«منطقة عازلة» في غزة.. وغير عازلة من ضربات المقاومة
تشرين – هبا علي أحمد:
لم يحتكم كيان الاحتلال الصهيوني للواقع الميداني في قطاع غزة وخسائره المتراكمة منذ السابع من تشرين الأول الماضي، ولم تستطع كل الوساطات الإقليمية والضغوط الدولية ردعه عن البدء بجولة أخرى من جولات الجنون ستكون ارتداداتها أكثر وجعاً وإيلاماً على الكيان لأنها نتيجة ردة فعل أرعن وخائب.. استئناف الوحشية الصهيوني جاء بضوء أخضر أمريكي غداة زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لـ«تل أبيب» ومنطقة الشرق الأوسط، وربما حتى الضغوط الأمريكية لم تكن مجدية لتردع الكيان ولكن أياً ما تكون الخلافات بين الجانبين حول شأن يخص القضية الفلسطينية فلن يتطور ليصبح خلافاً استراتيجياً مهما زادت وحشية الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق أبناء الشعب الفلسطيني فبالنهاية واشنطن غير آبهة إلا لمصالحها ومصالح الكيان.
مع استئناف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أول أمس الجمعة بعد انتهاء التمديد الثاني للهدنة يوم الخميس الماضي، بدأ الكيان حديثه عن خطة إسرائيلية بإقامة «منطقة عازلة» على حدود قطاع غزة الجنوبية «أبلغت عنها عدة دول عربية إلى جانب الولايات المتحدة» في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب تحت مزاعم منع أي هجمات من قبل المقاومة الفلسطينية ونزع سلاحها، الأمر الذي لاقى معارضة من واشنطن التي زعمت أنها تخشى تقليص مساحة الأراضي الفلسطينية.
المنطقة العازلة التي أعلن عنها الاحتلال – ليس من الواضح في الوقت الحالي مدى عمقها، وما إذا كانت قد تصل إلى كيلومتر واحد أو كيلومترين أو مئات الأمتار داخل غزة- هذه المنطقة هي ورقة جديدة من الأوراق التي يسعى الاحتلال لتحقيق نصرٍ عجز عنه إلى اليوم والبحث عن مكسب لن يوجد، إذ يهدف الكيان من خلالها إلى السيطرة الفعلية على مسافة من 2- 3 كم داخل غزة، وهذا سيعدّ كارثة، كما يرى مراقبون فهي بذلك ستقتطع جزءاً كبيراً من القطاع وتضمه، وبالتالي تهجير الفلسطينيين، الأمر الذي رافقه تحذيرات إعلامية من تبعات اجتماعية واقتصادية صعبة على الفلسطينيين إذا تمّ تنفيذ مخطّط المنطقة، ومنها أن تقليص مساحة غزة أمر غير آدمي بالمرة؛ فسكان القطاع يحتاجون إلى ضعف المساحة التي يعيشون فيها لتكون حياتهم آدمية.
في المقابل قلّلت تحليلات الخبراء في الشأن من أهمية هذه المنطقة وجدواها، إذ إنه من الناحية العسكرية والأمنية لن يكون لإقامة «منطقة عازلة» في قطاع غزة أي تأثير إيجابي على الوضع الأمني داخل الكيان، لعدم وجود عمق كافٍ يتيح لـ«إسرائيل» منع عمليات المقاومة الفلسطينية في المستقبل، سواء الصاروخية أو حتى عن طريق البر، فالمستوطنات في غلاف غزة قريبة جداً ولا تبعد سوى كيلومترات قليلة، وبالتالي بإمكان صواريخ المقاومة أن تصل إليها بسهولة، بل وتصل حتى إلى «تل أبيب»، كما يرى خبراء أن أي منطقة عازلة تقام في غزة لن تكون ذات جدوى لـ«إسرائيل» لسبب بسيط هو أن معظم القطاع بعرض صغير جداً وبالتالي احتمالات المواجهة واردة حتى بوجود «المنطقة العازلة»، والدليل أن «إسرائيل» أقامت منطقة عازلة بالفعل على الحدود مع لبنان في وقت سابق، لكنها لا تستطيع أن تمنع حزب الله من استهدافها، فالصواريخ لا تعرف مناطق عازلة.
واشنطن التي لم تؤيد الخطة الصهيونية تحت مزاعم «عدم السماح تحت أي ظرف بالتهجير القسري للفلسطينيين أو إعادة رسم حدود غزة»، كما ورد على لسان نائبة الرئيس الأمريكي كاملا هاريس ليست راعية سلام أو خوفاً على الفلسطينيين وأراضيهم لأن هدفها الأساس القضاء على المقاومة وبعدها باعتقادها تضيع القضية ولا شأن لها بإقامة مناطق عازلة من عدمه، وهنا يبرز الخلاف الثانوي بين واشنطن و«تل أبيب»، إذ نشر موقع «ذي إنترسبت» الأميركي تحليلاً يؤيد وجهة النظر، التي مفادها أن الخلاف بين «تل أبيب» و«واشنطن» ثانوي، مشيراً إلى أنّ أعضاء الكونغرس الأميركي، الذين يطالبون إدارة الرئيس جو بايدن بالضغط من أجل وقف إطلاق النار، يشترطون «القضاء» على المقاومة الفلسطينية لإنهاء العدوان، موضحاً أيضاً أنّ الحديث عن هذا الخلاف جاء في وقتٍ يستعدّ الكونغرس الأميركي للموافقة على حزمة مساعداتٍ لـ«إسرائيل»، تبلغ قيمتها أكثر من 14 مليار دولار، في تناقض صارخ بين القول والفعل الأميركيَّين، تبعاً للموقع، ويدلل على ذلك ما قاله وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بأن واشنطن لن تسمح للمقاومة الفلسطينية بالانتصار، من دون أن يستبعد هزيمة «إسرائيل» الاستراتيجية في قطاع غزة، ويرى مراقبون أن الهزيمة ستكون مزدوجة بلا شك، أمريكية- إسرائيلية.
يعمد الكيان إلى إشعال الصراع وامتداده لأطول فترة ممكنة للأسباب ذاتها وهي تحقيق «نصر» من خلال القضاء على المقاومة بأي طريقة، رغم أن استحالة تحقيق ذلك باتت من المسلمات حتى داخل الكيان، إذ قالت وسائل الإعلام الإسرائيلية: «خوفنا الأكبر من هذه الحرب هو من أنفسنا، نحن نخشى أن تنتهي الحرب من دون أن نحقق نصراً».. «أشك في أن لدى إسرائيل أكثر من أسبوعين، أشك أنه في هذين الأسبوعين يمكن تحقيق الأهداف البعيدة التي أعلن عنها المستوى السياسي في بداية الحرب».