مابين هيبة الحكومية .. وحذاقة “الخاص”.. تشتت طلاب البكالوريا أمام تنازع خيارات صعب.. و “البزنس التعليمي” يستثمر في ضعف المدارس التقليدية

تشرين – شذى الخضر:

يَحقُ لنا في خضم خيارات مُتأطرة، أن نُجهد أنفسنا لانتقاء الأفضل، هذا حال شريحة واسعة من الطلاب الذين فضّلوا ترك مدارسهم الحكومية بعد أن أمضوا عاميّهم الأول والثاني الثانوي فيها، لينسلوا تحت جُنح البكالوريا للالتحاق بمعاهد ومدارس خاصة يرون فيها طوق نجاة يوصلهم إلى برِّ النجاح، فهذه السنة الحرجة برأيهم ذات خاصيةٍ متماوجة تتطلب ربان سفينةٍ حذقاً يوازن ما بين مجهودهم الشخصي وثقل مواد لابدّ أن يتشربوها بالطريقة المُثلى، الأمر الذي تفتقر إليه مدارس حكومية كثيرة وفق تعبيرهم.

جاذبية مدروسة

يرى طيف واسع من الطلاب أن ما يجذبهم للمعاهد الخاصة هو أسماء المدرسين ممن برعوا في إيصال المعلومة، إضافة للمتابعة والاهتمام المبذول بمستوى الدراسة والفهم، ناهيك بمسألة التعداد حيث لا يتجاوز عدد الطلاب في الصف الواحد أربعين طالباً، في حين تغص الصفوف الحكومية بما يتجاوز السبعين طالباً للصف الواحد، ولاسيما العريقة منها ما يجعل عملية فهم الدرس والمشاركة فيها نوع من الترجي العقلي.

المدرسون في العامة يعطونهم الدرس على هيئة هبة ممنونة

أضف إلى ذلك الاحترام الذي يحظى به الطلاب من قبل المدرسين، الأمر الذي يفتقدونه في العامة لكونهم لن يجرؤوا على الاعتراض أو التململ من عدم فهم الدرس، فالمدرسون في العامة يعطونهم الدرس على هيئة هبة ممنونة.

هروب ترشيحي

يبدي عدد لا بأس به من الطلاب رغبته السابقة في دراسة الثالث الثانوي لثلاث سنوات متتالية، فباعتقادهم لا منفعة حقيقية من دراسة منهجي الصف العاشر والحادي عشر فلمَ لا تُستغل السنين في تكثيف جهدهم لحفظ منهج يتصف بالضخامة والشمولية، إلّا أن الاختبار الترشيحي المفروض على الأحرار هو ما يدفعهم لدراسة هذين العامين في مدارس الحكومة هرباً من تقديمه

وفي هذا السياق تؤكد مديرة الإشراف التربوي في وزارة التربية ايناس مية ضرورة دراسة هذين الصفين حيث يكتسب الطالب خلالهما مهارات تراكمية تؤهله للوصول إلى الثالث الثانوي بطريقة سلسة.

ثقافة أهالٍ

ترجع “مية ” الازدحام الكبير في صفوف المدارس الحكومية إلى إصرار الأهالي على تسجيل أولادهم في مدارس محددة منها، حتى وإن ضاقت بأعدادهم، غير مكترثين لبعدها عن مناطق سكنهم فبعضهم يقطع مسافة كبيرة من الريف للوصول إليها، علماً أنه توجد مدارس في مناطقهم لا يتجاوز عدد الطلاب فيها العشرين للصف الواحد، ما سبب حالة عدم توازن في توزيع الطلاب، فلكل مدرسة طاقة استيعاب لا نستطيع تجاوزها، منوهةً بسعي الوزارة المستمر لإقامة اجتماعات أولياء مجالس أمور بغية عرض ما يواجهه الطلاب من مشاكل وطرق علاجها، ما يدعم تطورات سير العملية التعليمية.

إعادة هيبة

توضّح “إيناس مية” أن قرار الوزارة لإلزام الطلاب بنسبة ٧٥ ٪ من الدوام واجتياز الامتحان التجريبي وإلّا لا يحق لهم أن يتقدموا للامتحان باسم المدرسة بل بصفة أحرار، إنما جاء لإعادة الهيبة للمدارس الحكومية، فعندما يدرك الطالب بأنه مُلزم بالدوام سيصبح أكثر انضباطاً وجدية في الدراسة.

مية: اجتياز الامتحان التجريبي جاء لإعادة الهيبة للمدارس الحكومية

وفيما يخص شكوى العديد من الأهالي من أن كثيراً من المدرسين يفتقرون للخبرة وغير مؤهلين لتدريس مواد البكالوريا تلفت إلى أن الوزارة ترسل بصورة مستمرة موجهين مشرفين مهمتهم الأولى حضور حصص الإعطاء للمدرسين وعلى أساسها يتم تقيم أداء لكل مدرس منوهةً بأن تقيم الأداء يجب ألّا يقل عن ٧٠ ٪ والمدرس الحاصل على تقييم أداء أعلى هو المؤهل لأن توكل إليه مهمة تدريس صفوف الشهادتين، إضافةً إلى ضرورة التزامه بالدوام و مشاركته في التصحيح حتى يكون قد اكتسب خبرة مسبقة لتوزيع العلامة في سلم التصحيح ما يخوله القدرة على صياغة السؤال وتحديد الجواب.
وأي مدرس يتعرض للشكوى من قبل الطلاب أو الأهالي يُستبدل فوراً، كما توجه الوزارة مديري المدارس الحكومية لتفعيل نقاط القوة لدى كل مدرس ومعالجة نقاط الضعف، فليس جميع المدرسين بمستوى واحد، ولهذا السبب تسعى لاعتماد خطط تدريب علاجية للمدرسين وتطوير أدائهم، إلّا أن هناك بعض الثغرات التي ترجع إلى النقص الكبير الناتج عن الاستقالات لدى البعض واستنكاف البعض الآخر عن اللحاق بالعمل.

كما أن اللجوء للدروس الخصوصية لدى البعض ينقلب سلباً على بقية الطلاب في الصف لأن من تلقى الدرس مسبقاً يصبح لا مبالياً وأكثر شغباً من غيره.

اهتمام خاص

يشير ” رياض رفاعي” المشرف العلمي للتعليم الثانوي في مدرسة خاصة إلى كون البكالوريا مرحلة حرجة لمستقبل كل طالب تنصب فيها الجهود وتكثف مصحوبةً بقلق أهاليهم المستعدين لبذل كل ما بوسعهم لرؤية أبنائهم ضمن مدارس لديها القدرة الحقيقية على رفع مستواهم التعليمي والمعرفي، وهذا ما تسعى إليه مدرسته من حيث تفاعلها المستمر مع الأولياء لتطوير مستوى كل تلميذ وتقصي طرق إعطاء المدرسين لديها بصورة إشراف علمي مستمر وما يميزها أنها سباقة في تشجيع البحث العلمي وتطوير مهارة الطلاب العلمية والفكرية
وبرأيه أن دراسة صفي العاشر والحادي عشر هو ضرورة لا يمكن تفاديها لأن اللاحق يُبنى على السابق
لكن في النهاية ترجع لثقافة أهالٍ نشأت من جراء عوامل عدة منها الأزمة الاقتصادية وعدم تفعيل الأقنية الثقافية فلابدّ من وجود رؤية عامة لتطوير التدريس والمدارس، وطبعاً النتائج فيها لن تكون آنية إنما ننتظر لنرى ثمارها على المدى البعيد

التربية تسعى لاعتماد خطط تدريب علاجية للمدرسين وتطوير أدائهم

معرض حلول

ويطرح “رفاعي” فكرة يراها قادرة على الحد من تسرب الأعداد الكبيرة للطلبة من العام إلى الخاص مفادها ( تفعيل التعليم الخاص الجزئي ) في المدارس الحكومية و التي قد تستقطب طلاباً كثراً وبالتالي تعود بالمنفعة على تطوير المدارس العامة، ولا ننسى رفع أجور المدرسين والإداريين لما يتناسب مع الحالة الاقتصادية التي نحياها، وتفعيل القدرات الكامنة لدى المعلمين وتطويرهم إضافةً لجملة كبيرة من الخطوات الضامنة للاستفادة المثلى من المدارس ورفع مستواها، إن وجدت أذن مصغية

اختصاصي يدعو إلى تفعيل التعليم الخاص الجزئي في المدارس الحكومية والتي قد تستقطب طلاباً كثراً وبالتالي تعود بالمنفعة عليها

مواراة إحصائية

يتوارى معظم الإداريين القائمين في المدارس الحكومية وراء غياب الإحصاءات الدقيقة المتضمنة أعداد الطلاب المتسربين لديهم في صفوف البكالوريا، رغم إقرارهم بإغلاق عدة شعب ناتجة عن نقص العدد، ومع هذا فهم لا يرون أي مشكلة تُذكر ويرجعون السبب للحرية الشخصية لذويهم، وهذا أمر محق بنظرهم سواء كانت النتيجة سلباً أم إيجاباً.

خمول مرفوض

يبقى اللوم حائراً بين الطلاب وذويهم، وما بين مدارس حكومية تعاني منذ فترة ليست بقصيرة من ترهلات تعليمية ظهرت بصورة واضحة بعد فقدانها ثقة طلابها أمام حذاقة الخاص ورشاقة تطوره، في زمن فرض علينا سباقاً لا منتهياً لآفاق التقدم العلمي والذكاء الاصطناعي، من الواجب مواكبته ولو بهيئة شاهد بدل أن نفقد مرونتنا الفكرية، ونعاني مضاعفات خمول علمي يفقدنا التوازن.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار