الموت على الهواء.. “لا حصانة للصحفيين والمراسلين” في غزة
تشرين – يسرى المصري:
مع دخول الهدنة يومها الثالث مازالت إسرائيل تفرض حالة من التعتيم على ما يحدث في غزة لطمس الحقائق وهذا ما يدفعها لاستهداف الصحفيين.. فعلى الهواء مباشرة وأمام أعين الكاميرات وعلى مدار شهر ونصف الشهر كان يتم استهداف الصحفيين وعائلاتهم وترهيبهم ليكون المشهد مظلماً بلا أضواء ويتم قتل الأبرياء والأطفال بعيداً عن شهود العيان .
الصحفيون يواجهون في غزة مخاطر عالية، والاحتلال الهمجي يستهدف عين الحقيقة.. وحسب تقارير إعلامية للجنة حماية الصحفيين فإن العدوان الإسرائيلي قتل أكبر عدد من الصحفيين وسبّب “تعتيماً إعلامياً”.
وأمام هذه الجرائم لم يعد أصحاب الكلمة الحرة يشعرون بالأمان وهم يشاهدون زملاء لهم يُستهدفون رغم أنهم يرتدون شارات الصحفيين التي يفترض أنها تحميهم، حيث نرى في إحدى اللقطات أحد زملاء الشهيد محمد أبو حطب قد انفجر غضباً وخلع بزته الإعلامية على الهواء مباشرة وهو يقول “لا حماية دولية على الإطلاق ولا حصانة لأي شيء.. لا تحمينا هذه الدروع ولا القبعات.. إنها مجرد شعارات نرتديها فقط ولا تحمي أي صحفي على الإطلاق”.
وأضاف: “نحن هنا ضحايا على الهواء مباشرة، نفقد الأرواح واحداً تلو الآخر بلا أي ثمن.. نمضي شهداء فقط مع فرق التوقيت وننتظر الدور تباعاً.. زميلنا محمد أبو حطب كان هنا منذ نصف ساعة فقط وغادرنا الآن هو وزوجته وابنه وأخوه”.
وقبل ذلك كان الاحتلال الإسرائيلي قد استهدف عائلة المراسل الصحفي في غزة وائل الدحدوح ما أدى إلى استشهاد زوجته آمنة (أم حمزة) وابنه (محمود) البالغ من العمر 16 عاماً، وابنته (شام) ذات الستة أعوام، وكذلك حفيده (آدم) وهو رضيع قدم إلى الدنيا قبل 45 يوماً فقط.
وكانت منظمة «مراسلون بلا حدود» قالت مؤخراً: إن 66 صحفياً قتلوا منذ بداية العدوان الإسرائيلي، حيث استهدفت قوات الاحتلال الوحشية الصحفيين إلى جانب استهدافها المدنيين من النساء والأطفال، وذلك لوقف نقل حقيقة ما يحدث على الأرض من جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب.
وقالت لجنة حماية الصحفيين: إن هجوم الاحتلال الإسرائيلي على غزة أسفر عن (الشهر الأكثر دموية للصحفيين) منذ بدء الإحصائيات قبل أكثر من ثلاثة عقود، وتسبب بتعتيم إخباري في القطاع المحاصر، وفقاً لصحيفة “الغارديان” البريطانية.
وسجلت هيئة مراقبة الصحفيين مقتل 58 صحفياً منذ 7 تشرين الأول الماضي، وكانت اللجنة قد وصفت الشهر الأول من الحرب بأنه الشهر الأكثر فتكاً والذي عانى منه الصحفيون منذ عام 1992 قبل مقتل ستة صحفيين فلسطينيين آخرين في غزة خلال عطلة نهاية الأسبوع، كما قُتل خمسة صحفيين يوم السبت وحده، ما يجعله ثاني أكثر الأيام دموية في الحرب.
ووفقاً لآخر إحصائية للمكتب الإعلامي للحكومة في قطاع غزة، استشهد 66 صحفياً وصحفية حتى الآن.
كما أصدرت المنظمة الدولية للصحافة نداءً عاجلاً إلى (إسرائيل) وحلفائها الغربيين لإصلاح قواعد الاشتباك التي يطبقها الجيش «الإسرائيلي» لمنع استخدام القوة المميتة ضد الصحفيين الذين يحملون شارات صحفية.
وقال شريف منصور «لوكالات»، وهو منسق اللجنة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: إن العدد المتزايد من القتلى الإعلاميين، إلى جانب الانقطاعات المتعاقبة لشبكات الإنترنت والهاتف، وتشديد الرقابة، تفرض فعلياً تعتيماً إعلامياً على غزة، وهي منطقة ساحلية صغيرة لاتزال خاضعة للرقابة وموطن لحوالي 2.3 مليون فلسطيني. وأضاف: إن ذلك يعني ندرة المعلومات بالنسبة للسكان اليائسين لمعرفة مكان الحصول على الغذاء والوقود والمياه النظيفة.
ولفت منصور قائلاً: “لقد أصبحت تغطية الصراع أكثر خطورة بسبب المخاطر الهائلة التي يتعرض لها الصحفيون الفلسطينيون المحليون الموجودون على خط المواجهة وليس لديهم ملاذ آمن ولا مخرج.”
وأضاف: “كما رفض الجيش «الإسرائيلي» تحمل أي مسؤولية عن عمليات القتل، قائلاً للمؤسسات الإعلامية الدولية إنه لا يستطيع ضمان سلامة وسائل الإعلام أو موظفيها.”
وأضاف: “قلنا، خاصة بعد استهداف الجيش منشآت الاتصالات، إننا وصلنا إلى تعتيم إعلامي.. لدينا أيضاً مشكلات تتعلق بالرقابة والاعتداءات والاعتقالات في الضفة الغربية.”
وقال منصور: “إنهم في أمسّ الحاجة إليهم الآن، لكنهم أيضاً الأكثر ضعفاً”. ومن غير الواضح عدد الصحفيين الذين كانوا يغطون الصراع وقت وفاتهم. وأضاف منصور: إن لجنة حماية الصحفيين تحقق في كل حالة لمعرفة ما إذا كان الصحفيون قد وقعوا في مرمى النيران أثناء محاولتهم القيام بعملهم.
وقال منصور، مستشهداً بتقرير سابق للجنة حماية الصحفيين بعنوان “النمط المميت”، الذي ذكر أن 13 من أصل 20 صحفياً قتلوا في عام 2016 في شهر أيار الماضي، ما يفرض على الجيش (الإسرائيلي) أن يغير قواعد الاشتباك الخاصة به لوقف إطلاق العنان لاستخدام القوة المميتة بحق الصحفيين والمؤسسات الإعلامية”.
وأضاف: “لم نر أي مؤشر إلى أن هذا قد تم القيام به.. لذلك طالبنا هذه المرة أيضاً حلفاء (إسرائيل)، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبية أخرى، بالضغط عليها لوقف أي استخدام للقوة المميتة بحق الصحفيين.”
من جهة أخرى، اتهمت «مراسلون بلا حدود» (إسرائيل ) بتحويل غزة إلى “مقبرة للصحفيين” مع مقتل نحو عشرة منهم خلال ثلاثة أيام، كما حذرت المنظمة من وضع كارثي بسبب تجاهل (إسرائيل) دعوات حماية الصحفيين في حربها ضد حركة المقاومة الفلسطينية، محذرة من “استئصال الصحافة في غزة”.
وفي تصريحات لصحفيين في غزة قال نقيب الصحفيين في فلسطين: نعجز عن نقل المساعدات ومنها ملابس الوقاية الخاصة بالصحفيين إلى قطاع غزة بسبب الإجراءات الإسرائيلية.. فقد جمعت نقابة الصحفيين أكثر من 43 درعاً وخوذة لإدخالها للصحفيين في غزة”.
من جانبه، قال الصحفي خالد الخالد في مداخلة على البرنامج نفسه إنه يجب “تشكيل ضغط دولي على (إسرائيل) لوقف استهداف الصحفيين والحرب.. نسمع كل يوم إدانات سواء من «مراسلون بلا حدود» أو منظمات حماية الصحفيين أو الاتحاد الدولي للصحفيين، وقد رفعت منظمة «مراسلون بلا حدود» ثلاث شكاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق دولي، لكن حتى الآن لا توجد نتائج ملموسة.. هناك استهداف ممنهج للصحفيين وإرادة بألا تظهر حقيقة هذه الحرب أمام الإعلام”.