على خشبة مسرح القباني “حكاية الأميرة نورا” في وصف السعادة للقلوب الحزينة
تشرين- لمى بدران:
حالة انتعاش حقيقية تُدهِش كل مَنْ يعرف أنّ جمهور هذه المسرحية كان حاضراً بأعدادٍ كبيرة في الأيام كلها، حيث عُرضت لمدة (١٤) يوماً، لم يتوانَ الجمهور خلالها عن الحضور، وفي يوم الختام كانت مقاعد مسرح القباني ممتلئة تماماً.
يعدّ مخرج مسرحية (حكاية الأميرة نورا) سهيل عقلة، والذي قام بأداء دور تمثيلي فيها أيضاً وهو الأمير والد نورا، الذي يسعى مع أولاده الثلاثة لإيجاد حلّ يُسعف به ابنته المريضة، التي تعاني الكآبة والحزن، أننا من خلال المسرح نستطيع أن نبث في نفوس الأطفال قيماً كثيرة يحتاجونها، وهو أفضل سبيل ممكن أن نُعالج به أطفال الأزمة الخارجين من الحروب، والذين لديهم مفاهيم مشوّهة يجب تصحيحها، أما بالنسبة عن خصوصية هذه التجربة المسرحية، ولكونها التجربة السادسة عموماً للمسرح وتجربته الأولى للأطفال على مدار (١٥) عاماً، فيقول العقلة لـ”تشرين”: النص الذي كتبه جوان جان أعدّه جديداً ومختلفاً عن بقية النصوص، وقد أستطعت أن أستخدم فيه أسلوب “العرض داخل العرض” ويتميّز بأنه مفهوم وواضح وهذا ما يجذبني كمخرج لأعمل عليه، فأنا لست مضطراً أن أتعامل مع كتّاب من الخارج، أو أن أُخرِج نصّاً لكاتب روسي أو أمريكي أو غير ذلك، بل أحب أن أعمل على نصوص كُتّابنا المحليين الذين يلامسون همومنا ويعيشون واقعنا.
وبرأيه أنّ “مسرحية الأميرة نورا” تكرّس أهمية مسرح الطفل في نشر الوعي والثقافة والعلم.
وبدوره يرى كاتب النص جوان جان أنّ المسرح في العموم هو ليس ضرورياً في هذا الوقت فقط، بل في كل وقت، ولكن خصوصية العمل تكمن الآن بأننا نمر في مرحلة يفترض فيها أن يكون هناك بناء جديد لشخصية الأطفال والمراهقين، لأنها تشوّهت خلال سنوات الحرب، ودخلت عليها مفاهيم خاطئة كثيرة غير معتادين عليها في مجتمعنا، ويتابع في حديثه: أنا عندما أكتب للطفل آخذ باعتباري ناحيتين أساسيتين، الأولى: الجانب الفني الذي يجب أن يكون مقرّباً للطفل ويجذبه للتفاعل، والثاني هو المضمون المتعلّق في الناحية الأخلاقية والتربوية، وفي هذه المسرحية جعلتُ العنوان الأبرز هو مفهوم السعادة وهل هو فردي أم جماعي؟ وهل إذا استطعنا تحقيقها على الصعيد الشخصي من دون نقلها للآخرين تكون كافية؟ وأنقل من خلال نصّي أن مفهوم السعادة يجب أن يكون كاملاً لنستطيع نقله إلى الآخرين.
وَضعَتْ الأديبة فاتن ديركي لمستها الخاصة على هذه المسرحية، حيث ألّفت كلمات الأغاني ضمنها، فأضفت الطابع الاحتفالي الغنائي الذي يحقق المتعة، ويعزز الفكرة خلال المسرحية، وحاولَت أن تخرج عن المألوف عن طريق اختيار الأماكن المناسبة للجانب الغنائي، وبكلمات رقيقة جديدة، فاختارت “الحوار الغنائي” عبر أربعة مقاطع، وهذا ما نشاهده في الافتتاحية بين الأمير وزوجته الأميرة، وبين شخصية السيدة الشريرة هنية وزوجها المسكين أيضاً، ومقطع غنائي للبائع الغشاش، وفي الختام وأشارت ديركي إلى أنها استخدمت هذا النمط في مسرحيتها السابقة التي كانت بعنوان ” نرجس” إلا أنه كان بنطاق أضيق من الموجود في هذه المسرحية.
وكان من أبرز الوجوه المشاركة بين الممثلين الفنان بسام دكاك صاحب دور البائع الذي يستغل طيبة قلب ابن الأمير الذي يساعده في ملء دكّانه بالبضائع، ويُبرِز من خلال الأداء مهارته في الكوميديا المحببة للأطفال، وعبّر لنا عن سعادته في خوض هذه التجربة المختلفة عن كل ما قدّمه على المسرح من قبل، فهو بالنهاية أب ولديه أولاد وعندما يرى ابتسامة أي طفل كأنه يرى ابتسامة ولده.
نخبة من الممثلين المسرحيين شاركوا في هذا العمل وهم: تاج الدين ضيف الله، لميس عباس، مجد مغامس، مادونا حنا، ومحمد عبود.
أما بالنسبة للممثلين اليافعين والأطفال فهم: آيات الأطرش، نجاح عقلة، شادي جان وحمزة عقلة، وإن كل دور من الأدوار له قيمة فنية وفكرية عالية، وصلت للمتلقي بكل بساطة ووضوح.
وبناء على المعطيات الموجودة كلها، نستطيع أن نقول: إنّ مسرحية (الأميرة نورا) أَنعشت بجدارة مسرح الطفل، وقدّمت مفهوماً جديداً عن السعادة ربما يحتاجه الكبار قبل الصغار في هذا الوقت، وإلا فما رأيكم بقصة الأمير الذي يرسل أبناءه الثلاثة إلى حكيم في مكانٍ بعيد ليأخذوا منه ما يمكن أن ينقذ أختهم الصغرى التي تعاني الحزن والكآبة، فيقول لهم عليكم أن تُدخلوا السعادة على قلب حزين بشرط أن ينقلها أيضاً إلى الآخرين، ويعثر الأمير الأكبر على بائع أقمشة يستغل الفقراء ويغش بالبضائع ولا يحقق شرط النجاة، فيفشل في مهمته، ثم يعثر الثاني على سيّدة رماها زوجها في الطريق لسوء معاملتها ويسكنها في منزل ومع خادمة أيضاً، إلا أنها لا تُحسن التعامل مع تلك الخادمة فيفشل في مهمته أيضاً.
أما الأمير الأصغر والأخير، فيصدف فتاة وفتى يحلمان بأنّ يحصلا على الدمى لأجل عرض يُسمّى “مسرح العرائس” يساعدهما ويقدّمانه، وبذلك يُدخل السعادة لقلبيهما وقلوب مَن شاهدهما فيحقق شرط الحكيم وتعود أخته لألقها وضيائها.