سقط بين يديّ على غير توقع أو انتظار! “سقط” فعلاً لا مجازاً، كأنه قطرة ندى كانت مختبئة في كُمّ نبتة نعناع امتدّت إليها يدٌ على ضفة ساقية أو حوضٍ منسيّ!
كان الظرف الكبير محشواً بالورق الذي مازال مخطوطاً يحتاج إلى قراءة وتقييم، وظلمة الليل قد تقدمت إلى ما بعد منتصفه، والضوء أكثرَ من شحيح، حين دسسْتُ يدي بين الورق لأهيّئ نفسي للقراءة في الصباح! آليةٌ تشبه التحضُّر النفسي لفعل أي شيء: النوم، الخروج، سقاية الزرع، التحدُّث على الهاتف، المطالعة، الكتابة، لكنّ يدي اصطدمت بكتيّبٍ في أسفل الظرف! كيف وُضع بين هذا الورق ولماذا؟ وعلى ضوء شحيح رأيت الغلاف الموسومَ بعنوان “إلا قليلاً”، ملوّناً بألوانٍ زاهية رقيقة فيها روح طفولة، ودائماً أهتمُّ بدار النشر: الهيئة العامة السورية للكتاب! وفوجئت بإهداء رقيق مكتوبٍ بحبر شفاف مؤرّخ منذ ست سنوات بالتمام والكمال!
هكذا “سقط” الكتاب المدهش بين يديّ، موقعاً باسمٍ مستعار “نعناعة” لأفهم سرّ رحيق النعناع الذي تضوّع حين خرج من الظرف وحين لمستُ الندى بيدي وأنا أقلب صفحاته التي احتوت على عشرات الأسماء لكتّاب ورسامين وصحفيين وموسيقيين ومغنّين مع صورهم ونفحات حبٍّ لا يمكن أن تصدر إلا عن شاعرة اسمها “جمانة نعمان” التي اختبأت طويلاً تحت اسم “نعناعة” على “فيسبوك”، وراحت تكتب على صفحتها رسائلها القصيرة إلى أصدقائها، قائلةً في صفحة الكتاب الأولى: ” بدءاً من الكتابة عبر وسيلةٍ لا أكاد أعرف حروف هجائها.. إلا قليلاً، إلى الكتابة عن مواهب متعددة وإبداعات وأسماء لا أعرفها إلا قليلاً، لكنني.. كفراشة تبعتُ عشقَ الضوء ورجوتُ ألا أحترق وأظنني نجوت! شفيعي في ذلك كائنٌ رقيقٌ شفافٌ ملهمٌ اسمُه “الحب”!
أنا أيضاً لم أعرف “جمانة نعمان” إلا قليلاً حين نال فيلمها للأطفال “عروس البحيرة” جائزة مهرجان قرطاج الذهبية، وكذلك فيلمها “أرسم حلمي” في مهرجان القاهرة، وقد غنّت الراحلة ميادة بسيليس أغنية من كلماتها “من يقرع بعدي”، أما ” قمرٌ لسماء البرتقال (مفردات فلسطينية)” فحاز جائزة لجنة التحكيم في القاهرة، وكنت خبرتها شاعرة وكاتبة للأطفال وهو الأدب الأكثر صعوبة بين الأجناس الأدبية قاطبة، لكنني متأخرةً علمت أنها آتية من اختصاص الفلسفة وعلم النفس، وليس كلُّ دارسٍ لهذا الاختصاص بقادر على نسج كلّ هذا الحرير، شرنقةً تحضن الأحبة وتجعلهم في أبهى صورةٍ وجودية!
إنه كتاب لا ينتمي إلى أي جنسٍ أدبيّ سوى نفسه!
نهلة سوسو
125 المشاركات