، وبالتالي تحمل قيمة عاطفية كبيرة لهم، إضافة إلى ذلك هناك أيضاً جانب من «النوستالجيا» في هذا الاحتفاظ بالألعاب، حيث إنها تذكر الشخص بأوقات سعيدة وربما ببعض الأحداث المهمة التي شكلت شخصيته، وقد تكون رمزاً لبراءة الطفولة والتفاؤل والأمان، أضف إلى ذلك قد يساعد احتفاظ الأشخاص بألعاب طفولتهم على تعزيز شعورهم بالانتماء والثبات، ويكون مصدراً للراحة والأمان في اللحظات الصعبة، وهي طريقة للتواصل مع الذكريات السعيدة والحفاظ على جزء من البراءة والبهجة التي كانت جزءاً من طفولتهم.
أما في حال ارتباط تلك الدمية باللحظات التعيسة والحزينة في مرحلة من مراحل الطفولة، فقد تكون لديه أسباب عاطفية مختلفة للاحتفاظ بها، فقد يكون ذلك رمزاً للتغلب على الصعوبات في ذاك الوقت، وقد يمثل هذا شكلاً من أشكال التغلب والشجاعة، ووسيلة للطفل لمواجهة المشاعر السلبية والتعامل معها، ومن هنا نجد أنه لا بد من منح الطفل ما يحتاجه من مساحة لمواجهة تلك الذكريات والتعبير عنها وعدم كبته، ومساعدته على تأكيد أن تلك الدمية هي “رمز” للانطلاق من جديد.
كما يساعد الحديث بصدق مع الطفل وتوفير الدعم العاطفي له في التغلب على تلك الصعوبات والمضي قدماً فتكون محفزاً للتغلب على الصعاب التي يواجهها.
(لانا) طفلة بعمر ٨ سنوات دائمة التعلق بدميتها المحشوة، تقول والدتها: إن طفلتي دائمة التعلق بدميتها فهي ترافقها في كل مكان سواء في السرير أم حقيبة يدها وحتى في النزهات.

تعلق الطفل بدميته المفضلة
أشار جمعة إلى أنه يمكن أن يكون هذا التعلق له تأثير إيجابي في النفسية الطفل، فقد تعني له الحماية أثناء النوم وأوقات الضغط العاطفي فهو يجول في عالمه الصغير، ومن خلالها يمكنه أيضاً التأقلم والتغلب على التغييرات والمواقف الصعبة، وتساعده على الانصهار مع بيئات جديدة أو تحولات في حياته.

يمكن للدمية أن تكون وسيلة للطفل للتعبير عن مشاعره وخياله، هذا ما وصفه جمعة، فهي تعمل على تنمية مهارات اللعب والتفاعل الاجتماعي

التعبير والخيال
كما يمكن للدمية أن تكون وسيلة للطفل للتعبير عن مشاعره وخياله، هذا ما وصفه جمعة، فهي تعمل على تنمية مهارات اللعب والتفاعل الاجتماعي، فهو يعدها صديقه المقرب الذي لا يفارقه ويكون معه في كل الظروف دون غيره، وأنه من الجيد دعم وتشجيع الطفل على الاحتفاظ بدميته المفضلة، وتذكيره بأنه من الطبيعي والمقبول أن يحمل شيئًا يعزز راحته ويساعده على التأقلم، كما يمكن استخدام هذه الفرصة لتعزيز مهارات الاستقلالية والتوازن بين الاعتماد على الدمية والتفاعل مع الآخرين.
انعكاسات
«تشرين» تسأل أن بعض الأسر لا تستطيع شراء الألعاب لأطفالها لعدم القدرة المادية، فهل يمكن أن يؤثر ذلك في نمو الطفل النفسي والسلوكي، فيجيب جمعة بأنه يمكن أن ينعكس ذلك على الطفل فيما بعد، فالطفل عندما ينضج قد يشعر بعدم الكفاية أو الحرمان من المتعة والترفيه التي توفرها الألعاب، ما قد يؤثرفي صحته النفسية.

فاقد الشيء لا يعطيه
وعن سؤال” تشرين” هل سيحرم الطفل المحروم من الألعاب، عندما ينضج ويصبح أباً في المستقبل، أطفاله من الألعاب، انطلاقاً من مقولة ” فاقد الشيء لا يعطيه” ، لفت جمعة إلى أن تلك المقولة سلاح ذو حدين، فقد تنبثق لدى الأب الرغبة القوية بتعويض ما فاته في طفولته، ويميل إلى شراء عدد كبير من الألعاب لأطفاله، ومن الناحية الأخرى قد يتأثر بالفقر السابق، ويكون أكثر اقتصادية بشراء الألعاب لأطفاله، ويعود ليؤكد أن هذه الاستنتاجات مبنية على التحليل النفسي والسلوكي العام، ولا يمكن تعميمها بنسبة 100% على كل حالة، فلكل شخصية خصوصيتها وفرديتها، حيث يمكن أن يتأثر الأفراد بتجارب الطفولة المختلفة بطرق مختلفة ويمكن تلافي أثرها من خلال التعاون مع الأهل والمجتمع في توفير الدعم اللازم لتلبية احتياجات الأطفال وتطوير مهاراتهم الذاتية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
على سيرة إعفاء مدير عام الكابلات... حكايا فساد مريرة في قطاع «خصوصي» لا عام ولا خاص تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية