إنعاش العيش
بالمصادفة التقيت جارنا في الحي وهو يهمُّ بالدخول إلى مكتب خدمات بيطرية، ورغبةً مني بالتقاط بعض الصور التي قد تخدم موادنا الصحفية في هذا المجال، رافقته بالدخول وكان لي ما أردت، لكن الذي لفت انتباهي أن ذلك الجار دفع بسخاء، ومن دون أي تردّد، ثمن أدوية بيطرية لمعالجة الالتهابات والإسهالات عند الطيور، بعد توصيف حالتها وتشخيص الطبيب البيطري الموجود بالمكتب للمرض، حتى “المعلف” البلاستيكي الذي راق له شكله وألوانه، ضمّه للمشتريات بالرغم من سعره المرتفع.
شدّني الفضول أثناء خروجنا لأعرف من هذا الموظف حاجته لمثل هذه الأشياء، فطاب له الحديث وكأني به ينتظر السؤال ليروي تجربته، حيث أسهب بالشرح، موضحاً أن توضّع منزله في الطابق الأرضي شجّعه على تربية عشرين طيراً من الدجاج البلدي البياض في إحدى زوايا الحديقة، وكانت التجربة ناجحة، إذ بات يغطّي حاجة أسرته من البيض كمادة غذائية أساسية، والفائض يسوّقه بقيمة تسعفه في تغطية بعض تكاليف المعيشة، وهو يعمل حالياً على التوسع قليلاً في هذه التربية، بعد أن “فقس” البيض وبدأ ينمو فوج من الصيصان يعادل ضعفي الموجود لديه.
وأردف: بما أن المردود جيد، حيث يقارب المليون ليرة شهرياً، فهو يدفع ثمن الأدوية التي تحتاجها تلك الطيور في حال ملاحظة أي أعراض مرضية عليها من دون أي تذمّر أو تردّد، مضيفاً إن متعة التربية أمست تحفزه على شراء “المعالف والمشارب” وما إلى ذلك من مستلزمات، لتبدو العملية أكثر تنظيماً وجمالاً.
أخذنا الحديث بعجالة إلّا أن الاستكانة للشكوى من الأوضاع المعيشية الصعبة بالنسبة لمحدودي الدخل لم تعد مجدية، وعلى الأسر البحث عن مصادر دخل أخرى من قبيل المشاريع الصغيرة وحسبما يناسبها، كأن تزرع الخضر في الحديقة المنزلية إلى جانب الأشجار المثمرة، ما يغطي احتياجاتها والفائض يجري تسويقه، أو أن تأتي بمكنة خياطة ويتعلم أحد أفرادها عليها، ويبدأ العمل في إصلاح الألبسة وتقصيرها للجيران في الحيّ بأجر يمكن أن يسند المعيشة.
وقد تكون البداية مربكة أو محرجة، لكن بعد فترة يتم الاعتياد على الأمر، وتبدو مثل هذه الأعمال طبيعية، ويمكن أن تشكّل مستقبلاً نواة لانطلاق مشروعات أكبر خارج المنزل، كـ”ضمان” مساحة من الأرض وزراعتها أو افتتاح محل أو مشغل للخياطة وغير ذلك، مثل توضيب المؤونة وعمل مشتقات الحليب، والتي من مردودها يمكن إنعاش حياة الأسر.
تأتي في هذا الإطار أهمية التأكيد على ضرورة تحفيز المشاريع الصغيرة لتعزيزها وتوسيعها، حيث لم يلحظ إلى الآن الأثر المأمول من دعمها رغم كثرة التوجيهات بهذا الشأن.