هدنة غزة في يومها الثالث.. كيان الاحتلال غير قادر على اتخاذ القرار وما بعد التهدئة بحثٌ عن إنجاز واهٍ ومستقبل سياسي مختل

تشرين – هبا علي أحمد:
مع دخول الهدنة في غزة يومها الثالث من مدة الأربعة أيام المقررة والتي تنتهي غداً، يدور الحديث عمّا بعد الهدنة، وهل يتم الدفع باتجاه تمديدها، أم إن حفلة الجنون الإسرائيلي – الأميركي لمّا تنتهِ بعد؟ ولاسيما أن أصعب ما يمر به الكيان الغاصب اليوم هو تكريس صورة انتصار المقاومة وبشروطها مقابل تهشيم الصورة الصهيونية شعبياً ورسمياً على المستوى العالمي، وربما من أبرز مظاهر هزيمة العدو هو محاولة النكران التي مارسها من خلال نقل وحشيته إلى جنين في الضفة الغربية ومواصلة اعتداءاته على الفلسطينيين من دون أن يجدي ذلك نفعاً، إذ كانت وسائل الإعلام، على اختلاف توجهاتها في نقلها لحدث الهدنة، كفيلة بتصدير صورة انكسار المحتل.
بعد 51 يوماً من العدوان الإسرائيلي على غزة لم يحقق العدو الإسرائيلي أي مكاسب تذكر، بل إن العبء بات مضاعفاً أمنياً وسياسياً وعسكرياً حتى لناحية «المجتمع الإسرائيلي» الذي يحمل قيادته السياسية مسؤولية الفشل ويضع مستقبلها السياسي على المحك، وبطبيعة الحال فليس المستقبل السياسي لقادة الكيان على المحك فحسب، بل الوجود الإسرائيلي برمته، وبالتالي ما شهده اليوم الثاني من الهدنة من تهديدٍ ووعيدٍ إسرائيلي من استمرار العدوان بعد تعثر الجولة الثانية من صفقة التبادل نتيجة عدم الالتزام الاحتلال ذاته ببنود اتفاق الهدنة، ليس إلا انعكاساً لحال التخبط والعشوائية التي يعيشها الكيان راهناً.
رغم أن الصورة شديدة الوضوح وتثبيت المقاومة الفلسطينية معادلة ردع العدو الإسرائيلي في قطاع غزة، إلا أن الكيان المحتل يحاول تصدير صورة القوة وهي موجهة للداخل لديه في ظل حالة الغضب والغليان لدى مستوطنيه، فما كان من رئيس أركان جيش الاحتلال هارتسي هيلفي إلا الإشارة إلى الاستعداد لمواصلة القتال بعد انتهاء الهدنة، زاعماً «أن القوات الإسرائيلية تستغل فترة التهدئة التي لديها الآن، لنتعلم ونجهز قدراتنا بشكل أفضل ونرتاح قليلاً أيضاً، وسنعود فوراً في نهاية وقف إطلاق النار لمهاجمة غزة والمناورة فيها».
ويشدد جيش الاحتلال الإسرائيلي على أن الحديث يدور عن هدنة وليس عن نهاية الحرب، ويزعم أنه «نقل قواته في الساعات الأخيرة قبل دخول وقت وقف إطلاق النار إلى مناطق قال إنها آمنة، تسهم في الحفاظ على القوات في الميدان بطريقة تمكّنها من استئناف القتال بعد انتهاء الهدنة».
في حال لم يتم تمديد الهدنة وصولاً إلى وقف دائم لإطلاق النار فمن المؤكد أن يستمر الاحتلال في ارتكاب عشرات ومئات المجازر الأكبر حجماً والأشد بشاعة بحق المدنيين من النساء والأطفال، ويرى مراقبون أن الأسوأ لم يأتِ بعد، فالمخطط الذي يسعى العدو إلى تنفيذه لا يستهدف قطاع غزة وحده، بل يستهدف أيضاً القدس المحتلة والضفة الغربية والداخل الفلسطيني، كما أن الأسوأ لم يأتِ بعد لأن العدو لم يستطع منذ السابع من تشرين الأول الماضي تحقيق ما رمى إليه من القضاء على المقاومة الفلسطينية، وبالتالي فإن رحلة البحث عن إنجاز ما مستمرة لكنها ستعود خائبة واهية خالية الوفاض.
أما في حال تمديد الهدنة تحت وقع الضغوط العالمية بما فيها الأميركية، فمن المتوقع أن يلجأ العدو إلى سرديات «الانتصار» ولاسيما بعد الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، إضافة إلى سرديات حول «المكاسب» الواهية التي تحققت أملاً بتهدئة «الداخل الإسرائيلي» وامتصاص حالة الغضب، حيث حذرت تقارير إسرائيلية «أن من شأن عدم حل قضية الأسرى الإسرائيليين بشكل كامل أن يؤدي إلى تراجع مناعة المجتمع الإسرائيلي والتأييد لاستمرار القتال، كما أن إطالة مدة الحرب من شأنها أن تجعل السكان الذين تم إجلاؤهم من غلاف غزة يفقدون صبرهم ويعبرون عن ضائقتهم ويوجهون اتهامات حول التخلي عنهم وتقويض المزاج القومي».
وتحدثت وسائل إعلام أنه منذ الاتفاق على صفقة الأسرى وإعادة الفوج الأول ممن تحتجزهم المقاومة الفلسطينية، أجرت الأجهزة الأمنية والعسكرية ومسؤولون سياسيون في «إسرائيل» تقييمات للوضع الحالي ومدى إمكانية تنفيذ تصريحات بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت وغيرهما من المسؤولين بالعودة إلى القتال في غزة من النقطة التي توقف عندها الجيش قبل بدء وقف النار.
وبتقدير المشاركين في المداولات المغلقة فإن المقاومة ستبذل جهوداً حثيثة بعد وقف النار وعودة الفوج الأول من صفقة الأسرى لتطيل أيام وقف النار حتى يصل إلى وقف إطلاق نار دائم.

أما عن مستقبل نتنياهو، فتشير التقديرات إلى أنه في حال نجح الضغط الدولي على «إسرائيل» لوقف إطلاق نار دائم وإنهاء القتال سينسحب حزب المعسكر الرسمي برئاسة بيني غانتس من الحكومة، وسيبدأ نشطاء الاحتجاج بالتظاهرات التي تدعو نتنياهو إلى الاستقالة، وفي هذه الحالة سيكون نتنياهو مضطراً للإعلان قبل استئناف الاحتجاج عن نيته الاستقالة وترك الحياة السياسية مع نهاية المسيرة السياسية لتسوية إقليمية.
وتضيف التقديرات: في مثل هذا السيناريو، سيعلن في حزب «الليكود» عن انتخابات داخلية، وسيشكل المرشح الذي سيفوز الحكومة من دون الإعلان عن تقديم موعد الانتخابات لـ«الكنيست»، واستعداداً لمثل هذا السيناريو المتوقع بدأت شخصيات في محيط نتنياهو داخل الحزب بالبحث في إمكانية الوصول إلى صفقة قضائية في محاكمته.
العدو اليوم غير قادر على اتخاذ أي قرار وهو يتخبط بين مواصلة العدوان وبين وقف دائم للعمليات العسكرية، وبين هذا وذاك فإن المزاج العام تجاه حكومة نتنياهو يتآكل كل يوم أكثر من الذي قبله حيث تنمّ التصريات عن مدى الضعف والهشاشة داخل هذه الحكومة، حيث نقلت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية عن وزير «الأمن» ورئيس الأركان الأسبق موشِه يعالون قوله عن ملف ما بعد الحرب على غزة: إنّ الحكومة المرهونة، برئيس حزب الصهيونية الدينية، ووزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، غير قادرة على اتخاذ قرار وكذلك غير قادرة على إخراجنا من الأزمة.
ودخلت الهدنة المؤقتة بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة في غزة حيّز التنفيذ صباح يوم الجمعة الماضي، بعد تواصل العدوان منذ الـ7 من تشرين الأول الماضي والذي أسفر عن استشهاد وجرح الآلاف.
وبموجب اتفاق الهدنة، سيُفرَج عن 3 أسرى فلسطينيين من النساء والأطفال مقابل كل أسير إسرائيلي واحد، وسيتم خلال الأيام الـ4 الإفراج عن 50 أسيراً إسرائيلياً من النساء والأطفال دون سن التاسعة عشرة، مقابل 130 من الأسرى الفلسطينيين.
وحاولت قوات الاحتلال خلال أيام التهدئة منع النازحين الفلسطينيين الموجودين في جنوب قطاع غزة من العودة لتفقد منازلهم وممتلكاتهم التي طالها القصف، ولحق بها الدمار في وسط القطاع وشماله، أو حتى البحث عن أفراد عائلاتهم المفقودين.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار