عندما صار غذاؤنا ملوناً.. المنكِّهات والملوِّنات الغذائية في دائرة الشك والخطر
تشرين-حسام قره باش:
“صُنِعَ هذا المنتج طبقاً للمواصفات القياسية السورية ولأعلى معايير الجودة العالمية وسلامة الغذاء”، هذه العبارة المطبوعة خلف أغلفة المنتجات الغذائية، يعدها البعض شهادة أمان والبعض الآخر يعدّها دعاية ليس إلا، واليوم يكثر في الأسواق بيع المواد التي خالتطها كل أشكال مكسبات النكهة والملونات الغذائية، وبلا أدنى شك، لابد للمستهلك أن يتوجس الخيفة منها طالما غير مدوَّن عليها أي مواصفة تؤكد ماهيتها.
دائرة الخطر
أمين سر جمعية حماية المستهلك والخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة حذر في تصريحه لـ”تشرين” من مجمل النكهات والملونات الغذائية المتواجدة في الأسواق لكونها مواد كيميائية مصنعة مخالفة لبيعها بشكل فرط وغير مغلفة وليس لها أي رمز للتصنيع والصلاحية للاستهلاك البشري.
وطرح بعض الأمثلة المنتشرة في الأسواق التي تدخل المنكهات والملونات في صنعها كالراحة الممسَّكة ونكهة السمن البلدي وصباغة المخللات وتلوين فستق العبيد ليصبح كالفستق الحلبي والبهارات عامة، كالكمون والفلفل المضاف له الخردل أو البرغل المطحون غير الصالح فيصبح أرخص وكذلك بهار الكاري الذي يكون خشباً يطحن ويلون، عدا عن صباغ اللحوم بإضافة (الطحال) لها لتكسب اللون الأحمر وصباغ شحم الغنم بالأحمر ليصير كاللحم الذي يصعب تمييزه ويباع بأرخص الأسعار، وكذلك الأمر في تصنيع مادة الفانيليا من السكر والنكهة وغش القهوة بطحن القمح والشعير وإضافة نكهة الهيل إليه والذي يلتبس على المواطن كشفه، وبخلط الزيت النباتي بنكهة زيت الزيتون وكذلك مكسبات النكهة من مكعبات الدجاج الصلبة والبودرة المصنعة من مساحيق مخلفات الدجاج أو المستوردة من دون بطاقة بيان.
حبزة: خطورة الموضوع البالغة تحتِّم على هيئة المواصفات والشؤون الصحية أخذ عينات للتأكد من المواد كيف دخلت وكيف صنِّعت؟
ويبقى الخطر الأكبر حسب تأكيده في أطعمة الأطفال كالشيبس من الذرة والبطاطا بمزجها بنكهات صناعية كـ(نكهة الجبنة والكتشاب والخل..) بحيث تصبح أصابع الأطفال ملونة بعد تناولها ويصعب إزالة اللون عنها، فما حال جسم الإنسان, لافتاً لخطورة الموضوع البالغة بما يحتم على هيئة المواصفات والشؤون الصحية أخذ عينات للتأكد من هذه المواد كيف دخلت وكيف تصنعَّت؟.
وأضاف: يعتقد بأنها تدخل البلد تهريباً أو يتم تصنيعها من دون إشراف صيدلي، لأنها يجب أن تعامل كالأدوية، ومن المفترض فرض رقابة مشددة عليها خاصة أغذية الأطفال بما تسببه من سرطانات والتهابات معوية حادة ومغص.
والخلاصة كما يقول إنّ كل تلك المنكهات والصبغات ممنوعة إلّا ما كان بإشراف صيدلي ولها رموز معينة بصلاحيتها غذائياً، مبيناً أن استخدامها غير النظامي يتمدد في عملية الغش والتدليس وخطورة عدم كشفها إلّا بالتحليل الكيميائي، داعياً لمصادرتها و بيعها بشكل فرط ما لم تكن في عبوات مغلّفة عليها بطاقة بيان المادة ونوع الصباغ و تاريخ الصلاحية ووزنها الصافي والقائم.
معايير الجودة
بدوره نائب رئيس الجمعية العلمية السورية للجودة وسيم الغبرة أوضح لـ”تشرين” أهمية مطابقة تلك المواد للمواصفات القياسية التي تراعي معايير الجودة وسلامة الغذاء وبأن لكل صنف حالته ويعدُّ مطابقاً للمواصفات ما دام مكتوباً على غلاف المادة بحيث لا يجوز وضع شيء على العبوة غير متحقق بالمنتج و إلا يعدّ مخالفة قانونية ويتحمل صاحب المنتج المسؤولية الكاملة عما يضعه من تعريفات للمواصفة.
الغبرة: غذاؤنا يخضع لرقابة صارمة وتم ضبط معامل فيها مخالفات تتعلق بالجودة
وصرَّح بأن بعض المنكهات والملونات صحية تتبع معايير الجودة العالمية ومطابقة للمواصفات القياسية السورية وليس عليها أي إشكال إنما ليس على وجه العموم لحاجتها إلى ضوابط تثبت دقة ما يكتب على العبوة ووزارة “حماية المستهلك” تراقب ذلك كما ذكر.
وأشار إلى تعليمات الوزارة باعتبار أي مادة معبأة بأكياس لا تحمل شرحاً لمواصفاتها حتى يعرف المواطن ما يستهلك مخالفة صريحة، ناصحاً المواطن بتدقيق المواصفات والتاريخ ويقرأ ليعرف ماذا يشتري مع إن القوانين تجبر المنتجين أصحاب المنشآت الغذائية على توضيح المواصفات كي تصل للمواطنين ضمانات الصحة العامة.
وعمّا إن كان غذاؤنا آمناً، أكد خضوعه لرقابة صارمة من وزارتي “حماية المستهلك” و”الصحة” ، وضبط عدة معامل فيها مخالفات تتعلق بالجودة لكنه بشكل عام آمن وسليم، وعلى سبيل المثال كل منكهات الدجاج (الماجي) تخضع لرقابة الجمارك والصحة والتجارة الداخلية وبناءً عليه يأخذ موافقة دخوله البلد.
وختم حديثه: الجمعية ليست جهة تنفيذية إنما تقوم بدور نشر الثقافة التعريفية وتوعية المجتمع عامة والصناعيين خاصة بما يخص السلامة الغذائية عبر إقامة العديد من الورشات والمؤتمرات بهذا الخصوص.
المسموح والممنوع
مدير الشؤون الصحية بدمشق الدكتور قحطان إبراهيم أوضح لـ(تشرين) أن النكهات والصبغات إذا كانت وطنية وغير مهربة أو صناعة أجنبية لها بيان جمركي فهي مسموحة كتلك التي تستعمل في أغذية الأطفال وحلويات الكاتو، أما ما يخص ملونات المخللات فهي ممنوعة منعاً باتاً، وغالباً هذه الظاهرة موجودة في سوق باب سريجة حيث وبشكل دائم يتم أخذ عينات من المحلات ومراقبتها مع صعوبة أخذ عينات من البسطات لأنها غير مستقرة، منوهاً بإغلاق المحلات المخالفة ثلاثة أيام وعودتهم باليوم التالي للبيع على البسطات في الشوارع.
مدير الشؤون الصحية بدمشق يحمِّل المواطن مسؤولية شرائه لها
وأضاف: المسموح غذائياً والبيع والشراء لمادة المخلل فقط ما كان ملوناً ببدائل طبيعية كالشوندر للون الأحمر لمخلل اللفت أو الكركم للون الأصفر، محملاً في الوقت ذاته المسؤولية للمواطنين الذين يشترون هذه المواد ويعرفون أنها غير صحية وملونة بطريقة مخيفة كما وصفها، داعياً المواطن ألا يشتري من هؤلاء الباعة إلّا ما كان طبيعياً.
وتابع: نخرج ونصادر البسطات إلّا أنها مشكلة لا تنتهي لأنهم سرعان ما يعودون للانتشار والبيع ما يتطلب الأمر مؤازرة من وحدات الشرطة والبلديات لإنهاء هذه الظاهرة.
مضيفاً أنه يتم التركيز حالياً على أخذ عينات الألبان والأجبان واللحوم الباردة وعينات العصائر والفواكه من الأسواق، ومنع كل ما هو ملوث ومعرض للغبار واللمس بالأيدي، وأكد بأن المعلبات المسموحة ما لم يكن التاريخ عليها ممسوحاً لأنها تكون بهذه الحالة منتهية الصلاحية ويغلق المحل بحالة كهذه 37 يوماً، خاتماً: أن لا ضرر على الصحة العامة من المنكهات غير أنها بالقانون مرفوضة.