في مهرجان القصة السنوي.. وحديث عن «تشكيلات المكان والزمان والشخوص»

تشرين- ثناء عليان:
يرى الأديب يوسف إدريس “أن الأقصوصة أو القصّة القصيرة كالرصاصة يجب أن تتّجه نحو هدفها مباشرة”، ويؤكد الكاتب الانكليزي (سومر ست موم) “ما من شيء يحدث في حياة الإنسان إلا ويصلح أن يكون قصة” وهذا دليل عميق على أهمية هذا الفن الأدبي الجميل الذي يستحق أن يقام له مهرجان كل سنة، وهذا ما دأبت عليه مديرية الثقافة في طرطوس ليصبح تقليداً سنوياً، إيماناً بدور الكلمة في التأثير بالمجتمع، وإعلاء لشأن الأدب والإبداع حسب ما جاء في كلمة مدير الثقافة في طرطوس كمال بدران خلال افتتاح مهرجان القصة القصيرة السنوي بحضور فعاليات رسمية وثقافية، حيث استمر المهرجان ثلاثة أيام وتضمنت فعالياته قراءات قصصيةً لقاصين من محافظة طرطوس، وورشات أدبيةً للأطفال واليافعين والموهوبين.

شمولية العنوان
بدأ المهرجان فعالياته بندوة جاءت بعنوان (فن القصة القصيرة، تشكيلات المكان والزمان والشخوص)، شارك فيها كل من الأدباء: مالك صقور، مفيد عيسى والدكتورة هناء إسماعيل، وأدارت الندوة ميرفت علي التي أشارت إلى مكانة القصة القصيرة كصديق وكمرافق أزلي للبشرية وكموثِّق للحضارات، وكذاكرة للشعوب وللأمم. ورأت تداخلاً في عناصر القص موضوع الندوة، وشمولية في العنوان يصعب تداولها في ندوة واحدة.

فن عربي قديم
بدأ الأديب مالك صقور بطرح وجهة نظره في القصة وعناصرها مستنداً إلى مخزونه الأدبي الثر والخصب، واستشهدَ بالقصاصين الفلسطينيين الكبار مثل (غسان كنفاني)، الذي ما زال قاصاً متوهجاً في قصصه، وقد تتبَّع فيها مفردات النضال الوطني كالبندقية، الخيمة، الفدائي، الإنسان المسحوق…وذكَّرنا بقصة (بائع الكعك) فالزمن فيها هو زمن التشرد والشتات، والمكان هو الخيمة، واستعرضَ قصص الدكتور (يوسف إدريس) الذي تشرَّف بكتابة مقدمة لأعمال (غسان كنفاني)، ونصح صقور القراء بالعودة إلى قصص غسان كنفاني لنعرف كيف اغتصبت فلسطين وكيف ستتحرر لاحقاً، وأشار إلى قصص الدكتور عبد السلام العجيلي الذي كتب عن حرب فلسطين وعن جيش الإنقاذ ومثله القاص فؤاد الشايب..
وأكد صقور أن القصة فن عربي قديم بدليل قصص القرآن الكريم، وألف ليلة وليلة، لافتاً إلى أن ميخائيل نعيمة أول من كتب القصة القصيرة الكاملة بعناصرها الفنية، وكذلك عبد السلام العجيلي، الذي تسيطر على قصصه النزعة القدرية على عكس سعيد حورانية مؤسس القصة بنفَس الكادحين والفقراء… واختتم صقور حديثه بتحليل قصة (قنديل أم هاشم) للمبدع (يحيى حقي).

جنس أدبي معقد
بدورها أشارت الدكتورة هناء إسماعيل أستاذة النثر الحديث ومادة الآداب العالمية في كلية الآداب في جامعة طرطوس، إلى موقع القصة في المشهد الثقافي الأدبي المعاصر مؤكدة أنها جنس أدبي معقد له حضوره وليست أقل قيمة من الرواية بل على العكس، كتابتها تتطلب خبرة ومراناً من قبل المبدعين.
وبيّنت إسماعيل أن ما اندرج في عنوان الندوة جزء مهم من عناصر القصة، غير أنها تتمايز من حيث كون الشخصيات عناصر فحسب، أما الزمان والمكان فهما من العناصر والتقنيات، لافتة إلى أنه بالإمكان الحديث عن شخصيات رئيسة وثانوية مساعدة ونامية، ويمكن دراسة أبعادها المادية والاجتماعية والنفسية وسواها، كما يمكن دراسة الزمن من حيث زمن القصة وزمن السرد، ودراسة تقنيات السرعة السردية مثل الخلاصة والحذف والمشهد والاستراحة وأهمية كل منها في العمل القصصي، وأما المكان فهو الحيز الذي تجري فيه الأحداث بوساطة الشخصية ضمن زمنها الخاص الحقيقي أو النفسي، وتختم إسماعيل مؤكدة أن كل ما سبق يتحقق بسهولة أكثر في الرواية رغم وجوده في القصة مشيرة إلى أن فن القصة يتطلب براعة خاصة في التوظيف والقدرة على تطويع المعطيات التقنية والعناصرية والأجناسية أيضاً من حيث إن القصة كالرواية انفتحت على الأجناس الأخرى وطوعتها في مسيرة تطورها.

قصص سورية
وجاءت مشاركة الأديب مفيد عيسى بعنوان “علائقية الزمان والمكان والشخوص في سياق الحدث القصصي” أكد فيها أنه ليس من الضروري أن يكون الزمان في السرديات عامة والقصة القصيرة منها، كالزمان الكرنولوجي، الذي يعني تسلسل الأحداث وفق تاريخ وقوعها. فالزمان هنا؛ هو زمان فني يأتي بصيغ مختلفة وفق تقنية الكتابة التي يعتمدها الكاتب.
وتطرق إلى بعض القصص السورية التي تتضح فيها علائقية الزمان والمكان والشخوص فيها كما في قصة (الجمار) لأنيس إبراهيم، وقصة (مسافر نسيه القطار) لوليد معماري، و”القطار لجورج سالم”، وأكد عيسى أنه لا يمكن للمكان أن يكون حيادياً في العمل الأدبي، فالمكان في القصة ليس وعاء جغرافياً للحدث، بل هو البيئة الحيوية بكل مكوناتها، لذلك هو تفاعلي بطبعه.
ولفت إلى علائقية العناصر الثلاثة من منطلق المكان نراها في قصة “السبعا وأربعين” لسعيد حورانية، وفي قصة “الأرض القديمة” لناظم مهنا، وقصة (هذه المرة) لإبراهيم صموئيل إهمال واضح للمكان، لا تحديد للمكان، ولا للزمان.

شخوص القصة
أما الشخوص في القصة –حسب عيسى- فهي من يقوم بالفعل أو من يقع عليها، وتختلف علاقة الشخوص بعنصري الزمان والمكان ففي قصص ما تكون الشخصية حاضرة بقوة، كما في قصة (فارس) لاعتدال رافع، ونجد في بعض القصص شخوصاً ليست آدمية، كما في (حكاية الرجل الذي رفسه البغل) لوليد معماري، أو النبات كما في قصة (شجرة الغَرَب) لإبراهيم الخليل، وقد تأتي شخصية القصة جماداً كما في قصة (التمثال) لإبراهيم خريط.. وأشار عيسى إلى أن هناك شخوصاً تتصف بخصوصية مميزة كما في قصص زكريا تامر، حيث تقترب شخوص قصصه من شخوص أعمال الواقعية السحرية، وهي ذات تفاعلية كبيرة مع المكان والزمان، نجد ذلك في قصة (موت الياسمين) مثلاً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار