معادلة «اليمن- باب المندب» تغيّر وتوسّع قواعد الاشتباك
تشرين – مها سلطان:
لوهلةٍ.. بدا أمس كأن جبهة غزة اتخذت أول توسع إقليمي فعلي لها، عبر التركيز الشديد الذي شهدته معادلة «اليمن- باب المندب» مع التصعيد الكبير في عمليات المقاومة اليمنية لناحية توسيع دائرة الضغط على الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية بهجمات بحرية دقيقة ومركزة، حيث شهد يوم أمس أربع هجمات، بالصواريخ والطائرات المسيّرة، على سفن أميركية وإسرائيلية، بينما اكتفت وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» بالقول إنها ستقدم المزيد من المعلومات عندما تصبح متاحة، وذلك بالتزامن مع تصريحات نقلتها وسائل إعلام عن مسؤول أميركي حول احتفاظ الولايات المتحدة «بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين».
وعن «حق الرد» ذاك ردت المقاومة اليمنية بالقول: إن الأميركيين لا يملكون حقاً في البحر الأحمر حتى يكون لهم حق الرد، مضيفة: إن الأميركيين لن يقبلوا بأي وجود عسكري صيني أو روسي في مياههم الإقليمية أو بالقرب من فلوريدا أو غيرها مثلاً، وتابعت: عندما تقبل وتقرّ الولايات المتحدة بشرعية بقاء الغواصة الكورية الشمالية أو حاملة الطائرات الصينية الحديثة بالقرب من فلوريدا في المياه الدولية، سنفكر بإحالة موضوع القبول بفكرة شرعية وجودها في المياه الدولية للبحر الأحمر.
الكيان الإسرائيلي يواصل عدوانه تحت ضغط أميركي لتقليص الأهداف قبل تصعيد آخر «مخيف»؟!
وأياً يكن الجدل حول الرد وحق الرد، فإن الولايات المتحدة تدرك أنها إذا ما عجزت عن إخراج معادلة «اليمن- باب المندب» من قواعد الاشتباك، ليس في غزة فقط بل في مجمل المنطقة، فإنها ستكون في موقف حرج، لناحية صورة الردع التي تحاول إظهارها لجميع الأطراف في المنطقة على السواء.. ولناحية أنها لا تملك أوراقاً ضاغطة على هذه الجبهة تحديداً، أي جبهة اليمن- باب المندب، أو بعبارة أدق تبدو هذه الجبهة من دون نقاط ضعف، كما هي حال جبهة الشمال أو جبهة المقاومة العراقية التي تحكمها عدة اعتبارات سياسية حادة تجعل قواعد الاشتباك منضبطة باتجاهات محددة «إذا جاز لنا القول».
لذلك تنظر الولايات المتحدة إلى هذه الجبهة بصورة مختلفة، قادتها إلى نقل التحشيد العسكري الثقيل الذي سبق وركزته في البحر المتوسط قبالة الكيان الإسرائيلي مع بدء عدوانه على غزة بعد عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول الماضي.. إلى نقله باتجاه الخليج «هرمز وبحر العرب والمحيط الهندي» لتتبعها فيما بعد بريطانيا وترسل سفنها لإظهار المزيد من الردع.
لكن هذا لم يجدِ، وهو ما بدا من خلال رد المقاومة اليمنية بأربع هجمات تم تصنيفها بأنها التصعيد الأكبر الذي سيتبعه دخول أوسع على مستوى جبهة غزة وبما يُعيد مجدداً مخاوف اتساع جبهة غزة إقليمياً بعدما شهدت انحساراً مع اقرار هدنة غزة ومن ثم التمديد لها مرتين، قبل أن يستأنف الكيان الإسرائيلي عدوانه الوحشي على غزة صباح يوم الجمعة الماضي.
إيران حذرت مجدداً من توسع النشاط العسكري في المنطقة في حال استمر العدوان الإسرائيلي على غزة، من خلال تصريحات وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره العُماني بدر البوسعيدي أمس، ويأتي ذلك مع الإعلان أن ما يسمى «مجموعة الاتصال المعنية بتسوية النزاع في غزة» ستجري مفاوضات مع الإدارة الأميركية خلال الأيام القليلة المقبلة، حسب مصدر دبلوماسي تركي رفض التعليق على ما يمكن أن يُعوَل عليه من هذه المحادثات. وسبق للمجموعة أن عقدت مباحثات في بكين وموسكو ولندن وباريس، وهذه المجموعة شُكلت في أعقاب القمة المشتركة العربية الإسلامية في 11 تشرين الثاني الماضي، وتضم السعودية وقطر ومصر والأردن وإندونيسيا ونيجيريا وتركيا.
أمر ثان بدا معه أن جبهة غزة تكتسب عناصر إضافية باتجاه التوسع إقليمياً، وهو دخول بريطانيا على خط النار وإن كان من دون نار، صحيح أنه ليس دخولاً حربياً «حتى الآن على الأقل» لكنه مستفز بصورة كافية لتصنيف بريطانيا كشريك للكيان الإسرائيلي في العدوان على غزة وفي جريمة قتل الآلاف من أهلها، وهي جريمة مستمرة، أكثر من نصف ضحاياها من الأطفال.
بريطانيا التي أعلنت أن حدود مشاركتها تقتصر على طلعات جوية استخبارية فوق قطاع غزة لمساعدة الكيان الإسرائيلي في تحديد مكان الرهائن، لن تكتفي بهذا الدور، باعتقاد المراقبين، في حال تطورت الأوضاع باتجاه تصعيد أكبر، خصوصاً أن تلك المشاركة جاءت بالتزامن تقريباً مع إرسال سفنها لمشاركة السفن الأميركية، حيث تزعم الولايات المتحدة أن هذه السفن مهمتها القيام فقط بدوريات في البحر الأحمر لتأمين المرور وحركة السفن.
تطورات جبهة اليمن – باب المندب، غطت على جبهة المقاومة العراقية التي بدورها عمدت إلى تصعيد هجماتها على القواعد العسكرية الأميركية في العراق وسورية معاً، وذلك رغم الضغوط الكبيرة جداً التي تمارسها الإدارة الأميركية على الحكومة العراقية بزعم أن عليها حماية ما يُسمى المستشارين الأميركيين الموجودين في البلاد.
المقاومة العراقية، كما اليمنية، تدرس بدورها مسألة توسيع ميدان المواجهة إلى ما هو أبعد من القواعد الأميركية، في تهديد واضح إلى أن الاستهداف سيشمل الكيان الإسرائيلي في المرحلة المقبلة.
ورغم أن الكيان الإسرائيلي وسّع أمس من عدوانه الجوي والبري على غزة، معلناً بدء التوغل جنوب غزة، ورغم أنه يحاول قدر استطاعته ولأطول وقت ممكن الاحتفاظ بنبرة تهديد عالية لناحية الاستمرار في العدوان لأسابيع وأشهر، حتى الوصول إلى ما يسميه تحقيق الأهداف، إلا أن هذا الكيان يدرك أكثر من غيره أنه ليس لديه كل الوقت، ولا كل الإمكانيات، ولا كل الدعم الأميركي، للاستمرار أسابيع وأشهراً في العدوان.. وواشنطن نفسها تقول له ذلك وتطالبه بتعديل خططه، والمقصود هنا، الذي هو غير معلن، هو تعديل أهدافه بما يجعلها قابلة للتحقيق، بمعنى تقليصها أو حتى الاكتفاء بهدف استعادة الرهائن.. المهم أن يتم ذلك قبل حدوث تصعيد خطر آخر في المنطقة، إذ إن المسألة ليست محصورة فقط بأن الكيان الإسرائيلي ليس لديه كل الوقت، بل أميركا أيضاً ليس لديها كل الوقت، ولا القدرة – ربما – على التعامل مع تصعيد «مخيف» من نوع إغلاق مضيق باب المندب ولو ساعة فقط؟!