ملف «تشرين».. «الممر الهندي» قبل وبعد «حرب غزة».. المنطقة والعالم أمام حروب جديدة على الطاقة والجغرافيا الواعدة

تشرين – هبا علي أحمد:
في 22 أيلول الماضي خلال الدورة الـ 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة روّج رئيس وزراء كيان الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو لرؤيته لما يُسمى «الشرق الأوسط الجديد» عبر عرض خريطة «تلغي» وجود فلسطين، على حساب اتساع الكيان الصهيوني ليشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة.. قبلها بعشرة أيام خلال قمة العشرين التي عُقدت في العاصمة الهندية نيودلهي، أعلن عن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (سنأتي على ذكره بالتفصيل لاحقاً) ومع بداية العدوان الإسرائيلي على غزة ظهر الحديث عن قناة «بن غورين» لتشكل بديلاً عن قناة السويس فيما بعد.
صياغة جديدة
الهدف الأساس مما سبق ذكره إعادة تشكيل المنطقة مع السيطرة العالمية الاقتصادية إذا أخذنا بالاعتبار موضوع التحكم بمسارات الطاقة تبعاً للمخططات الصهيوينة- الأمريكية والغربية معاً على المستويين السياسي والاقتصادي على وجه الخصوص، وهذا يقودنا إلى أن العدوان الإسرائيلي على غزة ليس إلّا شارة البداية والشرارة الأولى التي يُعمد من خلالها الانطلاق إلى وضع هذه المشاريع موضع تنفيذ وهذا ما يفسر إطالة أمد العدوان رغم أن العدو الصهيوني لم يحصد أي مكاسب أو إنجازات تُذكر، ورغم أن «القلق» الأمريكي بدأ يتفاقم تبعاً لاعتبارات داخلية وانتخابية..

الهدف الأساس إعادة تشكيل المنطقة مع السيطرة العالمية الاقتصادية إذا أخذنا بالاعتبار موضوع التحكم بمسارات الطاقة

وهذا يقودنا أيضاً إلى أن ما بعد غزة والسيناريوهات المرتقبة هي ليست إقليمية فحسب بقدر ما هي إقليمية وعالمية، ولا سيما أن الاصطفافات الدولية الراهنة واضحة جداً.
تهجير
وحسب المعلومات فإن خريطة نتنياهو تقضي بتهجير فلسطينيي غزّة إلى سيناء، وفلسطينيي الضفة الغربية إلى الأردن، ما يعني أنّ في الأمر، ليس تجاوزاً لموقع الأردن ومكانة مصر الإقليمية فحسب، وإنّما تصفية للقضية الفلسطينية على حسابهما وحساب الحقوق الفلسطينية معاً، والتي تزامنت مع الإعلان عن الممر الاقتصادي الهندي الذي بيّنت مساراته البحرية والبرية استثناءه لمصر وتركيا، وهو ما يتطابق مع الرؤية الأمريكية كما رسمها مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان بعدما تحدّث جو بايدن عن «الشرق الأوسط»، والذي نظّر له سابقاً رئيس كيان الاحتلال سابقاً شيمون بيريز.
تنازع عالمي
مع بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، حاولت كل من الولايات المتحدة و«إسرائيل» ومعهما الدول الغربية الداعمة للكيان استغلال الظرف واللحظة بما يمكن أن يُعيد التوازن للولايات المتحدة والغرب في المنطقة بعدما تراجع دورها لمصلحة الصين وروسيا وإيران وغيرها من الدول مع ما يشكله ذلك من تهديد من وجهة نظر واشنطن على استحواذها وسيطرتها على خطوط الطاقة والممرات الإستراتيجية على نحوٍ خاص، ولا سيما مع وجود مشاريع لا تتطابق والرؤية الأمريكية بل من شأنها أن تحل محلها تماماً كمبادرة «الحزام والطريق» الصينية، وللتمهيد للمواجهة وإعادة التوازن لا بد من حدث مفصلي يغيّر من وجه المنطقة والذي بدوره سيغير من مناطق النفوذ والسيطرة دون حساب أي نتائج حول إن كان هذا الحدث ستميل مفرزاته للمعسكر الأمريكي أو المعسكر المقابل إقليمياً ودولياً.. من هنا فإن العدوان على غزة سواء كان مخططاً له أم لا هو أنسب لحظة لتغيير قواعد اللعبة في غرب آسيا والعالم عبر الممر الهندي المُقرر.
تكلفة
تكلفة الممر الهندي لم يُعلن عنها بعد، لكن قد تخصص الدول الشريكة في المشروع ما يقدر بنحو 20 مليار دولار، ويتكوّن الممر من ثلاثة ممرات أو مسارات منفصلة ومتكاملة في الوقت نفسه، الممر الأول: شرقي، يستهدف تشييد خط بحري يبدأ من الموانئ الهندية وينتهي عند ميناء “جبل علي” في دولة الإمارات العربية، والممر الثاني:

الممر الهندي إستراتيجية أمريكية للحد من النفوذ الصيني في منطقة الشرق الأوسط الذي تعدها واشنطن منطقة نفوذ خالصة لها

جنوبي، يستهدف تشييد خط سكة حديد يمتد من دولة الإمارات إلى ميناء حيفا المطل على البحر المتوسط، مخترقاً أراضي كل من السعودية والأردن و”إسرائيل”، والممر الثالث: شمالي، ويستهدف تشييد خط بحري يربط بين “إسرائيل” والدول الأوروبية.
أهداف
ويهدف هذا المشروع إلى إنشاء خطوط للسكك الحديدية وربطها بالموانئ البحرية، من أجل تدعيم عملية التبادل التجاري، ونقل الكهرباء والهيدروجين النظيف، والنقل الرقمي للمعلومات عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية.

الممر الهندي غايته الأساس الإضرار بمصالح المنطقة كما أنه يدخل في الأساس في سياق الصراع العالمي على النفوذ والمصالح

ولتوسيع دائرة الرؤية، فإن المشروع الهندي غايته الأساس الإضرار بمصالح المنطقة كما أنه يدخل في الأساس في سياق صراع النفوذ والمصالح وهو بالدرجة الأولى يُعد موجهاً لمحاصرة ومنافسة المبادرة الصينية مع استغلال عامل الخلاف الصيني الهندي، وبالتالي لا يُخفى العامل السياسي خلف إنشاء الممر الذي يُنظر إليه بمثابة إستراتيجية أمريكية للحد من النفوذ الصيني في منطقة الشرق الأوسط الذي تعدها واشنطن منطقة نفوذ خالصة لها.
نفوذ
ويرى محللون في الشأن أن واشنطن تعمد من خلال الممر الهندي إلى تقليص النفوذ الصيني والروسي في منطقة الخليج الغنية بموارد الطاقة، في مقابل زيادة النفوذ التجاري والسياسي لكل من الهند وأوروبا مع دول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب عرقلة النمو الصيني على وجه الخصوص وذلك بالعمل على إيجاد مشروعات منافسة لمشروع «الحزام والطريق»، مع عرقلة مشروعات إيران الإستراتيجية الرامية إلى تزويد أوروبا بالنفط والغاز عبر خطوط نقل تمتد من أراضيها حتى شواطئ البحر المتوسط، مروراً بالعراق وسورية ولبنان، ناهيك عن تعميق التطبيع بين بعض الدول العربية و«إسرائيل».
مسار
الممر المذكور سيمتدّ عبر ممر ضيق بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ولن يبعد سوى 25 كم عن القطاع وهذا يتطلب من وجهة نظر أمريكية- إسرائيلية إلغاء أي وجود فلسطيني في القطاع وفي مرحلة لاحقة في الضفة الغربية وصولاً إلى «السيطرة الإسرائيلية» الكاملة والاستفادة الخالصة من الممر الذي تجاهل كل الموانئ على المتوسط، واختار ميناء حيفا كنهاية للممر البري الذي يعبر «الإمارات والسعودية والأردن»، وبداية للخط البحري المتجه إلى أوروبا، وهذا يقود إلى الهدف الأمريكي المتمثل بجعل «إسرائيل قائدة» في المنطقة العربية، وأكد نتنياهو إن المشروع سيغيّر وجه الشرق الأوسط ووجه «إسرائيل»، وسيؤثّر في العالم بأسره.
إلى جانب ما سبق ذكره، تعد مصر أكبر الخاسرين من الممر الاقتصادي الجديد، فحركة النقل في قناة السويس ستتأثر سلباً، فالمؤكد أن حجم البضائع التي سينقلها الممر الهندي ستكون من رصيد قناة السويس، التي باتت أحد أهم مصادر الدخل لمصر، حيث تؤمن ما قيمته 9 مليارات دولار، ويعتمد الاقتصاد المصري بدرجة كبيرة على هذه العائدات، في ظل تراجع العناصر الاقتصادية الأخرى في رفد الميزانيات، وفي وقت يعاني فيه من ارتفاع معدلات التضخم ونقص العملة الأجنبية.
ضبابية
في المقابل هناك تشكيك من أن يؤثر الممر الهندي على قناة السويس، في حين لم يرق المشروع لتركيا، التي تسعى إلى تجميع غاز شرق المتوسّط، ومن ثم ضخّه إلى أوروبا وهو ما دفعها للمضي قدماً في مشروع طريق التنمية الذي يخطّط العراق لإنجازه بالتعاون مع تركيا ودول المنطقة.

دائرة التصعيد قائمة والانفجار وارد في أي لحظة في ظل حرب المصالح والنفوذ والأهم حرب السيطرة على ممرات الطاقة

في المقلب الآخر، يستبعد الخبير الروسي ألكسندر نازاروف أن يستطيع الممر الهندي منافسة ممرات الشحن التقليدية عبر البحر مثل قناة السويس، مستنداً على ذلك بقوله: الاضطرار إلى تفريغ وتحميل البضائع مرتين يجعل هذا المشروع أكثر تكلفة وأبطأ من الطريق البحري. بالإضافة إلى ذلك، فإن الصراع العسكري المحتمل بين الولايات المتحدة والصين سيحدث في المقام الأول في البحر، ما يعني القيام بعمل عسكري ضد اتصالات العدو، وهذا يعني أن التجارة البحرية ستصبح محفوفة بالمخاطر للغاية، مضيفاً: سيتم إحياء طريق الحرير العظيم من جديد عبر الأراضي البرية لأوراسيا، في حين ستشهد التجارة البحرية انخفاضاً كبيراً، على الأقل في المحيطين الهادئ والهندي.. كل هذا يلقي بظلال من الشك على آفاق المشروع.
البرزخ الصعب
الشك بنجاح المشروع وديمومته عززته عمليات المقاومة منذ السابع من تشرين الأول الماضي، ولا سيما أن تلك العمليات قدمت ميناء حيفا كميناء غير آمن إلى جانب أن إلغاء عدد كبير من الرحلات الجوية وعمليات النقل في جميع أنحاء الأراضي المحتلة، دفعت العديد من المستثمرين إلى إعادة التفكير في المشروع، كما تحدثت مصادر إعلامية أن العدوان على غزة عقد تنفيذ فكرة واشنطن لمحاصرة النفوذ الصيني في الخليج، عبر الممر التجاري الهندي وأعاق إعادة تشكيل التدفقات التجارية والمالية في المنطقة العربية.
أخطر ما في الأمر أن واشنطن تثير الحروب والصراعات والتي يذهب ضحيتها آلاف الأبرياء، والأخطر أن تكون غزة هي البداية فقط ولاسيما أن واشنطن لن تستسلم بسهولة حتى وإن انتهت هذه الجولة إلى تسوية ما بطريقة ما، لكن دائرة التصعيد قائمة والانفجار وارد في أي لحظة في ظل حرب المصالح والنفوذ والأهم حرب السيطرة على ممرات الطاقة.

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. غزة تقلب الطاولة على المخططات الأميركية- الإسرائيلية.. أول ضربة استباقية على جبهة حرب الطاقة في مياه المتوسط؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار