عصف ذهني على طاولة اتحاد العمال حول إدارة العملية الاقتصادية في سورية … خبراء يُدلون بدلوهم ويرسمون مسار التنمية بأفق مفتوح

بارعة جمعة

تحدياتٌ فرضتها الأزمة الاقتصادية طالت الاقتصاد والمجتمع السوري بكل بنيانه، تراجعٌ بالعملية الإنتاجية ومعدلات التنمية كانت أبرز النتائج، وسط تغير في العديد من السياسات والبرامج الاقتصادية والاجتماعية ككل … هذه التبدلات وغيرها من المنعطفات الأخرى التي حلت بنا جددت الرغبة في بحث أفق الحلول المُعاصرة، التي دعا إليها المرصد العمالي للدراسات والبحوث وبالتعاون مع المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية ضمن ورشة حوارية تفاعلية على مستوى الخبراء، في مبنى الاتحاد العام لنقابات العمال بدمشق .

مواكبة التطورات

أي عملية تنموية أو حراك اجتماعي سيواجه تحديات كبيرة، فكيف لسورية بخصوصيتها التي واجهت الكثير منها (سياسي، اقتصادي، اجتماعي، ثقافي)، من هنا بدأ رئيس اتحاد نقابات العمال جمال القادري حديثه بسردٍ عن تاريخ سورية الحديث، من فترة الاقطاع مروراً بالتأميم وبدء التوسع الأفقي والرأسي الذي حمل منعكسات اقتصادية عدة، التي حملت عناوينها الورشة بتسليط الضوء على قضايا المجتمع ولمواكبة الحراك الاجتماعي.

الاقتصاد السوري لم يكن يوماً اشتراكياً، بل هو ضمن قطاعات أربعة (عام، خاص، مشترك، تعاوني) برأي القادري، كما حققت سورية معدلات نمو عالية من الوفرة في مرحلة السبعينات، لتعود المعاناة مجدداً في الثمانينيات بما يتعلق بالأمن الغذائي وصعوبة تأمين القمح، من هنا كان التحول للدولة نحو استراتيجيات لدعم القطاع الزراعي بناءً على الوفرة، عبر بناء السدود واستصلاح مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية والذي أنتج قرابة الـ 4 ملايين و300 ألف طن من القمح آنذاك وفق تأكيدات القادري، ما حقق تنمية مُستدامةً والخروج من هاجس رغيف الخبز.

صدور قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991 حقق الشراكة بين  القطاعين (عام وخاص) لتحقيق التنمية، إلا أن التجربة لم تنجح وفق رواية القادري، لتحفظ القطاع الخاص على الميزات التي قدمها المرسوم متجهاً للمشاريع الاستهلاكية، هنا بدأت الاختلالات في الاقتصاد بالظهور تدريجياً، وفي عام 2000 ومع إطلاق مشروع الإصلاح والتطوير أعطي القطاع الخاص حرية أكبر، فكان المشروع بمثابة خطة طموحة تم الانفتاح من خلاله على الشركاء الاقتصاديين .

تمثيل أكبر

إلا أن الخطة كانت متسرعة ولم تحقق الهدف برأي الاتحاد، فالزمن المرهون لها أقل بكثير مما تحتاجه وعلى ذلك بلغت نسبة التنفيذ للخطة 33% فقط، رؤية لم تأت عن عبث، فطبقة العمال هي الشريحة الأكبر بالمجتمع، وهو ما جعل اتحاد العمال أكثر انخراطاً بأي قرار إضافة لتقديمه الانتقادات أيضاً، أما اليوم ومع تزايد الأعباء وتغير الأنماط حول العالم لا بد برأي القادري من إشراك القطاع الخاص، لما أثبته الواقع من تحقيق التجار والصناعيين لنتائج مبهرة حول العالم، نعم .. التشاركية مطلوبة وعلى الدولة أن تقوم بعملية الاستثمار بنفسها، كما أن سورية لم تكن يوماً بلون واحد بل هي متنوعة الأدوار أيضاً.

الاقتصاد مرتبط بالسياسة، حقيقة أكدها رئيس اتحاد العمال جمال القادري، فرضت علينا السؤال .. ما الذي ننتظره في مرحلة ما بعد الحرب؟؟
الجدل كبير حول العودة لما قبل الحرب، إلا أنه من الضروري التفكير بآليات وأدوار جديدة للدولة، بالتخلي عن بعض القطاعات التي لم يعد بإمكانها إدارتها بكفاءة، فالتنمية لا تتحقق بمعزل عن العملية الإنتاجية، لذا – والحديث للدكتور جمال القادري – علينا مساعدة صاحب القرار بتشريح الواقع ووضع الخطط التي سيعمل عليها لتحقيق التنمية.

الهوية الاقتصادية

يقوم مبدأ الدولة الاجتماعي على أننا دولة نامية، في حين أخذت بعض الدول بمبدأ الاشتراكية والرأسمالية، إلا أن وقبل كل شيء علينا الاتفاق على القضايا الاستراتيجية قبل مناقشة هوية الاقتصاد والدور الاجتماعي والاقتصادي للحكومة في ظل المتغيرات الجديدة وفق رؤية وزير المالية سابقاً الدكتور إسماعيل إسماعيل، الذي يرى بأنه لا وجود لأي دولة عربية تطبق النظام الاشتراكي، كما أن الدولة لم تحقق أي رعاية اجتماعية حتى الآن، في حين أغلب استثماراتها تتبع لموظفين آخذاً مبدأ عمل السورية للتجارة كمثال، واصفاً القانون بالعنكبوت الذي لا يقع به إلا الحشرات الضعيفة، مُطالباً بتحديد دورنا – كمواطنين – هل ستبقى الحكومة متحكمة بكافة القطاعات أم ستنسحب لصالح القطاع الخاص الذي بلغت نسبة مساهمته 65% مقابل 35% للعام ما يؤكد بأنه شريك مُحترم.

غياب الإحصائيات
78% من الشعب السوري خارج التنمية، 22% منهم تم الاعتراف بأنهم تحت خط الفقر، هو رقم إحصائي جاف برأي المحلل الاقتصادي شادي أحمد، يقابل ذلك 135 ألف مُنشأة صناعية تركزت في ثلاث مدن (دمشق، حمص، حلب)، و29 مطحنة قمح في منطقة واحدة تمت محاصرتها من قبل الاحتلال، كل ما سبق يثبت برأي أحمد سوء توزيع الموارد بالأساس وتركيزها بنقاط معينة.

قبل الحرب سجلت سورية المرتبة 31 بالعالم بإنتاج النفط، لكننا كنا نفتقد سياسة توزيع الموارد والتخطيط، بتصديرها لثلاث دول أوروبية فقط، وفي النظر للأدبيات السياسية يقول أحمد: “الشكل الذي تنتهي به الحرب هو الذي يُحدد الشكل لمرحلة الإعمار”، لذا علينا أن نفكر كيف سنخرج من الحرب لنجد الطريق بعدها.

مرتكزات أربعة قدمها المحلل الاقتصادي شادي أحمد، ناقش خلالها الدور التشريعي آخذاً قطاع العقارات الذي يحوي 185 قانوناً متداخلاً كمثال، والدور التنظيمي الذي اختصر بالبازارات غير المجدية، والتمويلي الذي اختصر أموال سورية إما ببنوك سورية أو أموال الفاسدين وأمراء الحرب، مؤيداً فكرة إشراكهم بمشاريع اقتصادية بشركات مساهمة منتجة بدلاً من معاقبتهم فهي أكثر جدوى، إضافة للدور التشغيلي عبر دراسة المسارات الأكثر أهمية في التخطيط الإقليمي والقطاعي، كما طالب بإيقاف برنامج الإصلاح الإداري ومراجعته حفاظاً على الخبرات في سورية.

بناء الثقة

مشكلة الاقتصاد الأساسية هي الثقة، التي باتت مفقودة بين الشعب وحكومته برأي المحلل الاقتصادي علاء أصفري، وسط حالة من الفساد والاحتكار، والتي يتوجب إعادة بنائها ضمن قوانين تتسم  بالشفافية والمشاركة باتخاذ القرار، النظرة الكروية للاقتصاد خاطئة برأيه ويجب أن تكون شاملة تشمل جيل الشباب الذي قدم ويقدم الكثير من الأفكار، والتي بلغت في إحدى المرات 40 تجربة لتطبيقات مشابهة لتطبيق (فيسبوك)، لم تُعطَ أي تراخيص وتم تنفيذها في دول خارج سورية كالأردن.

هم رأس المال البشري، لذا ينبغي التوجه إليهم للتخفيف من الهجرة ومن مظاهر البؤس في المجتمع، المتمثلة بالتسول ونبش القمامة التي أشار إليها الدكتور طالب قاضي أمين ضمن مشاركته بالحوار.

نعم، لا بد من تحديد التوجه التنموي وإعادة النظر لمفهوم التنمية ضمن استراتيجيات تنموية إدارية، توصيات ركز عليها الحضور انطلاقاً من الخصوصية السورية، باعتماد عملية الإصلاح وتوجيه الدعم بطرق صحيحة، والإسراع بعملية الانتقال الى اللامركزية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار