صدع مجتمعي وسياسي.. عندما يتحول العدوان على غزة إلى تحديد مصير.. الإسرائيلي والأميركي في الواجهة
تشرين- هبا علي أحمد:
مع دخول العدوان الإسرائيلي على غزة شهره الثاني، باتت التصدعات أعمق وأكثر اتساعاً، أميركياً وإسرائيلياً، تصدعات داخلية تنذر بكارثة سياسية على مستقبل كل من رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن، وبالتالي فكما كل الخيارات واردة والجبهات مفتوحة في المنطقة، فإن كل الخيارات مصوبة ضد نتنياهو وبايدن داخل الأروقة السياسية، كما أن المقاومة الفلسطينية التي عمدت الهمجية الإسرائيلية ومعها الأميركية إلى القضاء عليها، هزّت أركان أميركا و«إسرائيل» وغيّرت العالم، وربما تفرز لاحقاً اصطفافات جديدة خلافاً لما شهدناه في الحرب الأوكرانية، حيث بات الدعم الأمريكي لنظام كييف من المنسيات راهناً.
بايدن الذي يتحضر للانتخابات الرئاسية 2024 وجد نفسه منبوذاً وتحت انقسام واضح حتى داخل أروقة السياسة الأميركية ومؤسساتها، حيث أصبح دونالد ترامب الآن هو المرشح الأوفر حظاً في أسواق الرهان للفوز بالرئاسة، وتظهر استطلاعات الرأي الأخيرة تقدمه بشكل مريح في معظم الولايات المتأرجحة التي ستحسم الانتخابات، تبعاً لـ«فايننشال تايمز» التي أشارت إلى أن بايدن يحتاج إلى الناخبين الشباب والتقدميين والأميركيين العرب ليخرجوا ويصوتوا له، لكن الكثيرين غاضبون من دعم إدارته لـ«إسرائيل».. وإذا بقي التقدميون في منازلهم أو صوتوا لمرشحين هامشيين فقد تميل الانتخابات لمصلحة ترامب.
أميركا تعمد إلى إعادة تشكيل العالم من جديد وصياغتها وفق أجنداتها سلماً أم حرباً، لكن حقيقة الأمر أن العدوان الإسرائيلي- الأميركي على غزة من شأنه إعادة تشكيل السياسة الأميركية، إذ كشف عن انقسام الآراء في المؤسّسات الأميركية والانقسامات العميقة التي تُعكّر صفو المجتمع الأميركي، وهذه معطيات من شأنها إعادة تشكيل السياسة الأميركية.
ما كان ينقص واشنطن إلا العدوان الإسرائيلي على غزة حتى تتسع رقعة الأزمات والتراجع على مستوى النظام العالم، إذ تحدثت تقارير إعلامية عن أن التحدي الأوسع، الذي تواجهه واشنطن، يصبح أكثر وضوحاً مع كل أزمة جديدة، وهو كيفية المحافظة على الاستقامة في نظام عالمي ينقسم، بحيث تشعر الدول بالجرأة المتزايدة على التشكيك في موقف الولايات المتحدة بشأن الأحداث، سواء في العدوان الإسرائيلي على غزة، أم في الحرب الأوكرانية، مضيفة: منذ العدوان على غزة.. التهمة ضد واشنطن هي النفاق، مع شعور – عبّر عنه رؤساء وملوك عرب، منهم الملك الأردني عبد الله الثاني – بأنّ الغرب انتقائي في تطبيقه حقوق الإنسان والقانون الدولي.. ومن دون معالجة مثل هذه التصورات، فإن الولايات المتحدة تخاطر بخسارة سرديتها في السياسة الدولية لمصلحة سردية روسيا والصين وحلفائهما.
وأوضحت التقارير أنه مع وجود حربين تجذبان اهتمام الولايات المتحدة، وتصاعد التهديد بالصراع بشأن تايوان، إضافة إلى النقاط الأخرى التي تُومض باللون الأحمر، قد تكون أهمية رد فعل واشنطن ذات طابع وجودي، بالنسبة إلى حظوظ بايدن الانتخابية، وبالنسبة إلى العالم أيضاً.
وبالنسبة إلى أوكرانيا، التي زجها الغرب الأطلسي في صراع ليس صراعها وأغراها بالانضمام إلى «ناتو»، تقف اليوم وحيدة مستجدية مزيداً من الدعم وحتى لو القليل مما يحصل عليه الكيان الصهيوني في عدوانه على غزة، ولاسيما «أنّ حرب غزة أرغمت الولايات المتحدة على تحويل الوقت والموارد بعيداً عن أوكرانيا، وفي بعض الحالات، هناك منافسة مباشرة على الذخائر، وكانت أوكرانيا تعاني من نقص شديد في القذائف وهي الآن تتنافس مع «إسرائيل» على الإمدادات الشحيحة»، كما نوهت إحدى الصحف الفرنسية إلى أن السلطات الأوكرانية، تخشى بشكل متزايد من تحول انتباه الحلفاء الغربيين بقيادة الولايات المتحدة الأميركية من أوكرانيا إلى «إسرائيل».
الانقسام السابق ذاته سرى مفعوله داخل الكيان الصهيوني الناقم على نتنياهو محملاً إياه المسؤولية فضلاً عن حدوث صدع كبير في «المجتمع الإسرائيلي»، حيث تتعالى المطالبات والدعوات لتقديم نتنياهو استقالته، وبلغ الأمر أن شتمه أحد الضباط ووصفه بالكاذب ما يدل بوضوح على تصدع بالجبهة الداخلية العسكرية، ولاسيما أن العملية البرية التي يعول عليها الاحتلال لا تزال عاجزة عن اقتحام الكثير من المناطق العمرانية في قطاع غزة، وتقف في المجمل عند حدود توغلاتها في الأيام الأولى في المناطق المفتوحة، وذلك بعدما تلقت ضربات قاسية من المقاومة الفلسطينية في مختلف محاور القتال، وأقر أحد ضباط الاستخبارات في جيش العدو بأن «المقاومة تعرف الكثير عنا، كما تعرف طريقة عملنا، ولديها أيضاً مجموعة معلومات استخباراتية دقيقة، في الواقع استخباراتها تعمل بشكل جيد».
كل التحشيد الأميركي العسكري في المنطقة ليس كفيلاً بطمأنة واشنطن ولا الكيان المحتل، وليس كفيلاً بتغير المشهد لمصلحتهما مهما بلغ التهويل والتهديد والوعيد، ومع انخفاض سقف التوقعات باتت الرسائل الأميركية المواربة والمتذبذبة تبحث عن هدنة هنا وهناك.
بالمجمل ومن دون معرفة إلى أين يمكن أن تتجه الأمور والتطورات ومع الترقب والانتظار فإن خيبة الأمل الإسرائيلية واضحة ليس فقط مما يجري في سياق العدوان وارتداداته على الكيان، بل باتت الخيبة تسري على العلاقة بين واشنطن و«تل أبيب»، إذ ألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، إلى أن الاحتكاك مع الأميركيين سيظهر خلال أسابيع قليلة، وأن «إسرائيل» خسرت الرأي العام في أوروبا، قائلاً: «خطاب المسؤولين الأميركيين تحول في الأيام الأخيرة مع تزايد الدعوات لوقف القتال.. من الواضح أننا نتجه نحو احتكاك مع الأميركيين، لا تستطيع أميركا أن تملي على إسرائيل ما يجب أن تفعله.. لكن لا يمكننا تجاهلهم»، في إشارة إلى دور واشنطن باعتبارها الضامن الرئيسي لأمن الكيان.
وأضاف: «سيتعين علينا أن نتقبل المطالب الأميركية خلال الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع المقبلة، وربما أقل