كاتم صوت

كل جريمة مُدانة رغم أن الجرائم معقدة بلا حدود ورغم أن لها تصانيف ودرجات تتناسل وتتعدد تحت إزهاق الأرواح!
هناك مجرم بالمطلق؟ نعم! هناك مجرمٌ كأنه خُلق لارتكاب الجرائم بلا توقف، متمرداً على قاعدةٍ وضعها بعضُ علماء النفس، تدّعي أن في الكائن البشري، أيّاً كان بذرةَ خير كامنة يمكن تنميتها، فأيُّ بذرةٍ في الصهيونيّ يمكن أن يورق منها برعمٌ إنسانيٌّ أخضر؟
القتل هو القتل، فرداً وجماعة، لكن المشاعر تهيج أكثر في المذابح، والصهيوني تقوده عقيدةٌ في الفكر والوجود: أنت لا تحيا ولا تتنفّس إلا إذا أرَقْتَ دماء الآخرين (الآخرون في عقيدتهم هم الأغيار) وعجزت الأدبيات اللطيفة التي ابتدعها الغرب الاستعماري من مساواة وحقوق إنسان وحماية الأقليات عن الدخول في الخطاب الصهيوني ولو من باب الرياء، بحيث خرجوا إلى العلن يصفون العربي بالحيوان ويقتلون الطفل لأنه “صلُّ” أفعى ويجتاحون المشافي في انفرادٍ عن كل جيوش العالم لقتل المرضى والذريعة غير مهمة، لأن القتل واجب وحقٌّ!
في فنّ الجريمة الذي أتقنوه تاريخياً خاصة في تحميله الروايات المتظلمة، كانوا يعتمدون الظلام الواقعي والافتراضي! ففي ليلٍ ارتكبوا مجزرة كفر قاسم ودير ياسين والطنطورة وصبرا وشاتيلا، والناس خارج هذه الأمكنة نيام، وأخبار الضحايا صارت مثلهم، دخلت الماضي بفعل كان وهذا الفعل يحوطه الغموض والالتباس، عدا أن الواقع تجاوزهم هذه المرة وهم يرتكبون جرائمهم إذ باتت كاميرات التصوير أكثر بكثير من كاميرات محطاتهم التلفزيونية التي كانت تضبط إيقاعها حسب رواياتهم، لذلك خرجت القصص من أيديهم، ولم تعد الضحية آمنة تُقتل وهي صامتة لا حول لها ولا قوة، رغم أن أذرعهم الأخطبوطية امتدت إلى كل وسائل التواصل الاجتماعي، وإلى أصحاب هذه الوسائل، وجعلت عليها هي الأخرى حروباً طاحنة لكنها لم تعطها شعوراً بالنصر الكامل كما كانت في الماضي الممتد من أواسط القرن العشرين، حتى انتبهت إلى محطة عربية تبث الأخبار دون لكنة عبرية فانقضت عليها لتكتم صوتها نهائياً! هنا تلاشت قيمة الصحافة التي يمجدها الغرب الاستعماري! هنا لا حقوق إنسان ولا احترام “النوع” ولا حق الصرخة بكلمة “آخ” لحظة يُردى البريء تحت الأنقاض، ويدفن هناك لعدم وجود معْوَل فكيف بجرّافة!
هي تجربة عشناها مع محطة مقاومة تم إنزالها عن كل الأقمار الصناعية ولوحقت رموزُها ومفرداتُها على كل منصات التواصل الاجتماعي لكنها باءت عندهم بخُفَّيْ حنين، أما أسوأ مفاعيلُها ف”مثقف” مازال يتغنى بالحضارة والأنوار التي نشروها في العالم ونحن دونها ونحلم بها!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار