“زيارات آنسة الرسم” للروائي نضال جديد في القصر الثّقافي في بانياس
تشرين- ثناء عليان:
بدعوة من القصر الثّقافي في بانياس والمنتدى الثّقافي، قدّمت الأديبة أمل معلا قراءة نقدية لرواية “زيارات آنسة الرسم” الصادرة عن دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر للروائي نضال جديد، وهي الإصدار الرابع بعد روايتين هما “وردة الغبار، والخريطة الصّخرية” ومجموعة قصصية بعنوان(خريف الوجوه).
وأكدّت معلا أنّها قرأت الرواية مرات ومرات؛ لأنها ليست مجرد رواية في مكان محدد وزمان معين من خلال أشخاص محددين، مع أنّ قصة الرواية مشوقة؛ ومؤثرة، بل لأنها دوماً تكتشف فيها أعماقاً جديدة، ودلالات مثيرة، وإشكاليات حسّاسة.
وتدور أحداث الرواية حول طالب رسب في امتحان البكالوريا- الثّانوية العامة، الأمر الذي سبّب له صدمة، وجعله متورطاً في الكذب، ما دفعه إلى الهرب، وخلال مغامرته هذه يتعرض لمخاطر شتى، مسبّباً لأسرته بؤساً وهلعاً يدفعان بأمه لتجشّم مشقة اللحاق به وإعادته ليكتب لنا هذه الرواية.
وتشير معلا إلى ما قاله الروائي جديد “لا أخفيك أشعر بالرهبة والحرج لأنّي سأكتب عن نفسي، وعن تجربتي ومغامرة هروبي من جبّ الملك”
بطل الرواية يهرب من (جبّ الملك)، القرية التي هي مكان الرواية، ولا يخفى ما للاسم من دلالة لغوية وتاريخية؛ كلمة (جبّ) هذا المكان العميق المخيف المتناسب مع اسم بطل الرواية (يعقوب)، لم يكن عفوياً أن يكون اسم البطل يعقوب، والمكان خربة جب الملك، بل هو إيحاء برحلة الشّقاء الطويلة، والمحنة الحاسمة وهي رسوبه الظالم في امتحان البكالوريا، مع أننا كما سنعرف فيما بعد أنّه المتفوق والمرشح لنيل المرتبة الأولى على طلاب مدرسة (بيت رابيا) من الجميل أن تكون المدرسة تنتمي إلى الأنوثة!
في مطلع الرواية –حسب معلا- تظهر شخصية (أرواد) آنسة الرسم، أرواد اسم يقابل الجب وكأنها المنقذ ليعقوب الغارق في قهره ومحنته حين يذهب يعقوب للاستعلام عن النتيجة، في مدرسته يجابه المدير ونائب سره، بمشهد مسرحي محطم ومدمر للنفس والروح. ماذا يعني أن يتشّفى مدير وأمين السر، ومن ثم الموجه من طالب رسب في الامتحان؟ وماذا يعني أن يوجهوا له اتهامات خطرة وأنه خدعهم وخدع أمه وخدع الوطن؟
يستمر ضياع يعقوب وسط تداعيات ذاكرته، ويستعرض كل آلامه التي نتجت عن رفضه وتمرده، التّمرد الذي كان فطرياً بسيطاً والذي كان دفاعاً عن وجوده، وعن ما قرروه عنه، وعما رأى فيه احتقاراً وحطاً من شأنه.
وتضيف معلا: كل هذه السير استحضرها يعقوب خلال هذا المشهد المسرحي المهين، ولابدّ هنا من استئصال ما، استئصال لجزء من الروح والإرادة والكرامة بعد جرد معذِّب مضنٍ لما كان يتوقعه لعلاماته التي وصلت للمئتين، يقول له المدير: لكنك رسبت! بتشفٍّ رهيب قالها وبإذلال، هكذا تحولت إدارة المدرسة إلى مكان للاستجواب والإذلال، والخروج منها يشبه الخروج إلى الحرية، رغم ما يحيط بيعقوب من كدر ويأس، كان يتذوق الجمال السانح، ويعطيه أشكالاً حلوة.
ولفتت معلا إلى أنّ بطل الرواية يعقوب يبحث في مفاهيم الوطن والشّهادة والوطنية، ويعطي إشارات وإيحاءات عميقة للأحداث السياسية، بذكاء وسلاسة تظهر صورة الصراع السياسي في البيت الواحد، آخذة شكل الاختلاف في الأمزجة، لكنها في العمق بداية للصراع الفكري والسياسي.
وعن شخصية الأم (الرواية بيّنت معلا) أنها كانت شخصية حاضرة وفاعلة في حياة الأسرة الريفية، بينما ظهر دور الرجل هامشياً كما عند موسى عمّ يعقوب.
وأخيراً يهرب بطل الرواية يعقوب مع سائق الشاحنة الذي تعرّف عليه في دكان القرية، وفي طريقهم يظهر مسلحين ويقطعون الطريق عليهم، وهذه إشارة إلى بدء مرحلة جديدة وخطرة في المجتمع، يصل يعقوب إلى اللاذقية، ليصل بعدها إلى بيت خاله ليجد أمه وأخته في انتظاره، هنا يظهر سؤال ماذا لو أنّ الأسرة لم تتبع يعقوب، وتقف في طريق هروبه؟ هل الانتماءات قيود وقفت في وجه طموحاتنا وأمنياتنا؟ وهل الكتابة هي سبيلنا للخلاص؟
في نهاية الرواية يحرق يعقوب كتب البكالوريا وكل ما يخصّ تلك الفترة، هل هو يأس؟ أم خروج من ذلك الجبّ على يد الآنسة أرواد؟
وتختم معلا مؤكدة أنّ العمل الروائي يفترض أسئلة دائماً، إذ ليس من مهمة الكاتب الإجابة عن الاسئلة؛ بل مهمته الإثارة والتشويق بلا توقف.