ملف «تشرين».. تراجع التنوّع الحيوي النباتي والحيواني.. الصيد البري يؤدي لاختفاء العشرات من الحيوانات والطيور.. وما تم إنجازه من أبحاث غير كافٍ
تشرين- صفاء إسماعيل:
أمام تراجع التنوّع الحيوي النباتي والحيواني، وانقراض أنواع عدة من الحيوانات التي كانت تعيش في غابات اللاذقية،لا يزال الصيد، منذ سنوات طويلة وحتى اليوم، هو المتّهم الرئيس وراء انقراض العشرات من الحيوانات والطيور، وتهديد أنواع أخرى عدة بالانقراض الذي بات قاب قوسين أو أدنى، إن لم يُلجم الصيادون ومن لفّ لفّهم من هواة وتجار، لصيد جميع الأنواع الحيوانية بغضّ النظر عن نوعها وأهميتها، طالما أنها تصلح للتجارة بها سواء حيّة أو محنّطة.
وضع حرج
مدير زراعة اللاذقية المهندس باسم دوبا بيّن لـ”تشرين” أن اللاذقية تتمتع بغناها وتنوعها الحيوي النباتي والحيواني، وبالرغم من هذا الغنى، إلا أن الوضع الراهن لهذا التنوع بشكل عام حرج، ليس في اللاذقية وحدها وإنما في سورية عامة، ويتجلّى بتدهور واندثار بعض النظم البيئية، وخاصة الحراجية منها، وتقلّصِ رقعة انتشار بعض النباتات البرية أو اختفائها، وكذلك انخفاض كثافة بعض الحيوانات البرية أو اختفاؤها.
خبير بيئي: قانون الصيد 14 نقطة انطلاق للحفاظ على ما تبقّى من الحياة البرية
وأضاف دوبا: تمت خسارة الكثير من خدمات النظم البيئية أو جزء منها في فترات سابقة وخلال الحرب التي مرّت بها البلاد، ومنها على سبيل المثال مساحات كبيرة من غابات محمية الفرنلق، وهي خسارات غير ممكنة التعويض فعلياً ولم يتم تقدير هذه الخسائر اقتصادياً، إضافة إلى انقراض عدد كبير من الأنواع النباتية والحيوانية التي بحاجة إلى فرصة لدراسة عوائدها الممكنة.
وأشار دوبا إلى وجود محميات، يتم العمل بشكل خاص على حماية الأنواع النباتية والحيوانية الموجودة فيها وصيانة موائلها، وهي محمية الفرنلق، الشوح والأرز ، رأس البسيط، أم الطيور، سولاس، مدلّلاً بأنه سجّل في محمية الفرنلق وجود 18 نوعاً من الثدييات، 63 نوعاً من الطيور، 22 نوعاً من الزواحف والبرمائيات، 4 أنواع من الضفادع، كما سُجّلت في محمية الشوح والأرز أنواع مختلفة من الحيوانات من مختلف صنوف الفقاريات والثدييات، منها الذئب والثعلب والضبع والأرنب البري والغزال الجبلي والأيل الأسمر، إضافة إلى الخنزير البري وفأر الغابات والخلد والقنفذ وأنواع أخرى عديدة،لافتاً إلى أن محمية الشوح كانت موئلاً للعديد من الأنواع التي واجهت الانقراض كالنمر السوري والدب البني السوري.
وشدّد على إنشاء المزيــد من المحميــات الطبيعيــة والرعويــة حمــايــة للأنواع النبــاتيــة والحيوانيــة، والأنواع المهددة بالانقراض والمتوطّنة، وكذلك الأنواع ذات القيمة الاقتصــــادية أو البيئية أو الثقافية الخاصــــة. ويتمثـل دورهـا بعودة الأنواع التي كـانـت موجودة فيهـا سابقاً إلى حـالتهـا الطبيعيـة، وبقاء المحميات كبنوك وراثية ومنقذ للنظم البيئية الهشّــة أو التي تتعرض لكوارث طبيعية أو اصـــطناعية، ويكون لهذه المحميات دور مهم في تيســــــير البحث العلمي بهدف حماية الأنواع وضــــــمان تكاثرها، كما توفر دخلاً للســــــكان المقيمين، لذلك يقترح زيادة أعداد المحميات بكل أنماطها.
دوبا: إنشاء المزيد من المحميات الطبيعيــة لحماية الأنواع الحيوانية المتوطّنة والمهدّدة بالانقراض وضــــــمان تكاثرها
وأوضح دوبا أن الصيد البري خلال العقود الماضية أدى إلى اختفاء العشرات من الحيوانات والطيور.
ولذلك فإن تعيين الأنواع المهددة في بلادنا وجمع البيانات الدقيقة حولها، وتوفير المعلومات الأساسية عنها، يعدّ من الأمور المهمة التي لا غنى عنها لمخطّطي برامج الحماية وأصحاب القرار، وذلك من أجل تحديد الأولويات، والقيام بما يلزم لحفظ الحياة البرية وحمايتها.
ودلّل دوبا بسبعة أنواع حيوانية مهددة بالانقراض في سورية، وفقاً للقائمة الحمراء الصادرة عن الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة “IUCN” لعام 2013 ومازالت أعداد قليلة منها تشاهد في سورية، وهي: الفقمة الناسكة، أبو منجل الأصلع، القطقاط الاجتماعي، سمك Anguillicola crassus،القرشSquatina squatina المهدد على مستوى عالمي، والقشري باليمونتس، والرعاش الصغير السوري،إضافة إلى أنواع أخرى مهددة من: الثدييات، الطيور،الزواحف، إذ توجد خمسة أنواع مهددة في سورية بسبب الإفراط في استخدامها في التجارة وهي: السلحفاة الإفريقية، والسلحفاة مخططة الرقبة، الحرباء، والضبّ المصري، وأنواع من البرمائيات كسمندل الماء، السلمندر، الحظ الناري.
وأضاف: تعدّ الفقمة الناسكة المتوسطية أحد الحيوانات المهددة بالانقراض، مازالت ترتاد الشاطئ السوري. مع العلم أنه يتوقع أن يكون في سورية فقط 2 أو 3 فقمات. ويعد هذا الحيوان البحري من أندر الأحياء البحرية والمهددة بالانقراض ويعدّ من النادر مشاهدتها على الشاطىء السوري، وقد سجّل نفوق عينة نادرة منها على الساحل السوري عام 2013.
ولفت دوبا إلى أن هناك أنواعاً عدة من الطيور، منها المهاجر والعابر والمقيم والزائر، إضافة إلى بعض الأنواع الشاردة أو المجبرة على تغيير مسارها واللجوء إلى الأراضي السورية أحياناً بسبب التبدلات المناخية، مشيراً إلى تعرض الكثير من مجتمعات الطيور المهددة بالانقراض خلال فترة الهجرة الموسمية إلى المخاطر، فزيادة نشاطات الصيد غير القانوني، إضافة إلى تدهور الموائل، والاصطدام والصعق الكهربائي، والتسمم، والتلوث، والتطور في قطاع الطاقة غير المدروس، إضافة للضعف في إدارة النفايات، وتكثيف الزراعة غير المنظمة التي تؤدي إلى تدهور البيئات والموائل، أو للموت المباشر أو غير المباشر من خلال المبيدات الزراعية، كل ذلك أدى إلى زيادة نفوق هذه الطيور وتناقص مجتمعاتها، مؤكداً أن الصيد يعد من أهم هذه المخاطر في دول الشرق الأوسط، وبعض الدول الإفريقية، إذ يرتكز هذا النشاط على إرث ثقافي واجتماعي كبير إضافة لممارسته من أجل التجارة بالأنواع الحية أو المحنّطة.
وحسب دوبا، تتجلى أهم الصعوبات ونقاط الضعف التي تواجه الحفاظ على الحياة البرية وتنفيذ الاتفاقيات المتعلقة بها، بعدم تكامل التنسيق بين الجهات المعنية، نقص الأبحاث المتعلقة بالحياة البرية، وإن ما تم إنجازه غير كافٍ أمام الحاجة الكبيرة إلى سدّ الثغرة المعرفية المتعلقة بالأنواع السورية، ضرورة تحديث قاعدة البيانات والمعلومات المتعلقة بالأنواع المحلية، نقص الدراسات المرتبطة بالقيمة والأهمية الاقتصادية للتنوع الحيوي البري، النقص في الأطر الفنية العلمية المختصة والمدربة، نقص الكوادر المختصة في إجراء دراسات تقييم الأثر البيئي للمشاريع التنموية على التنوع الحيوي ومكوناته، عدم توفر الموازنات المالية الوطنية والدولية الكافية المخصصة لإدارة مكونات التنوع الحيوي،عدم وجود معشبة نباتية وطنية وموسوعة نباتية وحيوانية ومتحف تاريخ طبيعي، نقص التشريعات الخاصة بالأنواع، وخاصة الموطّنة والمهددة، ضعف تنفيذ التشريعات المتوفرة اللازمة لحمايتها والحاجة إلى تحديثها وفقاً للمعطيات المتجددة، الحاجة إلى تحديث الإستراتيجية الوطنية وخطة عمل حماية التنوع الحيوي وتوافقها مع الظروف والاعتبارات المتجددة يومياً.
الحاجة ماسة لدراسات علمية على أرض الواقع
من جانبه أكد الخبير في الحياة البرية المهندس أحمد أيدك في حديث لـ”تشرين” أن الأبحاث والدراسات العلمية المنشورة وغير المنشورة التي أعدّها على مدى ما يزيد على عشرين عاماً، بيّنت أن سورية من أغنى دول الشام والخليج العربي في التنوع الحيوي الحيواني، فأنواع الثدييات والطيور والأفاعي والبرمائيات والسلاحف أكثر من جميع دول المنطقة.
أيدك: الكثير من الطيور المستوطنة تواجه خطر الانقراض
وحسب أيدك، تتميز كل منطقة سورية بتنوع بيئي خاص بها عموماً، والمنطقة الساحلية ليست استثناءً بالطبع، فوجود تلك المنطقة على حوض المتوسط وتميزها بتضاريسها الخاصة أعطتها بيئة مميزة عن بقية المناطق السورية، فالكثير من الأنواع الحيوانية توجد فيها دوناً عن بقية المناطق، مؤكداً أن التعدّي على هذه البيئة خلال السنوات والعقود السابقة، أدى إلى تراجع كبير في تنوعها الحيوي، فالكثير من الأنواع التي ذكرها الباحثون قديماً حتى بدايات القرن التاسع عشر لم تعد موجودة، عازياً السبب وراء ذلك إلى الصيد الذي يفتك بالكائنات الضعيفة التي لا تستطيع مقاومة بنادق الصيادين وآلياتهم، مضيفاً: في الوقت الذي تقوم به دول العالم بصرف مبالغ مالية كبيرة للحفاظ على الحياة البرية، يقوم الصيادون في سورية بصرف مبالغ كبيرة أيضاً في إبادة كل ما يمشي ويطير.
وبيّن أيدك أن الصيد الجائر خلال العقود السابقة أدى إلى انقراض بعض الأنواع في اللاذقية ومحيطها، مدللاً بانقراض الدب البني السوري ، الغزال الجبلي، النمر الأناضولي، والكثير من الأنواع الأخرى تواجه حالياً خطر الانقراض كغزال اليحمور الرائع الجمال الذي يزيّن غاباتنا، والمفترسات الكبيرة ليست استثناءً كالضبع المخطط السوري، والذئب .
وأضاف: أدى تدمير الموائل الطبيعية إلى تناقص كبير في أعداد حيوانات ابن آوى الذهبي السوري، وأنواع أخرى يتم الإمساك بها حية لبيعها في الأسواق المحلية كالسنجاب السوري الذي تناقصت أعداده بشكل كبير جداً خلال السنوات الماضية، وابن عرس المخطط السوري وغيرها.
وفيما يتعلق بالطيور، أوضح أيدك أنها تأثرت أيضاً بشكل كبير نتيجة الصيد، حيث يواجه الكثير من الطيور المستوطنة المقيمة حالياً خطر الانقراض أهمها طائر الحسون الأوروبي الذي لم يعد يُرَ إلا نادراً ، ونقار الخشب السوري، الحجل الشائع (الشنار)، أما بالنسبة للطيور المهاجرة فهي تتعرض لعملية إبادة خلال مرورها في الساحل، فالقليل جداً منها يكمل عبور خط الهجرة سواءً خلال الهجرة الربيعية أم الخريفية، وخاصة مع استعمال طرق الصيد المحرمة دولياً كـ”الدبق” والشباك وغيرها.
مشيراً إلى أن أعداد الطيور التي يتم قتلها سنوياً في سورية قدّرت بحوالي خمسة ملايين طائر في تقرير رسمي صادر عن الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة BIRDLIFE عام 2015، وأردف: الكثير من تلك الطيور المهاجرة مهددة عالمياً بالانقراض، بدءاً بالطيور الجارحة، وطيور الترغل ، طيور السمّان ، أنواع القبّرات، العصافير المغردة، أنواع الحساسين والدرسات، وغيرها الكثير التي لا تعدّ ولا تحصى.
أما فيما يخص الزواحف، فبيّن أيدك أن سلحفاة بلاد الرافدين أو ما تسمى سلحفاة بلاد الشام والمهددة عالمياً بالانقراض، تعدّ مهددة جداً في سورية أكثر من بقية مناطق العالم، فقد أصبحت تجارة رائجة جداً حالياً في سورية، حيث يتم جمع صغار تلك السلاحف بأعداد كبيرة جداً لبيعها في الأسواق المحلية أو لتهريبها إلى دول الجوار إلى لبنان والأردن والعراق، ثم تأخذ طريقها من هناك إلى دول شرق آسيا لاستهلاكها كطعام.
وأكد أيدك أنه في الوقت الذي طوّرت فيه جميع دول العالم، بما فيها الدول العربية، قوانين صارمة جداً لمنع الصيد والاتجار بالكائنات الحية، بقيت سورية الدولة الوحيدة التي تعمل على قانون قديم جداً وغير مطبّق على أرض الواقع, مشدداً على أن صدور قانون الصيد الجديد رقم /14/ لعام 2023 سيكون بمنزلة نقطة انطلاق للحفاظ على ما تبقى من الحياة البرية السورية بكل أشكالها.
وبرأيه، من المهم جداً عند وضع التعليمات التنفيذية للقانون أن يتم الأخذ بالحسبان حالة كل نوع يتم السماح بصيده أم لا، وموسم صيده، والأعداد المسموح بصيدها بناء على دراسات حقيقية عن وضع هذا النوع في سورية، مضيفاً: لا يتم ذلك إلا من خلال استشارة المختصين والخبراء في الحياة البرية، فاللجان الإدارية مع احترامنا وتقديرنا لهم ولجهودهم لا يمتلكون الخبرة العلمية في أنواع الأحياء البرية وما هو مهدد منها وما هو مسموح بصيده أم لا ضمن الظروف السورية.
وأوضح أيدك أن تطبيق قانون الصيد الجديد وتعليماته التنفيذية بجدية وصرامة، مع متابعة ومعاقبة المخالفين وعدم التساهل أو التسامح مع أحد، سيؤدي إلى الحفاظ على ما تبقّى من الحياة البرية السورية الآخذة في التدهور، وتابع: كما أن المناطق السورية كلها بحاجة ماسة لدراسات علمية من أرض الواقع عن الحياة البرية من حيث الأنواع المهددة محلياً ودولياً وأعدادها وغير ذلك، فجميع التقارير الصادرة عن الجهات الحكومية المختصة تحتوي على الكثير من الأخطاء العلمية الفادحة من حيث الأنواع الموجودة وغيرها من التفاصيل الأخرى، مشدداً على الحاجة بصورة ملحة إلى إنشاء محميات بيئية يتم إنشاؤها على أسس علمية حقيقية ومن أرض الواقع يقوم بها المختصون بذلك، فتلك المحميات هي أساس المحافظة على الأحياء البرية بكافة أشكالها.
مضيفاً : أثمرت المقترحات التي تقدم بها عام 2017 لتحسين المسودة الأساسية لقانون الصيد وتعليماته التنفيذية الموضوعة مسبقاً، والتي أدرجت أغلبيتها في القانون الجديد إلى تحسين القانون بشكل كبير، وأتمنى أن يتم الأخذ بمقترحاتي حين إصدار التعليمات التنفيذية للقانون الجديد، لكونها أساسية فيه ولا يمكن التغاضي عنها.
اقرأ ايضاً: