ضياع بين مزاعم نقص العمالة وحقائق البطالة المقنعة.. خبير يقّدر الأخيرة بـ 33% في القطاع العام السوري
تشرين – بشرى سمير:
رغم ما شهدته سورية من تسرب للكوادر في مختلف المجالات نتيجة الحرب وبحثاً عن مصادر للرزق أفضل، إلا أننا لا نزال نشهد مظاهر البطالة المقنعة في كثير من مؤسسات الدولة، والتي تعتمد على الأعمال الإدارية غير الإنتاجية، فبات الكثير من الشباب وخاصة الشابات يجدون في الوظيفة مصدر دخل ثابتاً رغم قلته يساعدهم على تأمين قوت يومهم ريثما يجدون فرص عمل أفضل، وعلى الرغم من ارتفاع معدل نسبة البطالة في سورية واستمرارها بالارتفاع، إلا أن نسبة البطالة المقنعة في تزايد لكون الراتب ضعيفاً، فأغلب الموظفين يداومون في وظائفهم لقناعتهم بأن (بحصة تسند جرة) كما يقول المثل الشعبي، وأن الراتب آخر الشهر، رغم قلته، إلا أنه أفضل من لا شيء.
عمالة فائضة
مفهوم البطالة المقنّعة، حسب رأي الدكتور عماد سعيد محاضر في التنمية البشرية، هو عملية توظيف عدد من العمال بقدر أكبر مما هو مطلوب لأداء وظيفة معينة، وبالتالي استيعاب المؤسسات الحكومية لموظفين لا عمل لهم أو فائضين عن حاجة المؤسسة، وذلك من أجل تقليل وتخفيض نسبة العاطلين عن العمل في البلاد، حيث يكون عدد الموظفين الذي تحتاجه المؤسسة على سبيل المثال لا الحصر هو 10 موظفين، لكنها تجلب 30 موظفاً، فيعمل نصفهم، والنصف الآخر يأتي للعمل، فيثبت وجوده، ويحتسي المشروبات ويتجاذب أطراف الحديث مع زملائه في العمل لنهاية الدوام ليحصل على راتبه في نهاية الشهر، وهذه البطالة تُعد أخبث أنواع البطالة وخاصة في الدول النامية، لأنها الوجه الآخر لتدني الإنتاج في العمل المبذول.
مشكلات نفسية
وحذر الدكتور سعيد من آثار البطالة المقنعة التي تُشكل مشكلة كبيرة على اقتصاد الدول بشكل عام، حيث إنها تسهم في زيادة مستوى الفقر (عندما يُجبر شخص ما على تولي وظائف لا تتناسب مع مهاراته، فإنَّه عادة ما يتلقى دخلاً أقل من المعتاد، ومع عدم كفاية الدخل).
وهناك مشاكل نفسية بسبب البطالة المقنعة يشعر العديد من الأشخاص بالتوتر والقلق المتزايد بسبب عدم وجود عمل يقومون به، ما يولد لديهم شعوراً بالنقص، ويؤثر سلباً على صحتهم النفسية. منوهاً بأن العديد من الدراسات أكدت أن للبطالة المقنعة، أي عدم الحصول على وظيفة مناسبة والبحث المستمر عن عمل، تأثيراً سلبياً على الصحة النفسية وتسبب التوتر المستمر، ونقص احترام الذات الناشئ عن فقدان العمل وعدم القدرة على إثبات الذات.
وأضاف الدكتور سعيد لا ننسى ما تسببه البطالة المقنعة من هجرة أصحاب العقول المميزة بسبب عدم قدرتهم على تأمين احتياجاتهم المادية والاجتماعية، يضطر العديد من الأشخاص ذوي الاختصاصات الصعبة والنادرة إلى الهجرة إلى مكان آخر.
خبير تنمية بشرية: تسهم في زيادة مستوى الفقر وتسبب التوتر وفقدان الثقة بالنفس واحترام الذات
ومن الناحية الاقتصادية تسبب البطالة المقنعة انخفاض أرباح الشركات، بسبب توظيف الشركات لعدد موظفين أكبر من حاجتها وبالتزامن مع نقص معدل الإنتاج، ما يَضطر الشركات إلى دفع رواتب الموظفين من أرباح الشركة القليلة أو من رأس المال، ما يؤدي إلى خسارة الشركة.
بعيداً عن التخصص
تقول مرام 22، وهي موظفة ديوان في إحدى الدوائر الحكومية: إنها توظفت لتحصل على راتب يساعدها في مصاريف الجامعة، رغم إنه يوجد في مكان عملها خمس موظفات غيرها بينما العمل لا يحتاج أكثر من ثلاث لإنجازه.
وتضيف مرام: كل ما أقوم به من الصباح حتى الظهيرة، تصفح مواقع التواصل الاجتماعي والحديث مع صديقاتي، ريثما ينتهي الدوام ويأتي باص المؤسسة الذي يعيدني للمنزل وأحياناً أذهب للجامعة خلال ساعات الدوام بعد أخذ إذن رئيسي في العمل.
بينما يشير الشاب محمد إلى أنه تم تعيينه بموجب مسابقة لكن لم يحظَ بوظيفة فيما يخص مجال دراسته التي طالما أحبها ورغب فيها، فانتظر حتى أعلن عن مسابقة فتقدم إليها، وتم قبوله، وتعيينه في مجال بعيداً عن اختصاصه ويتقاضى راتبه وبعد انتهاء الدوام يذهب للعمل في إحدى الشركات الخاصة.
محمود، وهو شاب خريج كلية الحقوق في جامعة دمشق، أوضح أنه حاول التدرب كمحام من أجل العمل في مهنته لكنه لم يوفق والموضوع بحاجة إلى وقت، مضيفاً: أنا أمرّ في ظروف مادية صعبة جداً، فتوجهت إلى العمل بمجالات أخرى، لكن ومن خلال تجربتي في العمل مع عدة شركات خاصة في الكتابة القانونية، كانت العقود جائرة جداً، والرواتب هزيلة، حيث لا توجد أي تأمينات اجتماعية، وذلك ما دفعني للعمل مع شركة لبيع أدوات التجميل، فهنا على الأقل الرواتب مرتفعة، وطبعاً فرحتي بالراتب المرتفع طغت على حلم المحاماة وممارستها.
انخفاض الأداء
الخبير الاقتصادي مصطفى المصري- مدرّس في جامعة دمشق- أشار إلى أن نسبة البطالة تعتبر من المؤشرات الأساسية، والمهمة في رصد وقياس الوضع الاقتصادي, ومن الطبيعي أن ترتفع نسبة البطالة في حالات الركود الاقتصادي وفي الأزمات الاقتصادية وفي الحروب، أما البطالة المقنعة فتحدث عندما يعمل في مؤسسة، أو وزارة، أو شركة أكبر من العدد اللازم لإنجاز المهام المطلوبة، وبالتالي تكون كفاءة أداء الموظفين منخفضة، أو شبه معدومة أما بالنسبة للشباب الذين يعملون في مهن بسيطة، لا تناسب درجة تعليمهم وشهاداتهم، فهذا يحصل نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها غالبية الناس، والتي تفرض عليهم قبول أي عمل لقاء الحصول على أجر ولو كان زهيداً وتسمى البطالة المقنعة “غير المرئية”.
عرض وطلب
ولفت المصري إلى أن سوق العمل قائم على نظرية العرض والطلب شأنه شأن الأسواق الأخرى، ومن المعروف أن أصحاب الشهادات العلمية والحرف والمهن الصناعية مطلوبون للعمل بالدرجة الأولى ويتقاضون أجوراً مرتفعة إلى حد ما، وأغلبهم وجد في السفر فرصاً جيدة تحقق طموحه، أما أصحاب الشهادات الجامعية النظرية فنجد أن أغلبهم يلجؤون إلى الوظائف الإدارية، وقدر نسبة البطالة المقنّعة في مؤسسات الدولة حوالي 33 بالمئة بالحد الأدنى، فالموظف لا يعمل أكثر من ساعتين في اليوم، وذلك يعرف من خلال العدد الكبير للإداريين والمستخدمين وموظفي الفئة الرابعة والخامسة، ما يشكّل هدراً كبيراً للرواتب والمحروقات والإنترنت وما إلى ذلك.