باب المندب الذي سيغلق في وجه أميركا وكيانها.. إدارة بايدن ترسل ليندركينغ إلى المنطقة بأوراق ليس من بينها إنهاء العدوان على غزة
دمشق – هبا علي أحمد:
أكثر ما يدور الحديث عنه هذه الأيام في ظل العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة، هو التهديد الآتي من جهة الجنوب، أي جبهة اليمن التي ترصد كل السفن المعادية في البحر الأحمر- باب المندب، ولا سيما إثر استهداف القوات البحرية اليمنية السفينتين الإسرائيليتين «يونيتي إكسبلورر» و«نمبر ناين»، إذ ترد الأخبار تباعاً عن تداعيات الأمر على «الأمن» الإسرائيلي- الأمريكي ومصالحهما التي باتت مهددة بفعل الضربات اليمنية، ما استدعى أن ترسل واشنطن على وجه السرعة مبعوثها الخاص لليمن تيم ليندركينغ، سيتوجه إلى الخليج الأسبوع الجاري، بزعم «التنسيق بشأن حماية الأمن البحري في البحر الأحمر»، وللتأكيد على ضرورة احتواء الصراع بين «إسرائيل» وحركة المقاومة.
واشنطن التي لم تستطع أن تنقذ كيانها الصهيوني من وحول غزة تنتقل اليوم مكوكياً إلى جبهة اليمن التي باتت تؤرقها ربما أكثر مما تؤرق كيان الاحتلال، لا سيما أن مصالحها باتت مهددة في أهم الممرات المائية والطرق التجارية التي هي من أهم أدوات الصراع والتنافس الإقليمي – الدولي، ما يعنيه ذلك أن أوراق الضغط اليوم الفاعلة والمؤثرة في مجرى الصراع تملكها القوى اليمنية، وهو ما يضاعف الحمل على واشنطن و«تل أبيب» ويزيد الأمور تشتتاً بالنسبة إليهما مع توسع الجبهات وتمددها، مادام يستمر العدوان الإسرائيلي على غزة، إذ إن مختلف الجبهات محملة بالمزيد من المفاجآت ما لم تعرف واشنطن اختيار الطريق المناسب.
لا يختلف عاقلان على أن واشنطن تريد كما يريد الكيان الصهيوني إدامة الصراع وإشعاله ولكن على توقيتها، وهي إذ تعمد إلى التخفيف من حدته راهناً وإلى ما تسميه الضغوط على الكيان، فذلك فقط لاختيار اللحظة المناسبة وإلى حين تحشد وتعسكر المنطقة، «فالصراع الأوسع في الشرق الأوسط لا يخدم مصالح الولايات المتحدة ولا مصالح شركائنا الإقليميين» كما تقول واشنطن، لكنها في التوقيت عينه ترسل ليندركينغ إلى الخليج للاجتماع بمجموعة من شركاء رئيسيين في المجال البحري لتأمين ممر آمن للشحن الدولي»، أي إنشاء قوة عمل بحرية في البحر الأحمر، كما أكّد مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، والذي جاء بطلب إسرائيلي، إذ كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ «إسرائيل» طلبت رسمياً من دول عدة من بينها أمريكا وبريطانيا واليابان تشكيل قوّة بحرية دولية، لـ«ضمان حرية الملاحة في مضيق باب المندب»..
منذ افتتاح جبهة اليمن بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على غزة تردد السؤال التالي: لماذا يتردد الإسرائيلي في شن الهجوم على اليمن؟، تجيب وسائل إعلام العدو بالقول: اليمن تهديد استراتيجي لـ«إسرائيل» وموقعه الجغرافي مشكلة أكبر من الصواريخ، ويرى محللون هنا أن المقصود هو أن أي رد إسرائيلي على اليمن قد يؤدي إلى مشكلة أكبر على الكيان، فاليمن له أفضلية بموقعه وقد يستخدم أوراقاً خطرة ليس ضد الكيان فقط، بل وضد القوى الكبرى التي تقف خلف هذا الكيان.. فالمواجهة حينها بالتأكيد سوف تدور في البحر الأحمر، وهذا سيؤثر سلباً في حركة الملاحة وبشكل إجباري، بما يضر بـ«أمن» الكيان الاقتصادي بطبيعة الحال.
وعن الذعر الإسرائيلي من جبهة اليمن، قال رئيس ما يسمى «مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، غيورا آيلند: «من ناحية إسرائيل، اليمن هو تهديد استراتيجي فعلاً، مضيفاً: مشكلتنا مع اليمنيين هي موقعهم في العنق الضيق للبحر الأحمر في الجزء الجنوبي منه، وهذه مشكلة أكبر من الصواريخ».
وتابع آيلند: «المشكلة الأكبر هي ما سيجري إذا قرر اليمنيون توقيف كل سفينة إسرائيلية»، متسائلاً عن إمكانية أن يستمر الإبحار من البحر الأحمر إلى «إيلات»؟
وتحاول واشنطن أن تقدم نفسها طرفاً محايداً لحماية مصالحها قدر الإمكان ولتخفيف وطأة الاستهدافات عليها، وهذا ما يدل على ما صرحت به بأن الهجمات التي شنها اليمنيون ربما لا تستهدف السفن الحربية الأمريكية.
بالعموم بات من الواضح أن واشنطن ومعها كيان الاحتلال تعمد إلى التصعيد بشتى الوسائل، وكل تصريحاتها حول التهدئة وعدم توسيع الصراع ليست إلّا لمداراة إخفاقاتها مع كيان الاحتلال والتقاط نفس والإعداد للحظة التي تبحث عنها وتنتظرها، فهي تدرك أن المفتاح لديها وإن أرادت «تأمين» البحر الأحمر- باب المندب فعليها إنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة.
ويحتل مضيق باب المندب المرتبة الثالثة عالمياً بعد مضيقي ملقا وهرمز، حيث يمر عبره يومياً (3.3) ملايين برميل نفط، وتمثل «4%» من الطلب العالمي على النفط، كما ترتبط حركة التجارة العالمية ارتباطاً قوياً باستقرار مضيق باب المندب والبحر الأحمر، حيث تمر عبره «21» ألف سفينة سنوياً أي ما يعادل «10%» من الشحنات والبضائع البحرية العالمية، بما في ذلك معظم أنشطة التبادل التجاري بين آسيا وأوروبا، ويعبر المضيق شحنات تقدر بنحو 700 مليار دولار أمريكي سنوياً من حجم التجارة في طريقها إلى قناة السويس ومن ثم إلى البحر الأبيض المتوسط. كما يمر 1.5 مليون برميل من النفط الخام يومياً عبر الممرات المائية الاستراتيجية، حيث يتم تصدير ما يقرب من 10% من إجمالي النفط الخام السعودي إلى أوروبا عبر هذا الممر المائي، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الكمية الأكبر من الخام الأوروبي الوارد من جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط الكبير يمر عبر منطقة البحر الأحمر.
وزاد من أهمية منطقة مضيق باب المندب الاستراتيجية كونها تمثل منطقة اتصال مع شبه الجزيرة العربية الغنية بالنفط، فالموانئ وحاملات النفط والغاز والاتجار بالبضائع والأسلحة وعبور الأشخاص كلها عوامل جعلت منها نقطة جذب وتركيز واهتمام من أطراف دولية وإقليمية عديدة تتصارع للحصول على موقع استراتيجي فيه، وتحقيق مصالح اقتصادية وسياسية وعسكرية.