مشاهد الحروب والصراعات تسبب أمراضاً نفسية خطيرة تستوجب إنشاء “برامج ضحايا الحرب”

تشرين- إلهام عثمان:
تؤثر مشاهد الحروب والنزاعات بين الدول, والتي نشاهدها كل يوم على جميع المحطات الفضائية, وفي كل الأوقات وما تحمله من مشاهد وصور عنف وصراعات ودماء, على الصحة النفسية تاركة آثاراً وترسبات سلبية كبيرة, لا يمكن التخلص منها بسهولة.

تباين الآثار
إلا أن آثار المشاهد متباينة وتختلف في تأثيرها من شخص لآخر، وحسب فئاتهم العمرية وجنسهم, حسب رأي الخبيرة الأسرية مريم الحاج عثمان, والتي أكدت لـ”تشرين” أن تلك المشاهد والصور العنيفة تترك آثاراً وأمراضاً، ليست صحية فقط وإنما عقلية ونفسية, من اكتئاب ورؤية الكوابيس واضطرابات “ما بعد الصدمة – اضطراب ثنائية القطب- انفصام الشخصية”.
مشددة أن تلك الاضطرابات قد لا تظهر إلا في أوقات لاحقة, ومن خلال الخوف الشديد وعدم الاتزان النفسي لشعورنا بالذنب من عدم قدرتنا على تقديم المساعدة لهؤلاء الأشخاص الذين نشاهدهم كل يوم, والتي قد تؤدي إلى الانتحار في بعض الأحيان, لعدم القدرة على تحمل المشاهد الأليمة.

الحاج عثمان: المشاهد والصور العنيفة تترك آثاراً صحية وعقلية ونفسية من اكتئاب ورؤية الكوابيس واضطرابات

من جهته أوضح الاختصاصي النفسي الدكتور مازن الشماط أن استجابتنا كبشر للأحداث الصادمة ومشاهد العنف ليست واحدة، وتأثيرها متباين طبقاً للفئة العمرية، فتكون عند الأطفال والنساء أكبر من استجابته عند الرجال، ويعود ليؤكد أنها بالعموم تختلف من فرد لآخر فهي مرتبطة بمرونة وصلابة وتجارب وخبرات الأشخاص.

صدمة النزوح
كما أكدت الخبيرة مريم الحاج عثمان أن صدمة النزوح كبيرة جداً، قد يختبرها هؤلاء الأشخاص الذين شهدوا الحروب والصراعات, وكانوا ضمن دائرة الحقيقة وجهاً لوجه, والتي أفقدتهم مساكنهم, لذا لزم تأمين الأشياء الأساسية من مسكن ومشرب ومأكل لهم، لأنهم فقدوا أهم مقومات الحياة الأساسية.

تحديات تواجه الاختصاصيين
وعن التحديات التي يواجهها الخبراء والأطباء النفسيون في زمن النزاعات، فإنها عديدة، وفق منظور الحاج عثمان: أولها تأمين المستلزمات الأساسية لهؤلاء للنازحين من مسكن ومأكل ومشرب, ومن ثم تأمينهم بالرعاية الصحية والدعم النفسي, ونقص بالموارد المالية لدعم النازحين, أو نقص بالمعدات والأدوية الصحية المساعدة.
ومن التحديات أيضاً, قد يشعر بعض الأشخاص بالأسى وألم الصدمة, فتكون ردود أفعالهم مع الاختصاصيين التزام الصمت, والاحتفاظ بالصور السلبية لأنفسهم، وقد لا يلجؤون لاستشارات نفسية بسبب تكلفتها المرتفعة, فيكتفون بالصمت أيضاً خلال جلسات الدعم النفسي.

وصمة العمل النفسي
من جهته بيّن شماط أن أهم التحديات الكبيرة التي يواجهها الاختصاصي النفسي هي وصمة العمل النفسي، لذا يجب تقديم برامج للدعم النفسي، تدعم المناعة النفسية للتخلص من حالة اسمها الهشاشة النفسية والتي تجعل الأشخاص عند تعرضهم لمشاهد عنف أو مواقف صادمة، فتضطرب حالتهم النفسية.
بالإضافة لعدم وجود مستويات عالية من الوعي بخدمات الصحة النفسية، والتطورات المتتالية والأحداث التي تمر بها سورية والتي بدأت بالحرب والأزمة الاقتصادية، إلى جائحة كورونا إلى الزلزال، كل تلك الظروف جعلت الأشخاص يركزون على الجوانب المعيشية وتقليل الاهتمام بالصحة النفسية.

الأطفال
أكثر شريحة يمكن أن تتأثر بمشاهد وصور العنف والدم هي شريحة الأطفال, هذا ما أكدته الحاج عثمان, فتبقى المشاهد التي بقيت مرافقة لذكرياتهم إثر مشاهدتهم لتلك الصور عبر المحطات الفضائية، وستدخل في نمو دماغهم في المستقبل, فتزيد من سلوكهم العدواني في تعاملهم مع الظروف الحياتية والمحيط بشكل عنيف، وكلما زادت مشاهد العنف زاد بالمقابل الأثر ليكون طويل الأمد.
فالأطفال لا يدركون، وغير قادرين، على التعبير عن أحزانهم وآلامهم كالبالغين, فيعبرون عن حزنهم بالسلوك العدواني- الشعور بالإحباط- الأرق- تقلب المزاج- قضم الأظفار- نتف الشعر.
من جهته لفت الشماط إلى أن مشاهدة الطفل للدم والجريمة، يمكن أن يولد لديه نوع من الإجرام, فالإجهاد النفسي متباين والحل الأمثل لذلك أن تكون هناك برامج وقائية تقوي الأشخاص ليستطيعوا مواجهة الحياة بقوة وعزيمة.
ويشدد أن الطبيب أو الاختصاصي النفسي، لا يستطيع معالجة أو إنهاء الضعف النفسي باتباع خطوات معينة للشخص!!، فالإجهاد النفسي مصادره متنوعة قد تكون اقتصادية أو اجتماعية وفقاً للظروف الاستثنائية التي نمر بها, ويؤكد أن الشيء الوحيد الذي يختلف هو مدى امتلاك الشخص لأساليب المواجهة والاستراتيجيات هي الأمثل للعمل عليها وبالتالي التخفيف من الضغوط التي يتعرضون لها، لذا يجب العمل على تقوية الجانب الوقائي للأشخاص والذي يستهدف بناء المناعة النفسية لديهم..

كبار السن والنساء
من أثرها أيضاً على الكبار السن والنساء، وفق رؤية الخبيرة الحاج عثمان “شعور دائم بالضغط الشديد- تقلب المزاج- إحباط- ردود فعل سريعة وعنيفة في حل الأمور الحياتية – فقدان السيطرة على الأمور في الحياة اليومية- عدم تقدير الذات- صعوبة بالاسترخاء- اكتئاب – شعور بالوحدة- وتجنب التواصل الاجتماعي والانسحاب من التعامل مع الآخرين- انخفاض بالطاقة- نوبات صداع- أمراض جسدية متكررة – إمساك بسبب الإجهاد النفسي.

المراهقون
وأكدت الحاج عثمان أن الأثر الذي تتركه أيضاً على المراهقين هي : عدم القدرة على التركيز- قلق مستمر- سوء الحكم على الأمور- عدم اتخاذ قرارات سليمة- جانب من السوداوية في أمورهم الشخصية- مماطلة وسلوكيات عصبية من دون مبرر.

شماط: استهداف الجانب الوقائي لتقوية المناعة النفسية وتفريغ الطاقة السلبية يخفف الضغوط

ولفتت الحاج عثمان إلى أن الداعم والخبير النفسي يجب أن يمتلك خبرات مصقولة، تدعمه منظمات وشركات قائمة على هذه البرامج وضرورة تزويد الكوادر والاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين الداعمين لهؤلاء الأشخاص بالموارد المالية, لتقدم لهؤلاء الأشخاص برامج صحية توعوية نفسية, وبرامج داعمة في زمن الحرب والنزاعات ومن ضمن البرامج، مواجهة التحديات الصحية والنفسية العمل على الدعم النفسي لأنه يتعامل مع شريحة حساسة من ضحايا حرب فعلى الاختصاصي أن يكون لديه القدرة على كيفية توصيل المعلومة, والتواصل معهم بحسب بيئتهم ومعتقداتهم, من جهة أخرى، عليه تجنب الضغط على الأشخاص حتى يستطيعوا إفراغ ما بداخلهم, وأن يكون على درجة عالية من الكفاءة حتى يستطيع الدعم بشكل محترف وصحيح.
من جانبه أكد الشماط أنه يجب ألا تتم البرامج الداعمة النفسية بشكل فردي وإنما ضمن خطة وطنية يعمل عليها على مستوى الوقاية لتقوية مناعة الفرد وضمن خطة متكاملة وعلى مستوى وزارة الصحة، وبتدخل الاختصاصيين النفسيين الاجتماعيين كفريق ليكون لهم دور بالدعم النفسي وبالتالي على مستوى الصحة النفسية والارتقاء بها.

كيف تقوم برامج ضحايا الحرب
أكدت الحاج عثمان أن البرامج تقوم من خلال إعادة ثقة المرضى بأنفسهم, ومن خلال انخراطهم بالمجتمع والمشاركة بأنشطة ترفيهية أو اجتماعية, وبتأمين الأشياء الأساسية حتى يباشروا ويخوضوا حياة جديدة.
وتعود لتنوه أنه من الضروري أن نترك لهم مساحة شخصية, حتى يستطيعوا أن يعبروا عن أنفسهم، وإيجاد روتين يومي جديد بالبيئة الجديدة التي يعيشون فيها، ضمن برامج الدعم النفسي الداعمة حتى يعيشوا بسلام.

تدابير
واختتمت الحاج عثمان أنه للتخفيف من مشاهد العنف في التلفاز، وكيفية تفريغ الطاقة السلبية، فيجب عدم الإفراط في مشاهدة الأخبار والصور المتناقلة عبر المحطات، وأن يختار الفرد مصادر موثوقة ومحددة لمتابعة الأخبار، فهناك قنوات تموه الصور العنيفة، لذا يمكن متابعتها، وتقليل وقت مشاهدة الأخبار وخاصة للأطفال وصرف نظرهم لنشاطات أخرى، وتفريغ الطاقة السلبية بالقيام بنشاطات وإنجازات والدخول بعجلة الحياة، والاحتكاك بالآخرين وعدم الانغماس بالوحدة والشعور بالذنب واللجوء للجانب الروحاني للتخفيف من آلام الروح.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار