هدنة فإبادة
ادريس هاني
– أي معنى للهدنة إن كانت المعركة هي عملية إبادة ممنهجة وليست حرباً بالمعنى الذي تترتب عليها آثار في القانون الدولي للحرب الكلاسيكية بين قوتين، اللهمَّ إلّا الإدانة بجريمة حرب، هدنة بين من ومن؟
– لم يعد الاحتلال يخفي هدفه من هذه العملية، ألا وهي طرد السكان من غزة وتفكيك المقاومة، شرط مستحيل لسبب بسيط، أنه حيثما كان الاحتلال كانت المقاومة.
– للتطبيع مقامات وسلالم موسيقية، من يرفع عقيرته بأنه سيحاكم الاحتلال ذات يوم، بينما مازال يحتفظ باتفاقيات أمنية وتجارية، وما زالت السفن تمد الاحتلال بالغاز، فهو يسخر من المتلقّي ويستهبله. من يعلن نفسه واسطة خير محايدة بين الطرفين، بينما المطلوب أن يكون طرفاً في المواجهة، فهو بالفعل يصطاد في المياه العكرة. بعض البسطاء يخلطون بين التهريج والتحليل السياسي، فيلجؤون لقياس إبليس، كأن يقيسوا الوساطة بين غزة والاحتلال بالوساطة بين طالبان والأمريكان، قياس مع الفارق، بل تبسيط يخرج عن حدِّ القياس الاقتراني، لأنّ طالبان أفغانيون، والنزاع مختلف، بينما حين نتوسط معناه أن الطرفين على قدر واحد، وهذا مشكلة، لأنّ الحياد والتواسط فرع للثقة وللتطبيع، هل الاحتلال يثق في طرف وسيط ليس له معه كيت وكيت؟
الغريب أنّ تضحيات كبرى تجري في مستوى آخر نستصغرها، وأمور ملتبسة نصنع منها حدثاً عظيماً، هذا تحديداً هو التسطيح النابع من عدم القدرة من التحرر من الاصطفافات الرعناء، التي تجاوزها من هم في الميدان وليس من هم يتعنترون في جامع الفنا، إنّه الذُّهان الذي تخلّفه الأيديولوجيا على الأذهان، تلك الأيديولوجيا التي لا تقرّ بمساحة من الحقيقة للآخر.
– الفعل المقاوم ليس مهدّئات وأقراصاً منشّطة، بل هو برنامج مركب، والأخطر اليوم على القضية الفلسط..ينية، هو استعمالها من قبل بعض الموتورين في تعويض تاريخ رخو، خالٍ من كل موقف نضالي حقيقي. فلسطـ..ـين قضية وليست موضوعاً لعنتريات من لم يقدّموا في هذه المعركة سنداً مادياً ولا شهداء، إنّ الذين يسندون غزة والمقاومة في غزّة هم وحدهم أولئك الذين نحقد عليهم بالليل والنهار، السؤال: ماذا لو لم يكن هؤلاء؟
– إنّ الدين الذي لا يربّي حامله على المحبة، ويخرجه من الأحقاد، سيكون ديناً مزيفاً أو تديناً غير نافذ في الأعماق، وما خرب هذه الأمة سوى الظاهرية والجهل بالدين والدنيا والاكتفاء بالسرقات الأدبية، الحب ضروري في السلم والحرب، ومن حافظ على شقاوته حتى مع وجود كل هذا الخراب، فهو إبليس في كيس، لأنّنا تعلمنا أن نمجد كل الشهداء الذين قدموا لفلسط..ين ما لم يقدمه أيّ غُراب أو “لقلاق” يُزايد على الفرسان من بعيد.
– من عجز عن الإنصاف فلا خير فيه، ومن زايد على الشرفاء في ذروة الكفاح فهو أهبل، ومن تطاول على الفرسان من مسافة أميال فهو جبان، ومن لا يحترم لا يُحترم.
– ما زال موضوع غزة يتطلب مزيداً من حركة الوعي والنظر، لا يكفي الثرثرة الجامدة ممن لا همّ في العير ولا في النفير، المقاومون في الميدان يفعلون، وكلامهم يساوي فعلهم، وحكمة التحدي تُؤخذ من أفواه الفرسان لا من مزايدات الرّعاديد، لا حيلة مع الله ولا مع التاريخ.
– الاحتلال يقصف غزة وفي الوقت نفسه يعتدي على ريف دمشق، هل يكفي هذا لفهم القصة التي لا يريد البهاليل فهمها حتى اليوم؟ ومع ذلك نجد من تراخت ذمته ليضع مجسماً لنتنياهو، ويعدّ ذلك تضامناً مع غزّة، هؤلاء يتضامنون مع أحقادهم وليس مع المقاومة، لأن المقاومة رتّبت أمورها ككل لا يتجزّأ، وشهداؤها أنبل بني البشر،، إنّ الله سلب الوضوح والإخلاص والإنصاف والعدالة والذوق والمنطق من أولئك الذي تأخذهم العزة بالإثم، ومن أولئك الذي يبغونها عوجاً على طول الخطّ، ففي نهاية المطاف لا يصحّ إلاّ الصحيح، ولا نامت أعين الجبناء، أحياناً يجب أن نشفق ممن يتهجون المواقف بأثر رجعي، ويسبق جهلُهم علمَهُم.
لَو كُنتَ تَعلَمُ ما أَقولُ عَذَرتَني
أَو كُنتَ تَعلَمُ ما تَقولُ عَذَلتُكا
لِكِن جَهِلتَ مَقالَتي فَعَذَلتَني
وَعَلِمتُ أَنَّكَ جاهِلٌ فَعَذَرتُكا
كاتب من المغرب