استرخاءٌ في زمنِ البلاء!!
لامجالَ اليوم أمام أحدٍ للبقاء على مقاعد المتفرّجين، في مسرحٍ تتماهى فصوله مع الخيال.. لا دول في منأى من لفحِ الصراعات المستعرة في بؤر متعددة في هذا العالم، ولا أفراد يمكنهم النأي بأنفسهم عن التأثّر ودفع الفواتير الباهظة، لتبقى العبرة في المواجهة والنزول إلى الميدان فعلاً لا مجرد قول.
لعلّنا في سورية – جميعاً – أكثر من حفظ مثل هذا الدرس باهظ الثمن.. لكن بقي علينا الاستفادة منه في مقاربة استحقاقات معيشيّة اقتصادية واجتماعية، تبدو تحديات أكثر مما هي واجبات.
هنا بالتحديد لم يعد ثمة مكان للمتفرجين بتاتاً، وإن كانت الحكومة كمنظومة تنفيذية معنيّة أولاً بمهمة إطفاء الحرائق، فلا يعني أن باقي مكونات الدولة والمجتمع مجرد جمهور متلقٍ يبدي إعجابه فيصفق أو استهجانه فيصرخ.
في بلدنا “مؤسسات” كبرى اسمها اتحادات، عرفناها بهياكلها التقليدية المزمنة، مازالت منكفئة بشكل يترك ألف سؤال وسؤال، مكتفيةً بإبداء الرأي في فترات متباعدة، ربما كي تبقى في الذاكرة ولاتضيع وسط ضجيج المعاناة والوجع العميق.
اتحادات ينام بعضها على “أطنان” من الأموال تتدفق إلى خزائنها من محاصصات مقوننة يسددها المنضوون تحت رعايتها المفترضة، كما تسددها الحكومة بشكلٍ أو بآخر.. لكن لا تبرعات ولاهبات تجود بها، ولا مشروعات ولا استثمارات ولا حتى رؤى على سبيل المساهمة بقيادة التنمية في مجال اختصاصاتها والأهداف التي تكونت لأجلها.. ربما اتحاد نقابات العمال الوحيد الذي استطاع بلورة مركز أبحاث ودراسات ضمن هيكليته وهو نشط في هذا الاتجاه، أما البقية فاكتفوا بمجرد تصريحات متناثرة، غالباً تنتقص من فعالية الإجراءات الرسميّة، وأحياناً تنسب الجيد من القرارات إلى ثمار الحالة المطلبية التي تَبرعُ بها دوماً.. فلمن تُركت اتحادات غرف الصناعة والتجارة والحرفيين والفلاحين.. هذا الأخير يحظى بنسبة ٨ بالألف من قيم كل المحاصيل التي تتسوقها الحكومة ومثلها من مستلزمات الإنتاج.. لمن ترك هؤلاء مهمة إطفاء الحرائق المشتعلة إذاً ؟؟
بالفعل مريبٌ هذا الانكفاء الذي يحصل وسط أخطر ما يمكن أن تمرّ به البلاد من أزمات.. اتحادات تتفرج و مثلها منظمات.. والمجالس المحلية تشبهها إلى حد التطابق.. لتبقى المعادلة معادلة حكومة ومواطن وليس إلّا.
لا نظن أن الظرف الصعب يسمح باستمرار حالة الاجتزاء البغيض والقاهر للمسؤوليات، أمام متوالية تحديات صاعدة بسرعة مثيرة للقلق، وإن بقي المشهد على مستوى تكافؤ الأدوار منقوصاً، ومقتصراً على الحكومة والمواطن، يمسي من الحكمة – بل الواجب – فرض الالتزام بالأدوار والمسؤوليات فرضاً على كافة الاتحادات، أو انتزاع ميزاتها وعائداتها لمصلحة من يعمل من المواطنين، حرفياً كان أم فلاحاً أو أية مهنة أخرى، كل في مجال اختصاصه، لأن ما تجبيه بعض هذه الاتحادات يراكم كتلاً مالية كبيرة جداً لديها، ويحجبها عن الفعل التنموي المفترض، فيما تتعثّر استثمارات ومشاريع كبيرة وصغيرة وأصغر بصعوبات التمويل. فلتكن الاتحادات رائدة النماذج الاستثمارية الناجحة، ولتتجه نحو إنتاج فرص العمل والسلع والقيم المضافة، ومن الضروري أن يكون ذلك قراراً ملزماً وليس خياراً متروكاً لها.