من يستحق الدعم.. القطاع الناجح أم المنتج الناجح.. أم ندعم المدخلات أو المخرجات؟

تشرين – رشا عيسى:
يبقى الإنتاج طوق النجاة من الصعوبات الاقتصادية الحالية التي تواجه الاقتصاد الوطني، وكل عمل يفضي إلى إنتاج يستحق الدعم انطلاقاً من المنتج الأنشط، والذي يلبي حاجة السوق المحلية، ليكون  توجيه الدعم نحو مدخلات الإنتاج ضرورة يؤكدها الخبراء، مستندين إلى قاعدة بسيطة تقول: إنه عندما تكون المدخلات صحيحة تكون المخرجات صحيحة أيضاً، وعندما يكون المدخل مدعوماً، يكون المخرج مدعوماً تلقائياً أيضاً.

 

الإنتاج طوق النجاة في الزمن الاقتصادي الصعب… دعم مدخلات الإنتاج وسيلة صائبة للوصول إلى مخرجات ناجحة

ويتقدم القطاع الزراعي القطاعات التي تحتاج دعماً في مدخلاتها، لما يوفر ذلك من تخفيض في تكلفة الإنتاج، الأمر الذي يعد محفزاً لعجلة الإنتاج الزراعي، ما يجعل العديد من السلع الزراعية المنتجة متاحة وبأسعار مناسبة للكثير من المستهلكين.

من هي الجهات الداعمة؟

الباحث الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس وجد أن اتجاه الدعم سواء للقطاعات المنتجة أو للمنتجين، يعد أمراً ممتازاً، لكن السؤال:  هل باستطاعتنا دعم الجهات المنتجة ومن هي الجهات الداعمة؟ موضحاً أنه من الصعب على الجهة الحكومية أن تقوم بكل هذه الأعباء، وكذلك الأمر ينطبق على القطاع الخاص من حيث صعوبة دخوله على خط الدعم المفترض.

الجاموس: كل عمل يفضي إلى إنتاج يستحق الدعم انطلاقاً من المنتج الأنشط

وقال: نحن مع الدعم بكل أشكاله، سواء للقطاع المنتج أو للمنتجين الناجحين في كل القطاعات، ولكن ممكن أن نبني على صعوبة دعم أي قطاع بشكل كامل، ونبدأ بالذهاب إلى بعض المنتجين الناجحين، لكن تبقى المشكلة أن النجاح متعلق بالبنية بشكل متكامل، وعلى سبيل المثال نقول: قطاع اقتصادي، الاقتصاد مبني على مؤسسات وعلى مجموعة من النقاط منها؛ القطاع المالي والنظام النقدي ومنها القوانين والتشريعات المالية، أي لكي ندعم يجب أن يكون مفهوم الدعم متكاملاً لهذه القطاعات، ونستثمر ليزيد الناتج المحلي وليتحسن مستوى دخل الفرد سواء بالصناعة أو السياحة أو الزراعة أو الاستهلاك المحلي أو الخارجي. وحالياً لا نستطيع الانتقال إلى الخارج إن لم نحقق الإشباع المحلي، رغم إن الخارجي مهم جداً، لأن التصدير يعني استقطاب العملات الأجنبية، وبالتالي تحسن في سعر الصرف وتحقيق الاستقرار فيه.

القطاعات الناجحة
وعن القطاعات الناجحة والتي تحقق قيمة مضافة، والتي من الأفضل توجيه الدعم لها، بين الجاموس أن دعم أي قطاع يمكن أن يحقق إنتاجاً هو الأفضل، وفي كل دول العالم نبدأ بالقطاع الصحي وكذلك القطاع الزراعي ثم الصناعي والسياحي وكذلك القطاع التعليمي.

و يرى الجاموس أنه من الأفضل دعم المنتجات الأساسية ضمن كل قطاع على حدة، ويعطي مثالاً القطاع الدوائي، والذي يفضل تصنيف الأدوية إلى أساسية وأخرى كمالية، على أن يتم التركيز على المنتجات الأساسية, وكذلك الأمر بالنسبة للقمح ودعمه كمنتج زراعي أساسي وأكثر من القطن، بمعنى نذهب بالدعم إلى الأنشط والذي يلبي حاجة السوق المحلية.
وعن أهم  القطاعات الناجحة في الوقت الحالي، أكد الجاموس أنه لا يرى قطاعاً ناجحاً من وجهة نظره، ويعطي مثالاً على ذلك، القطاع الدوائي الذي كان يصدر خلال العالم 2010 إلى 54 دولة، وكان يغطي 90% من حاجة السوق المحلية لكن اليوم الوضع صعب جداً.
وسابقاً في عام 2012 كان الناتج المحلي يتجاوز 60 مليار دولار، واليوم الناتج المحلي من السلع والخدمات المنتجة لا يتجاوز ثلث القيمة ولا يتجاوز 20 أو 15 مليار دولار في عام 2022.

شكل الدعم
وأوضح أن شكل الدعم ممكن أن يحدد بتوفير الطاقة والبنية التحتية، وكذلك توفير سياسات حكومية بحيث يتم تشجيع القطاع المالي من البنوك والشركات وشركات الصرافة، مضيفاً: إن لدى المصارف مئات المليارات من الليرة السورية، لكن لا تمنح القروض بسبب عدم استقرار سعر الصرف سواء مبرر لها ذلك أم غير مبرر، ما يعد أمراً سيئاً ولا يشجع على الإنتاج.

دعم مدخلات الإنتاج

وعند سؤاله؛ هل ندعم مدخلات الإنتاج أم المخرجات؟!

رأى الجاموس أن دعم المدخلات أمراً صائباً، لأنه عندما تكون المدخلات صحيحة تكون المخرجات صحيحة أيضاً، وعندما يكون المدخل مدعوماً، تلقائياً يكون المخرج مدعوماً أيضاً. واليوم الصعوبات كبيرة التي تواجه إجازات الاستيراد أو المواد الأولية وصعوبة الحصول عليها، فإذا دعمنا هذا الجانب سنقلل من التكاليف، لأنه بدعم المدخلات نصل إلى منتجات جيدة تحقق أرباحاً للمنتجين، وبالتالي القدرة على الاستمرار والتحسن والتطور والزيادة في الإنتاج.

الأولوية للإنتاج
ويرى الجاموس أنه في هذه الظروف والصعوبات التي تواجه الاقتصاد الوطني، يعد الأكثر نجاحاً إعطاء الأفضلية لأي إنتاج كان، لأن كل إنتاج هو مهم في أي قطاع.
ويستشهد الجاموس بالتجربة البرازيلية، لافتاً إلى أنه في عام 2003 كان الاقتصاد البرازيلي يعاني صعوبات كبيرة، لكنهم تجاوزوا الوضع بالاعتماد على عمليات الإنتاج، وتقديم تسهيلات ائتمانية كبيرة للمنتجين ولرجال الأعمال، وكذلك تسهيلات بالتراخيص، مع رفع للضرائب، وأعطوا جزءاً منها  لذوي الدخل المحدود، وحسّنوا
من رواتبهم، بمعنى؛ تحولوا أيضاً إلى منتجين وداعمين .

التسهيلات التشريعية
ويحدد صيغة الدعم المطلوبة حالياً في تحقيق التسهيلات والتشريعات، والتسهيلات بالتراخيص، والقضاء على الرتابة في الأوراق، والتسهيلات في البنية التحتية والطاقة و بتشجيع القطاع المالي للاستثمار في البلد وإعطاء القروض.

درويش: دعم المدخلات يعد محفزاً لعجلة الإنتاج الزراعي

منهجية دعم القطاع الزراعي

الباحث الزراعي الدكتور مجد درويش تحدث عن منهجية الدعم المقدم للقطاع الزراعي عبر دعم مدخلات الإنتاج الزراعي (مستلزمات الإنتاج) فيمكن اعتبارها محلياً الأكثرية نجاعة فيما لو قورنت بعملية دعم المخرجات (السلع المنتجة).
و يساهم دعم المدخلات في تخفيض تكلفة الإنتاج، الأمر الذي يعد محفزاً لعجلة الإنتاج الزراعي، ما يجعل العديد من السلع الزراعية المنتجة متاحة وبأسعار مناسبة للكثير من المستهلكين والمواطنين من ذوي الدخل المحدود والمنخفض، وهنا من المنطقي أن يكون الدعم بالقدر الكافي والوقت المناسب، وبشكل يخفف العبء الذي يتحمله المنتج ويساهم بتوسيع حلقة الإنتاج الزراعي، في حين يمكن أن يكون دعم المخرجات الزراعية كوسيلة لتشجيع عمليات التسويق وتصدير المنتج للأسواق الخارجية وبصورة تمثل رافعة لاقتصادنا الوطني.

أكثر القطاعات تعقيداً
وبين درويش أن القطاع الزراعي يعد بمختلف أشكاله في الوقت الراهن من أكثر القطاعات تعقيداً وأكثرها تطلباً للعمل الجاد على رسم استراتيجية تساهم بتطوير هذا القطاع والاستثمار فيه بالشكل الأمثل، إذ يعاني هذا القطاع العديد من العوائق والمشكلات التي جعلت الكثير من القائمين عليه يبحثون عن بارقة أمل لتنشيطه سواء بتقديم كل أشكال الدعم ليعود لما كان عليه قبل سنوات الأزمة، أم بالبحث الجاد عن مصادر متنوعة تنشط وتدعم جوانب هذا القطاع، وبما ينعكس إيجاباً على السوق المحلية والقدرة الشرائية للمواطن العادي، ويساهم أيضاً في دعم مصادرنا من القطع الأجنبي عبر عمليات التصدير وغيرها.

فرز القطاعات
وتحدث درويش عن  أهمية تحديد وفرز القطاعات الزراعية الأكثر أهمية، والتي يمكن أن تقود لريعية أسرع وأعلى في ظل الصعوبات التي يعانيها اقتصادنا الزراعي جزئياً واقتصاد البلد ككل.
و وفقاً لدرويش، فإن المعادلة الاقتصادية الحالية التي تحكم واقعنا الزراعي هي معادلة الربحية، إذ يسعى الكثير من المنتجين الزراعيين وبشكل دائم لتحقيق ريعية أكبر سواء عبر طرح منتجه في السوق بغرض الاستهلاك المحلي أم بتصديره خارجياً عبر دور الوسيط الذي غالباً ما يحظى بحصة أكبر من الربح، وهنا  لابد من أن يكون  للجهات المعنية دور في إمكانية أن تتولى بنفسها عمليات التصدير لاسيما إلى الدول الصديقة، وبشكل تكون المنفعة عامة بدلاً من المبادرات الفردية.

سوء التخطيط
كما تحدث درويش عما سماه واقع سوء التخطيط الزراعي الذي خلّف العديد من المشكلات والمصاعب المرتبطة أحياناً بانعدام التنظيم في زراعة الأنواع النباتية، وما ترتب عليه من موسمية للإنتاج الزراعي، وكساده في أوقات أخرى، وبسوء عملية تسويق المنتج الزراعي كمشكلة تسويق الحمضيات مثلاً، وعدم دراسة كافية لحاجة السوق من السلع الزراعية المنتجة محلياً، وفتح باب تصديرها إلى الخارج في الوقت نفسه، ما جعلها في كثير من الأحيان بعيدة عن متناول المستهلك العادي، كارتفاع أسعار محصول الزيتون وزيته ومحاصيل الخضار عموماً، فضلاً عما نعانيه من توجه المزارع للقيام بزراعات فردية بحثاً عن مصادر أكبر للريعية المجدية في ظل تقهقر عدد من الزراعات التقليدية، وهذا ما نلمسه حالياً في التوجه نحو زراعة عدد من الأنواع النباتية الاستوائية: كالدراغون، الباباي و الموز وغيرها.

هذه الزراعات ذات ريعية عالية، على اعتبار أن غالبية إنتاجها موجهة  للتصدير خارجاً، ما ترتب عليه ابتعاد مزارعينا شيئاً فشيئاً عن الزراعات للمحاصيل ذات الأهمية الاستراتيجية، والتي تشكل دعامة اقتصادية لأمننا الغذائي ومنها زراعة القمح، القطن وغيرها، حتى محصول التبغ، وبالرغم من الزيادة التي أدرجتها المؤسسة العامة للتبغ مؤخراً في أسعار استلام المحصول، إلا أن سعر الاستلام لهذا المنتج لا يمكن مقارنته بسعره في السوق الرديفة والذي يدفع كثيراً من المزارعين المنتجين لتسويقه فردياً.

قطاع رائد

أما على صعيد الشق الحيواني والذي يمكن اعتباره من القطاعات الزراعية الرائدة في مجال تحقيق الريعية، لاسيما مع الارتفاع الحاد لأسعار منتجاته، إلا أن مشكلة تأمين الأعلاف وارتفاع تكاليفها لا تزال العقبة التي تمنع التوسع في مشاريع تربية الثروة الحيوانية وزيادة إنتاجها وبما تتطلبه الأسواق المحلية.

زكريا: صعوبة التمييز بين القطاع الناجح والمنتجين الناجحين

ورغم الجهود  التي تبذلها وزارة الزراعة والجهات البحثية في المجال الزراعي المحلية منها أم الدولية العاملة على الأرض، إلا أن الحلول المطروحة لا تزال خجولة في هذا المجال. ويمكن القول إن الاستثمار محلياً في إنتاج الأعلاف يمكن أن يكون مشروعاً وطنياً رائداً وذا ريعية عالية وبديلاً عن الاستيراد من الخارج وبما يحقق قيمة عالية مضافة للاقتصاد الوطني.

تلاشي التمييز
الصناعي مصطفى زكريا أكد أنه لا نستطيع التمييز بين القطاع الناجح والمنتجين الناجحين لأنه يرى أن الأمرين ملتصقان ببعضهما البعض. وأن الدعم الأساسي الذي تحتاجه الصناعة حالياً توفير الطاقة الكهربائية والمحروقات بالدرجة الأولى لتتمكن من الحضور والمنافسة.
ويرى أن الحاجات تختلف من قطاع صناعي لآخر، ومن حلقة لأخرى ضمن القطاع الواحد، وبالتالي ما يحتاجه قطاع قد لا يحتاجه آخر.

ويعطي مثالاً القطاع النسيجي، مثلاً فيه 7 أو 8 حلقات تحتاج كل منها دعماً مختلفاً، مثلاً بعضها يحتاج دعم بالأقمشة وليس بالألبسة، والبعض دعم بالمواد الأولية، والأهم دعم البنية التحتية من كهرباء ومحروقات، فإذا لم توجد طاقة لن يوجد إنتاج.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
انطلاق أعمال الورشة الوطنية للتخطيط الاستراتيجي لمواجهة السرطان "معاً نحو عام ٢٠٣٠" مادة عطرية مخرشة تتسبب بإسعاف 12طالبة إلى المشفى الوطني بجبلة «تشرين» تنفرد بنشر توصيات المؤتمر العلمي الأول للتقانات الحيوية في النباتات الطبية وزير الصناعة لـ«تشرين» عقب جلسة مجلس الوزراء: استراتيجية لن تتأخر لإنقاذ منشآت القطاع العام من خسائر كبيرة مجلس الشعب يحيل مشروع قانون الموازنة للعام 2025 إلى لجنة الموازنة والحسابات ‏لدراسته جدل عميق في مجلس الوزراء حول الأدبيات المثلى للعمل الحكومي..وإشارات صريحة إلى الالتقاط الخاطئ لبعض الملفات سابقاً  خلال مؤتمر تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب بالكويت.. السفير عباس: سورية تُحارب الإرهاب القادم إليها من كل بقاع الأرض منذ 2011 محافظ القنيطرة يشدد على عدالة توزيع المنح الزراعية خلال عشرة أيام مستشعر بصمة لضبط التزام الآليات على خطوط دمشق ‏«طريقنا الواحد» مجموعة شعرية جديدة لأطفال الوطن.. الشاعر زياد السودة: اخترت أن ‏يكون عملي الأول عن الوطن