ماذا بعد قرار تسعير مبيع الأسمدة ؟.. المزارعون يتجهون نحو زراعة المحاصيل البقولية والعطرية.. والخاسر محصول القمح والاقتصاد المحلي
تشرين-محمد فرحة:
يذكر في الأمثال الشعبية أن المكتوب يُقرأ من عنوانه، فإذا كان العنوان الرئيس للموسم الزراعي القادم، يلفُّه الغموض وتردّد المزارعين، بعدما تم تحديد سعر طن السماد اليوريا بـ ٨ ملايين ليرة ، مترافقاً مع ارتفاع أجور فلاحة الدونم إلى أكثر من ١٢٥ ألف ليرة ، فهل من عنوان أصعب وأقسى على قلوب المزارعين من ذلك ؟
المزارعون يعشقون الأرض لدرجة القداسة ويصرّون على الزراعة، لكن للمحاصيل التي يرغبونها، تلك التي تحقق لهم ربحية وريعية، تتعدّى التكلفة، فهي، أي الزراعة، مصدر عيش حوالي ٢٥ و٣٠ % من عدد السكان لدينا.وهي في الوقت ذاته تشكل حوالي ٣٥ و٤٠ % اليوم من الدخل المحلي، وجلّ الاقتصاد السوري زراعي بامتياز. من هنا نرى ضرورة تعزيزه ودعمه والتركيز عليه عملياً وليس نظرياً.
يتساءل المزارع يونس معلا من قرية دير شميل في ريف حماة خلال حديثه لـ”تشرين”: كيف سنزرع القمح بمساحات كبيرة وسعر كيس سماد اليوريا ٤٠٠ ألف ليرة، وهو حاجة ولزوم دونمين، وفي أحسن الاحوال ثلاثة دونمات، وأي زيادة أو نقصان مؤثرة على إنتاج وحدة المساحة؟
في حين يذكر المزارع دانيال جوهر من بلدة كفر بهم : لأكثر من أسبوع، ونحن نراجع المصرف الزراعي من أجل التمويل والتسجيل على السماد، ولم نجد المعاملة الحسنة من العاملين في المصرف أبداً ، لنفاجأ بأن سعر طن سماد اليوريا بـ٨ ملايين ليرة، أي مقدار ٢٠ كيساً تقريباً، سعر الكيلو ٨٠٠٠ ليرة ، في حين يباع لدى التجار بـ١١ ألف ليرة، فنحن تحت نار الأسعار الملتهبة، ويبقى المصرف أرحم في ظل وضع كهذا.
وهنا يبرز السؤال الكبير إلى الواجهة، ومؤداه: كيف سيكون الإنتاج بلا أسمدة ؟.وكم سيكون سعر شراء طن القمح عند التسويق ؟
في الوقت الذي لا توجد فيه الرغبة الكافية لدى المزارعين لزراعة محصول القمح، لعدم قناعتهم بأن تسعيرة شراء المحصول ستكون مرضية، ومحاولة إقناعهم معضلة، وبالتالي مؤسف جداً أن جلّ الرغبة تتجه نحو زراعة البقوليات والزراعات العطرية مثل اليانسون والكمون و”حبة السودا” والكزبرة والشمرا. كل ذلك سيكون للأسف على حساب محصول القمح، وهذا ما يريده الموردون، ولا نريده.
غير أن من المهم جداً أن تكلّف مديريات الزراعة بدراسة تكلفة زراعة الدونم وحصاده وحجم كلفة مستلزماته، ليصار بعد ذلك إلى إعلان التسعيرة ، مع الإشارة إلى أهمية أن تؤخذ بعين الاعتبار كل المتغيرات السعرية منذ الآن وحتى جني المحصول.
عضو المكتب التنفيذي لقطاع الزراعة بحماة عبد الحميد العموري، أكد لـ”تشرين” أن عملية زراعة القمح البعل بدأت منذ منتصف هذا الشهر ، وقد تم توزيع ٥ ليترات مازوت لزوم فلاحة كل دونم ، وسوف يخصص لكل دونم عند سقاية المحصول ١٣ ليتراً ، في حين نتصور أن تسعيرة الشراء سيعاد النظر بها بكل تأكيد.
وفي معرض إجابته عن سؤال “تشرين” حول ارتفاع أسعار الأسمدة، أوضح العموري أنها مرتفعة حقيقة ، ومقابل ذلك يجب ألا يقل سعر شراء كيلو القمح عن الـ ٦ آلاف ليرة، فالقمح مصدر وجود رغيف خبزنا ، والكل يجب أن يحرص على ذلك.
بالمختصر المفيد : على الجهات المعنية من الآن أن تعمل لتوفير كل ما يحتاجه محصول القمح أولاً، وبقية المحاصيل ثانياً، لطالما لم يبقَ عندنا محصول استراتيجي غيره، فها محصول الشوندر هو قد خرج ،ومحصول القطن ينازع ، وها هي وزارة الاقتصاد توافق على استمرار استيراد القطن المحبوب لزوم الشركات الصناعية النسيجية ولمدة ستة أشهر قادمة .
وهذا يؤكد أن جلّ زراعاتنا بدأت تنحدر وتتراجع بشكل واضح رغم تخصيصها بالحيّز الأكبر من اعتمادات الموازنة. ومع ذلك لم ينعكس جليّاً على أرض الواقع، وما زال ميزان شراء الحبوب في تصاعد .