بين أسرانا وأسراهم.. شهادات توثّق وتؤرّخ
تشرين – هبا علي أحمد:
كرّست المقاومة الفلسطينية في معركتها مع العدو الصهيوني كل صور الانتصار السياسي والعسكري، وأتت مفرزات الهدنة وشهادات الأسرى الإسرائيليين لتكرس صورة الانتصار الإنساني والأخلاقي أيضاً للمقاومة، ورغم أنها ليست بحاجة لتكريس الصورة الثانية فهي بالأساس مقاومة أخلاقية وإنسانية لكونها تنطلق في مشروعيتها من الدفاع عن الحق والحقيقة التاريخية والدينية في مواجهة الباطل والتزوير التاريخي والديني، بل زجّ الدين في الواجهة لمحاولة إضفاء الشرعية والضرورة على أي ممارسات.
مع شهادات الأسرى الإسرائيليين التي ترد تباعاً حول المعاملة الإنسانية والأخلاقية التي تلقوها مع أطفالهم خلال فترة أسرهم لدى المقاومة الفلسطينية، تكسب المقاومة معركة إضافية ضد العدو ومن عقر داره، كما تصيب تلك الشهادات العدو في مقتله، فنجد أن كل محاولات التعتيم على جرائمه وتصدير صورة «حقه في الدفاع عن نفسه» تحطمت عند أقدام تلك الشهادات، كما تحطمت صورة إعلامه الناقل للمعلومات المضللة، والمشوّه لصورة المقاومة، التي خرجت منتصرة سياسياً وعسكرياً وأخلاقياً، وبالتالي فإن هزائم الكيان تتراكم سياسياً وإعلامياً مع لجوء «المجتمع الإسرائيلي» إلى معرفة ما يجري من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الإنترنت لعدم تصديقه الصورة التي تقدمها وسائل إعلامه.
وبينما كان العالم يشاهد على شاشات التلفزة، الوحشية الإسرائيلية التي لم تثنها الهدنة المؤقتة عن قتل الأطفال وخروقات هنا وهناك، ويستمع إلى ما تعرّض ويتعرض له الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية من تنكيل وحرمان وأحكام قسرية بحجج ومزاعم واهية، وحرمان المحررين وذويهم من الاحتفال بتحريرهم، في مقابل هذه الصورة كان العالم ذاته يستمع إلى شهادة إحدى الأسيرات الإسرائيليات، التي وجهتها للمقاومة الفلسطينية تحت عنوان «سأكون للأبد أسيرة شكر»، وورد فيها: «إلى الجنرالات الذين رافقوني في الأسابيع الأخيرة، يبدو أننا سنفترق غداً، لكنني أشكركم من أعماق قلبي على إنسانيتكم غير الطبيعية التي أظهرتموها تجاه ابنتي إميليا، كنتم لها مثل الأبوين، دعوتموها إلى غرفتكم في كل فرصة أرادتها، هي تعترف بالشعور بأنكم كلكم أصدقاؤها ولستم مجرد أصدقاء، وإنما أحباب حقيقيون جيدون، شكراً شكراً شكراً على الساعات الكثيرة التي كنتم فيها كالمربية.. شكراً لكونكم صبورين تجاهها وغمرتموها بالحلويات والفواكه وكل شيء موجود حتى لو لم يكن متاحاً. الأولاد يجب ألا يكونوا في الأسر، لكن بفضلكم وبفضل أناس آخرين طيبين عرفناهم في الطريق، ابنتي اعتبرت نفسها ملكة في غزة، وبشكل عام تعترف بالشعور بأنها مركز العالم».
وتابعت: «لم نقابل شخصاً في طريقنا الطويل هذا من العناصر وحتى القيادات إلا وتصرف تجاهها برفق وحنان وحب، أنا للأبد سأكون أسيرة شكر، لأنها لم تخرج من هنا بصدمة نفسية للأبد، سأذكر لكم تصرفكم الطيب الذي مُنح هنا بالرغم من الوضع الصعب الذي كنتم تتعاملون معه بأنفسكم والخسائر الصعبة التي أصابتكم هنا في غزة».
وختمت قائلة: «ليت لهذا العالم أن يقدّر لنا أن نكون أصدقاء طيبين حقاً، أتمنى لكم جميعاً الصحة والعافية، الصحة والحب لكم ولأبناء عائلاتكم.. شكراً كثيراً. دنيال وإميليا».
هذه الرسالة وثيقة حيّة ومثبتة بالصوت والصورة والقلم للعالم أجمع، ودليل تأكيد أن صاحب الحق ليس بحاجة لارتكاب المجازر والترهيب لإثبات حقه وإيصال صوت قضيته وأحقيتها، وليس بحاجة أيضاً للتنكيل وقطع كل سبل الحياة عن أسرى الحرب كما يفعل الكيان الصهيوني مع الأسرى الفلسطينيين في سجونه، الذي لا حق له في أي شيء، كما من شأن هذه الرسالة أن تشكل وسيلة إضافية علّ العالم يستخدمها في الضغط على الكيان لوضع حد لتوحشه وإنزاله عن الشجرة.