“مسافرو الحرب” و”رحلة يوسف”.. فيلمان يصرخان بحناجر من لا صوت لهم في سينما الكندي في دمشق
تشرين – لمى بدران:
(بهاء).. رجل يتقاعد من عمله في حلب ويقرر العودة إلى مسقط رأسه في حمص، لتجمعه الأقدار مع مجموعة من السوريين في حافلة النقل، وهنا تبدأ الحكايات التي يرويها لابنته المغتربة في ألمانيا عبر مكالمة الفيديو…
حيث يتعرّضون جميعاً لظروف الحرب المشينة التي تدمي القلوب، ورغم كل ذلك يبقى الحب مرافقاً أرواحهم الباحثة عن الحياة، ويضطرون للمكوث في بيوت قرية مهدّمة قبل الوصول إلى وجهاتهم الأساسية.. يحاول بطل الفيلم هنا، وهو الفنان أيمن زيدان، أن يُعيد الحياة لهذه القرية المهجورة، مثل أن يحاول تصليح محوّلة القرية لتضيء أنوارها، وأن يكتشف بعض مكامن الماء التي قد تروي عطشهم للأمان، ثم تتهافت الأحداث التي تعكس وقائع وقضايا الحرب على سورية من استغلال حاجات الناس وابتزازهم وتشريدهم، إلا أن أجمل ما يحدث في خضّم كل هذا؛ أن الذي أُجبِر على الخروج من بيته يعود إليه والذي لم يكن قادراً تماماً على الحب يكتشف خلال قسوة الأيام كيف يُحب ويستمر بالحب رغم كل شيء.. وأن للحرب نهاية مهما طالت آلامها.. كل ما ذكِرَ حتى الآن يختصر حكاية فيلم “مسافرو الحرب” الذي نال أربع جوائز وهي جائزة الفيبريسي ( الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين )، وجائزة التانيت البرونزي، وجائزة أفضل تصوير ( عقبة عز الدين )، وجائزة التانيت الذهبي للجمهور، بالإضافة لجائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان شرم الشيخ السينمائي..
أيضاً نال (مسافرو الحرب) جائزة أفضل ممثل ( أيمن زيدان ) وأفضل سيناريو ( جود سعيد ، أيمن زيدان، سماح قتال، يارا جروح ) في مهرجان القدس السينمائي.
أما فيلم “رحلة يوسف” الذي شارك في عدّة مهرجانات وانتزع عدّة جوائز منها: جائزة أفضل فيلم في مهرجان سالونيتو/إيطاليا، وأفضل فيلم في مهرجان تارانتو/إيطاليا، وجائزة أفضل سيناريو (وسام كنعان وجود سعيد) في مهرجان الدار البيضاء في المغرب، فيحكي لنا بجرعة تراجيدية زائدة تفوق الموجودة بالفيلم السابق رحلة جد وحفيده أمام نكبة النزوح إلى المخيمات واللهث خلف الأحلام الضائعة في الحرب، ففي المخيمات يتعرضون لصدمات كثيرة ومتتالية وتتكاثف النكبات من حولهم وتكبر المواجهات لتصل إلى حدود أن يواجه الجد، وهو أيضاً دور بطولة لأيمن زيدان، فكرة السماح لحفيده الذي نذر له حياته بالسفر والابتعاد عنه، إلا أن الأقدار في الحرب تلعب لعبة حزينة لا تسمح للفرح إلا أن يتسلل قليلاً وينسحب بعدها تاركاً الأحلام تتغيّر شيئاً فشيئاً حتى تضيع مع الرياح، الغرابة هنا أن الظروف تُجبر الجد يوسف على أن يصبح والداً داخل المخيم رغم أنه جدّ وتبقى الآمال معلّقة بين يدي الرضيع القادم الذي يمثّل برمزيته أطفال المستقبل الذين هم النجاة الوحيدة من براثن الحروب.
عُرضَ الفيلمان السابقان مؤخراً في سينما الكندي بدمشق ضمن نشاط لبيت السينما الذي يكاد يكون النادي السينمائي الوحيد في مدينة دمشق وسيكون في مواعيد لاحقة في محافظات أخرى، وقُدّما بطريقة مختلفة عن العروض التجارية، حيث إنهما يعرضان بشكلٍ متتالٍ ويليهما حوار مفتوح مع جمهور من نوع خاص، وهذه الطريقة تحفّز المشاهد للقيام بمقارنة تلقائية بين العملين اللذين يتقاطعان بشكل كبير بنيوياً وفنياً، ويبدو أن الشراكة السينمائية بين المخرج جود سعيد والممثل أيمن زيدان أصبحت من خلال هذين العملين في مرحلة متطورة لامست المشاعر الإنسانية وطرحت أهم القضايا التي يجب على السينما تبنّيها في فترة الحروب وما بعدها، وفي الوقت ذاته نستطيع اعتبار هكذا أفلام توثيقاً لانعكاسات الحرب وتأثيراتها، بأسلوب يعتصر القلوب بمشاهد الحزن ويداويها بمشاهد الهزل والطبطبة في آن واحد، وهنا نكون قد وصلنا إلى المتعة في الحضور والتي توقظ أحاسيس عميقة في دواخلنا لنسمو بها نحو الحب والأمل والحياة رغم الحزن والمعاناة…