الصور بدايةً… وفيق بوشي يتفنن في رسم الحارة الدمشقيّة
دمشق- لبنى شاكر:
اعتاد وفيق بوشي طوال أعوامٍ خلت، التقاط الصور في الطريق المُمتد من القصر العدلي القديم القريب من سوق الحميدية، ثم إلى سوق الطويل وقهوة النوفرة، باتجاه قلعة دمشق، وعلى أن هذا التعلّق كان أرضيةً، استند إليها لإنتاج عددٍ كبيرٍ من اللوحات كتشكيليٍّ ومُدرّسٍ للفنون مدة أربعين عاماً، إلّا أنه مُؤخراً فقط، أعلن عن معرضه الفردي الأول “عزفٌ منفردٌ على حواري دمشق”، والمستمر حتى الخميس القادم في المركز الثقافي في أبو رمانة، فيه ثمانيةٌ وثلاثون لوحة، تُوجز مشواراً غنيّاً في تعليم الرسم، وممارسته مُخلِصاً لموضوعٍ يبدو واحداً للوهلة الأولى، لكنه كما أظهره، يتشعّب نحو فيضٍ من الأفكار والتأملات والرؤى، بمعنى أن الحارة القائمة في الصورة، ليست سوى نقطة بداية في اللوحة.
تخرّج بوشي في معهد إعداد مُدرسي التربية الفنية عام 1977، وفي رصيده الفني إضافةً إلى المدينة القديمة، اهتماماتٌ وتجارب في الخط ورسم البورتريهات والمناظر الطبيعية، ومع إن عدداً من الفنانين، يستسهل هذه المواضيع مقابل التجريد، أي اللوحة غير المقروءة أو المفهومة من قبل العامة، لا يُعير المُدرِّس اهتماماً لهذه الفكرة، يقول في حديثٍ لـ “تشرين”: “التزامي بمواضيع مُحددة، ليس تقصيراً مني، إنما شغف بها، لستُ ضد التجريد أو غيره من المدارس والاتجاهات، لكني لا أُوافق على توجّه الفنانين الجدد وقليلي الخبرة إلى آخر خطوة في التشكيل، يجب أن يمر الفنان بمراحل، الفنُّ سلمٌ يبدأ بالواقعية، الرسم كأنّ العين كاميرا، دليلٌ على الإتقان المطلوب”.
في رسوماته عن الحواري الدمشقية، والتي تحتل الصدارة في معرضه، يسعى لتحقيق شيءٍ من التوازن بين التوثيق ورؤيته الخاصة، فهو يلتقط الصور لتكون قاعدة ينطلق منها في بناء لوحاته، لكن الأخيرة ليست نسخة عنها أبداً، وعلى حدّ تعبيره: “في الحارات هناك أساسيات يجب الحفاظ عليها في اللوحة، كأشكال الأبواب التراثية، خشب النوافذ والشرفات، تشققات الجدران، لأن التغيير هنا يصبح تشويهاً، لكن يمكن اللعب على عناصر أخرى في العمل مثل التوازن والانسجام والترابط، بحيث يُمكن الاستغناء عن رسم سيارة ما في الحارة، أو استبدالها بمكوّنٍ آخر، يخدم اللوحة”.
أمّا في البورتريهات، يبحث عن وجهٍ غني بالتفاصيل، قابل لـ”التشريح تحت الجلد”، وكما يشرح، لا يُشترط أن يكون هذا في وجوه كبار السن، في التجاعيد والانحناءات، إذ إن بعض الوجوه تدعوه لرسمها، بل تدفعه لمزيدٍ من العمل في اللوحة، وهو يستمتع في بذل جهدٍ كبير في عمله، في حين يُصادف أحياناً وجهاً جميلاً لكنه غير قابلٍ للرسم، هذا يرتبط برأيه بشخصيةٍ غامضة ومُتقلبة، ومع الخبرة أصبح أكثر قدرةً على الحكم والاختيار.
على صعيد التقنيات، سعى المُدرِّس للتنويع، ولاسيما أنه بدأ الرسم بالألوان الزيتية والفحم، وعاصر فيما بعد “الباستيل”، “الفولوماستر”، “الخشب”، “الحبر الناشف”، وغيرها، ثم كان الانتقال من الألوان الزيتية إلى الزجاجية “التصوير على الزجاج”، مرحلةً فاصلة عنده، استند إليها في لوحاته المعروضة، وعلى ما يُؤكده فهذه التقنية جديدة كليّاً، لأن ألوان الزجاج تُستخدم عادةً في الزخرفة لكن حضورها في التصوير غير مسبوق، حيث يعتمد معظم الفنانين على الزيتي والإكريليك.
في ميدان التعليم، يُشير بوشي إلى ضرورة أن يكون مُدرِّس الرسم مُتمكناً من مادته، قادراً على الإلقاء والتعاطي مع نماذج مختلفة من الطلاب. يُضيف: “عليه أن يُثقف نفسه ويُتابع التطور الحاصل في مادته، ويتوقع دائماً أسئلةً يُوجهها الطلاب على شكل اختبارات، فهو قدوة لهم، وفي نظرهم المُدرِّس يعرف كل شيء، اعتدتُ أن أرسم في الصفوف، بدل الكلام عن القواعد والطرق، بحيث تتحقق المتعة والتعليم، وأنصح طلابي بزيارة المعارض والتمعّن في الأعمال الفنيّة المكتملة والناضجة كما يُقدمها أصحابها”.
في رصيد بوشي مشاركات في معارض جماعية محلية وعربية، منها في وقتٍ سابق معارض الشبيبة ووزارة التربية ونقابة المعلمين، إضافةً إلى ملتقيات وورشات عمل في المحافظات، بموازاة معارض افتراضية “أونلاين” في “ألمانيا”، “العراق”، “مصر”، “ليبيا”.