بايدن «مُنكسر القلب» تجاه الصور الواردة من غزة، التي تُظهر مقتل آلاف المدنيين بينهم أطفال، هذا ما قاله الرئيس الأميركي جو بايدن، فماذا علينا وعلى العالم أن يفعل لجبر قلبه؟ هل علينا وقف بثّ الصور؟ ربما لو استطاع بايدن وقفها لفعل ذلك، أو أن هذا البثّ مطلوب لزرع الرعب والترهيب، بهدف ترميم حالة الردع الإسرائيلية – الأميركية التي تهالكت بعد 7 تشرين الأول الماضي.
إذا كان بايدن منكسر القلب فليأمر بوقف المذبحة الإسرائيلية التي أطلقها بنفسه ضد غزة وأهلها، وليتراجع عن شيك الدم الذي منحه للكيان الإسرائيلي لممارسة أقصى مستويات الإجرام بحق أهل غزة، وليوقف إمدادات الأسلحة والمال لهذا الكيان.. وليتوقف عن منع إدانته، وعن محاصرة المجتمع الدولي بالتهديدات والضغوط والابتزاز حتى تأخذ العدالة الدولية مجراها.. وليسحب أساطيله ويفتح باباً للسلام، ولدولة فلسطينية يقول إنها «مُستحقة للشعب الفلسطيني».. فإذا كانت مستحقة فليدع الفلسطينيين يؤسسون دولتهم كما يريدون ويقررون وليس كما يريد الكيان الإسرائيلي، ومن خلفه الولايات المتحدة التي تريد هندسة المنطقة من جديد، وفق قواعد نفوذ جديدة، ووجدت ضالتها بغزة.
لكن بايدن لن يفعل، كما لم يفعل أسلافه من قبله، هو يعترف بمقتل آلاف المدنيين من أهل غزة، ويقول بلسانه: مدنيون، أطفال ونساء، وحتى المرضى لم يسلموا بعدما حوّل الكيان الإسرائيلي مستشفيات غزة إلى «مناطق موت»، وفق منظمة الصحة العالمية، إذا كان كل الضحايا الذين قارب عددهم الـ13 ألفاً مع عشرات آلاف المصابين، وعداد الدم ما زال مستمراً.. إذا كانوا كلهم مدنيين باعتراف بايدن، فإن يديّ بايدن ملطختان بدمائهم كما هي أيدي الإسرائيلي، ألا يشكل اعتراف بايدن وثيقة إثبات تدينه وتفتح باباً لمحاسبته أمام العدالة الدولية؟.. كيف يمكن لمن أصبحت يداه ملطختين بدماء آلاف الضحايا الأبرياء أن يقف أمام أهل غزة وأمام العالم ويتحدث عن السلام وعن صنع السلام؟
بايدن، ربما هو خائب وغاضب، أكثر منه منكسر القلب، فرغم وقوف «القوة الأميركية العظمى» خلف الكيان الإسرائيلي، وبعد شهر ونصف الشهر تقريباً من عدوانه الوحشي على غزة، لم يحقق أي تقدم يذكر، وهو لا يستطيع بالمطلق القول إنه حقق شيئاً، بإمكانه الاستمرار في هدم غزة فوق رؤوس أهلها، لكن أي أحد لا يستطيع وصف ذلك الفعل إلا بالجريمة الوحشية، كما لا يستطيع وصف الولايات المتحدة إلا بأنها تدعم كياناً مجرماً، وتسعى من ورائه إلى الاحتفاظ بسيطرتها ونفوذها ولو على بحر من دماء الأبرياء في غزة، وقبلها في دول أخرى في منطقتنا، ويكفينا هنا أن نتحدث فقط عن بداية هذه الألفية وحتى الآن، لنحصي كمَّ الدماء البريئة التي هدرتها الولايات المتحدة في سبيل ذلك الهدف.. وهي مستمرة مادام لم يتحقق.
عندما يقول بايدن:«ينبغي ألا يكون هدفنا وقف الحرب الآن، بل وقفها إلى الأبد، وبناء شيء أقوى في غزة وفي كل أنحاء الشرق الأوسط، حتى لا يكرر التاريخ نفسه»، فإن هذا القول يصب تماماً باتجاه العمل على إنهاء كل وجود للشعب الفلسطيني، وهو ما يفعله الكيان الإسرائيلي، وليس بهدف تحقيق دولة للفلسطينيين، كما يزعم بايدن، أما بناء شيء أقوى في غزة والمنطقة فهذا يعني أمراً واحداً فقط بالنسبة لأميركا وهو أن كل المنطقة يجب أن تبقى تحت نفوذها.. أما غير ذلك فلا شيء سوى الحرب والدمار، والكرة في ملعب المنطقة، فإما الحرب وإما النفوذ الأميركي.. هذا ما يريد بايدن قوله، وهو غير خافٍ على أحد، باستثناء أن أميركا- على لسان بايدن- تقوله هذه المرة بصورة فاقعة في العلنية والمباشرة، وليس في الكواليس والغرف المغلقة.
مها سلطان
53 المشاركات