خبراء يدمجون في مكافحته بين الأدوات التقليدية وأفكار من خارج الصندوق.. هل عدوى التضخم قدر لا يمكن تجنبه؟!

تشرين- باسم المحمد:
لم يعد التضخم حديث السوريين وحدهم، بل بات هاجساً عالمياً، بعد سلسلة التغيرات الهائلة التي حصلت خلال العقد الأخير من حروب وجوائح وسياسات غربية هادفة إلى تجويع الشعوب للسيطرة على قراراتها ومقدراتها، والأمر الأكثر وضوحاً هو أن دول العالم الثالث والفقيرة منها تحديداً كانت الضحية الأولى لهذا المرض مزدوج الأسباب (داخلية وخارجية)، فالدول الكبرى اتجهت نحو تحريك أسعار الفائدة لتحافظ على قيمة عملاتها، وكان الأثر على انخفاض الإنتاج لتتحمل الدول الأكثر فقراً تبعات هذه التحركات الممنهجة..
داخلياً، وبعد سنوات حرب طويلة على سورية، تزايدت معدلات التضخم لتضاف إليها تبعات جائحة كورونا والحرب الروسية الغربية، لنصل إلى ما يجمع عليه اقتصاديونا بتسمية التضخم الجامح، الذي لن تنفع معه الاستراتيجيات والسياسات النقدية المتعارف عليها علمياً ودولياً في مواجهة مرض التضخم، لكن عندما يقدمون المقترحات فإنها ترتكز على ما قالوا سابقاً إنه غير مجد…

فضلية: أن نعلق حدوث التضخم وتفاقم آثاره على الظروف العالمية وعلى مشجب المعوقات مع إهمال المسببات والعوامل الأخرى، فيه ظلم للاقتصاد والشعب السوري

علماً أن تجربة الحصار ليست بجديدة على سورية، ففي ثمانينيات القرن الماضي تعرض لما يشبه السيناريو الحالي، وكان الخيار نحو الاعتماد على الذات، والتركيز على الإنتاج المحلي، الزراعي والصناعي، وعدم إضاعة الموارد للحفاظ على استقرار سعر الصرف، الذي بالمحصلة، (وبعد معاناة تحملها السوريون)، حقق استقراراً بعد فترة متوسطة الأجل استمر لأكثر من ثلاثة عقود، مدعوماً بقوة الاقتصاد الحقيقي الزراعي والصناعي..

الأسباب
دكتور الاقتصاد في جامعة دمشق عابد فضلية يرى أن أسباب التضخم في أي دولة في العالم هي خارجية (إقليمية؛ دولية؛ عالمية)، مباشرة وغير مباشرة، وأسباب داخلية (موضوعية ظرفية استثنائية مبررة)، وأسباب داخلية (ذاتية غير موضوعية وغير مبررة)، مسبباتها ضعف وخلل إداري – تشريعي .. وهذه المسببات الداخلية الأخيرة هي الأهم في المتابعة لأنه من الممكن (بل من الضروري) تحديدها والتحكم بها وإصلاحها وتقويمها… ولنعترف أن هذه المشكلة الأخيرة موجودة ومتجذرة ومعقدة عندنا في سورية.. ولا يلمس المواطن أن هناك جدية أو إجراءات عملية فعالة وملموسة في متابعتها..
أضف إلى ذلك أن للتضخم عدة أنواع مصنفة بحسب مسببات حدوثه.. (مثل: تضخم مستورد مع السلع بسبب ارتفاع الأسعار عالمياً، وتضخم بفعل ارتفاع التكاليف داخلياً لأي سبب من الأسباب، وتضخم بفعل زيادة الكتلة النقدية مع ثبات الكتلة السلعية والعكس بالعكس..الخ).
كما إن للتضخم عدة أنواع من حيث سرعة الحدوث ومن حيث نسبة الارتفاع ومن حيث المطرح والقطاع الذي يحدث فيه هذا التضخم (مثل: التضخم المرغوب .. الذي يحدث بنسب بسيطة في بيئة صحية للعمل الاقتصادي، والتضخم الزاحف غير المستمر..البسيط المتزايد ببطء .. والتضخم الجامح والمستمر المتسارع بنسب كبيرة …الخ، الخ) .. وهذه المسببات والأنواع من المهم تحديدها بدقة وموضوعية من أجل التمكن من وضع المقترحات والطروحات المناسبة والصحيحة والفاعلة ..
أما أن نرجع حدوث التضخم وتفاقم آثاره إلى الظروف العالمية وعلى مشجب المعوقات والمصاعب التي تسببها العقوبات والحصار الاقتصادي مع إهمال المسببات والعوامل الأخرى، (كما يظن ويصرح بعض الأشخاص الحكوميين) .. فهذا فيه ظلم للاقتصاد والشعب السوري..
من جهته ذكر الدكتور حيان سلمان، أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، أهم أسباب التضخم وللتضخم، على سبيل المثال وليس الحصر، وأولها تراجع الطاقة الإنتاجية مثل تراجع إنتاج النفط والحبوب (القمح) وتدمير الكثير من المشاريع الإنتاجية وتراجع الاستثمار، وهذا يولد (فجوة تسويقية) تتجلى (بزيادة الطلب عن العرض) من السلع والخدمات وهذا يساهم في توليد (السوق السوداء) وتؤثر على المنظومة السعرية بالاتجاه نحو الصعود، كذلك عدم التناسب بين الكتلة النقدية والسلعية في السوق، وتكون الكتلة النقدية أكبر من السلعية، وهنا يتراجع معدل النمو الاقتصادي وقيمة الناتج الكلي بالأسعار الثابتة، علماً أنه قد يرتفع بالأسعار الجارية، وقد يكون وراء ذلك إصدار نقدي جديد من دون أن يكون مغطى بإنتاج يقابله، وهذا يعني زيادة المعروض النقدي.

فضلية: الاقتصاد العالمي متراجع ويتجه إلى الهاوية وإلى مزيد من التدهور

وأضاف سلمان إلى العاملين السابقين موضوع السياسات النقدية والمالية وتتجلى في زيادة الضرائب والرسوم مثلاً، ما يؤدي إلى زيادة التكلفة وبالتالي الأسعار، أو أن يقدم (البنك المركزي) وهو بنك البنوك وراسم السياسة النقدية على اعتماد سياسة توسعية، فيتدخل في السوق كبائع وشاري للنقد ويقوم بضخ الأموال في الأسواق، أو أن يعتمد (سياسة ائتمانية) تقوم على مبدأ تقديم الكثير من القروض عن طريق زيادة التسهيلات الائتمانية وشروط الإقراض (التوسع في الائتمان)، مشيراً إلى أسباب مرتبطة بالتكلفة عند زيادتها، ما يؤدي بالمستثمرين لزيادة الأسعار تدريجياً ومن ثم ترتفع الأسعار لكل بل لأغلب السلع، وخاصة في ظل غياب الرقابة التموينية كما هو الحال في الأسواق السورية، وهنا تكون العلاقة بين الاقتصاد الكلي والجزئي ضعيفة جداً، وأسباب مالية: وهذه ترتبط بالسياسة المالية (وزارة المالية التوسعية) من خلال زيادة الإنفاق الحكومي وزيادة قدرة المستهلكين على الاستهلاك، وتترافق مع تخفيضات في الضرائب على السلع والخدمات، أو زيادة الدعم النقدي للأسر الفقيرة ورواتب المتقاعدين وزيادة الأجور والرواتب وعدم ربطها بالإنتاجية الصناعية أو المردودية الزراعية، أو تحريك الطلب الكلي من خلال زيادة الاستثمارات واستحداث الكثير من فرص العمل وتقليل معدل البطالة .

فضلية: أهم الأسباب الداخلية هي الخلل والارتباك الإداري والإجرائي

الذي لم يستغل ما كان وما زال ممكناً للتخفيف من التحديات الاقتصادية المعيشية

كذلك ارتفاع أسعار الصرف، وتتجلى نتائج هذه الحالة في غياب الرقابة الحكومية على الأسعار وكذلك بمقدار ارتباط الاقتصاد الداخلي مع الخارج، وهذا يفسر ارتفاع الكثير من السلع في الأسواق السورية وبلغت معدلات التضخم معدلات مرتفعة (تضخم جامح)، وهنا يؤثر ارتفاع أسعار الصرف على الحركة الاقتصادية وسلاسل التوريد وأسعار المواد المستوردة وارتفاع تكلفة الاستيراد، إضافة إلى ارتفاع أسعار المدخلات الإنتاجية: مثل الكهرباء والمحروقات والوقود والمياه والأجور ..الخ ، وهنا في الأسواق السورية نجد أن ارتفاع الأسعار تكون بمعدلات أعلى من ارتفاع بنود المدخلات لتحقيق المزيد من الأرباح الخاصة، وهناك عوامل خارجية، مثل الحروب ووقوع الكوارث الطبيعيّة كالزلازل والبراكين والفيضانات والأعاصير، والتي تؤدي إلى حدوث ارتفاع مفاجئ في أسعار السلع، حيث يميل السعر إلى الانخفاض في هذه الكوارث، أو سرقة الاقتصاد الوطني كما هو الحال في الاحتلالات المتواجدة في سورية، وهناك عامل مهم وهو الاحتكار وعدم المنافسة، وهذا يعني تركيز وجود السلع عند جهات قليلة تستطيع فرض الأسعار أو المنظومة السعرية في السوق، ولذلك فإن أغلب الدول تمنع الاحتكار وبقوانين خاصة وتدعو للمنافسة والتنافسية وكلما ازداد مستواهما انخفضت الأسعار وقلت معدلات التضخم.

الاقتصاد العالمي نحو الهاوية
وحول الوضع الاقتصادي العالمي الحالي؛ يزيد الدكتور فضلية، فهو متراجع ويتجه إلى الهاوية وإلى مزيد من التدهور، وما يحدث اليوم هو مرحلة تاريخية شبه حتمية بحسب طبيعة التركيبة الرأسمالية الاستغلالية وعربدتها وسطوتها على النظام العالمي، والتي تقوم بالأساس ومنذ قرون، بدءاً من الحروب الصليبية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، مروراً بمرحلة الاستعمار التي أنتجت عوامل القوة التي أدت إلى حدوث الثورة الصناعية التي انطلقت من إنكلترا، أي بنظام عالمي قائم على مستغِل -بكسر الغين- ومستغَل -بفتح الغين- فبدأت الصراعات والأزمات الاقتصادية العالمية وكان من أوضحها أزمة عام (1870) وتلك التي تليها عام (1900) والأزمة القاسية المزلزلة التالية تاريخياً التي مهدت أسسها الحرب العالمية الأولى، والتي سميت آنذاك أزمة الكساد العالمي الكبير عام (1929) وأدت إلى قيام الحرب العالمية الثانية بالأسلحة الأمريكية التي ازداد إنتاجها بعشرة أضعاف طوال العقد الذي سبق هذه الحرب …

فضلية: البركة في الاقتصاد عموماً وبمستوى حياة أفراد المجتمع خصوصاً؛

تكون بأن يأكل مما يزرع وأن يلبس مما يحيك بنفسه ويصنع

لتتضح بذلك الفلسفة الأمريكية القائمة على إشعال الحروب الداخلية والثنائية والمتعددة الأطراف بعيداً عن أراضيها كـ”حل” اقتصادي لنظام الرأسمالي الاستغلالي ولفك عقد أزماتها الداخلية التناحرية، ليشهد العالم في تطوره التاريخي سيرورة أزمات حتمية دورية (خفيفة كل 10 سنوات، وقوية أشمل كل 30 سنة)، تلك الأزمات التي ما كان للدول الغربية أدوات لتلافي آثارها إلا بصراعات ونزاعات وحروب عسكرية محدودة، متعددة، متفرقة وبعيدة عن حدودها الجغرافية.


وشبه الدكتور فضلية الأمر حتى اليوم مع بدء الأزمة المالية الاقتصادية العالمية الخفيفة في عامي (2007/ 2008) والتي استطاع واستمر الغرب بلجم وخنق آثارها السلبية مدة 10 سنوات فقط، لتبدأ بعدها عوامل وجذور الأزمة الأكبر تتعمق وتتفاقم، ولمس العالم بدايتها منذ (2019/2020) مع جائحة كورونا كحالة حقيقية غطت العديد من النزاعات العسكرية المحدودة المتفرقة وترافقت مع صراعات وتحزبات سياسية وسلطوية اقتصادية (تسريع إطلاق مبادرة الحزام والطريق الصينية/ تكتل شنغهاي/ قمة مجموعة دول البريكس، وتوسيع دائرة الدول الأعضاء، ومشروع الطريق التجاري الاستراتيجي الحيوي (الهند- الخليج العربي/السعودية- المرافئ الفلسطينية المحتلة من قبل الكيان الصهيوني، وصولاً إلى موانئ القارة الأوروبية وما يتصل بها جغرافياً)، وكل ذلك صار ليطور ويحول ويغير ويعرقل الوضع العالمي السلطوي القطبي الحالي من خلال مجموعة متشابكة – متكاملة – متزامنة- منسجمة – متناقضة من الحراك الدولي في إطار عنوانه الحقيقي هو (صراع أقطاب) لربما يستهدف نسف الأحادية القطبية ويهدف بالوقت ذاته إلى إيجاد حالة من التعددية القطبية، ليشهد العالم (لأجل ذلك) حصاراً اقتصادياً، وعقوبات ومزيد من العقوبات الدولية أحادية الجانب، مثل الحرب (الروسية- الأوكرانية الأمريكية الغربية)، وتصعيد حالات الفوضى والصراعات العسكرية وتحريك الأدوات الإرهابية في الكثير من بقاع العالم (ومنها في الجغرافيا الإفريقية) وجغرافية الشرق الأوسط (وفي سورية كمركز شرق أوسطي وكجزء من محور إقليمي معادي لسلوكيات ومخططات وسلطوية دول القطب العالمي الأحادي الحالي…

سلمان: أغلب الدول تمنع الاحتكار وبقوانين خاصة وتدعو للمنافسة والتنافسية وكلما ازداد مستواهما انخفضت الأسعار وقلت معدلات التضخم

كل ذلك، بحسب الدكتور فضلية، تسبب بحالات اقتصادية شاذة في كل دول العالم (تضخم، كساد، كساد تضخمي) وما نجم عنها من بطالة، فقر، جوع…الخ، ومن أهم مظاهر كل ذلك انخفاض قيم العملات الوطنية وتعثر قطاعات التجارة الخارجية

أما الدكتور حيان سلمان فقد أكد أن الأسواق العالمية تشهد ارتفاعاً كبيراً في معدلات التضخم، وخاصة بعد الحرب الروسية الناتوية على الأرض الأوكرانية وتراجع سلاسل التوريد، لا سيما في سنة /2023/ وقد أكد صندوق النقد الدولي أن سنة 2023 هي أسوأ سنة عالمية من ناحية التضخم، وبرأينا وسترتفع أكثر في السنة القادمة ، وقد لجأت الكثير من بنوك الدول الغربية بزيادة ورفع أسعار الفائدة لسحب الكتلة النقدية من السوق بهدف السيطرة على معدلات التضخم (البنك الفيدرالي الأميركي والبنك الأوروبي والإنكليزي والياباني) وغيرها.

سلمان: صندوق النقد الدولي أكد أن سنة 2023 هي أسوأ سنة عالمية من ناحية التضخم

من جهته أكد خبير إدارة المخاطر، ماهر سنجر، أنه عادة ما تتأثر الدول النامية بالتضخم الدولي أكثر من الدول المتقدمة، في ظل الأزمات الدولية سيرتفع التضخم بشكل عام وبالأخص في الدول النامية لعدة أسباب أولها انخفاض مرونة النظم الاقتصادية بما فيه السياسة النقدية لدى هذه الدول وضعف الأدوات المستخدمة لإنجاح هذه السياسة واللجوء إلى الوصفات الدولية التي لا تتناسب وخصائص هذه الدول في معظم الأحيان.
ولفت إلى أنه بشكل أو بآخر ستستمر أسعار السلع الغذائية بالارتفاع نتيجة لحساسية قيم هذه المنتجات تجاه حالات عدم الاستقرار ودورها في الأمن الغذائي العالمي إضافة لاستخدامها للرفع من درجات التفاوض وتحقيق مكاسب استراتيجية وكذلك الأمر بالنسبة لحوامل الطاقة.

مقترحات
أما بالنسبة لسورية، حسب فضلية، فقد أصيبت وعانت وتضررت داخلياً، من كل تلك العوامل السلبية الخارجية العالمية والإقليمية؛ السياسية والاقتصادية والعسكرية العالمية، إضافة إلى تضررها من العوامل والظروف الداخلية السلبية التي فرضت عليها من الخارج، وإضافة إلى الحالة السلبية الداخلية (وهذا هو الأهم لمتابعته ومعالجته اليوم)، والمتمثلة بالخلل والارتباك الإداري والإجرائي الذي لم يستغل ما كان وما زال ممكناً للتخفيف من التحديات الاقتصادية المعيشية، مع التنويه في الختام إلى أن معالجة ذلك من خلال التحرك الداخلي الحكومي التشريعي الإجرائي التنفيذي الإيجابي الإصلاحي التقويمي، ما زال ممكناً وضرورياً ومطلوباً رسمياً وشعبياً… ونرى أن يتم ذلك في إطار مبادئ وقناعات تتمثل بأن الليرة السورية (والقوة الشرائية والمستويات المعيشية) تكتسب قوتها من قوة الاقتصاد، وأن القطاع الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي (بالتوازي وإلى جانب القطاع الصناعي التحويلي) هو قاطرة النمو والتنمية الممكنة في اقتصاد الجمهورية العربية السورية، وأن البركة في الاقتصاد عموماً وبمستوى حياة أفراد المجتمع خصوصاً؛ تكون… بأن يأكل مما يزرع وأن يلبس مما يحيك بنفسه ويصنع..

سنجر: ضرب الاحتكار والتركيز على إنشاء الصناديق الاستثمارية لدعم سياسة رفع سعر الفائدة

أما وجهة نظر الدكتور حيان سلمان فتؤكد أنه لتقليل معدلات التضخم في سورية، يمكن القيام بإجراءات سريعة، أهمها، الاهتمام بالإنتاج وخاصة الزراعة والصناعة واستغلال كل م2 وطاقة إنتاجية متاحة وتفعيل العلاقة بين الزراعة والصناعة بحيث تكون مخرجات الزراعة من الخضار والفواكه وغيرها مدخلات للصناعة ومخرجات الصناعة من أسمدة ومبيدات وجرارات مدخلات للزراعة، وربط الرواتب والأجور مع الإنتاجية والمردودية، بحيث يكون مقابل كل وحدة نقدية قيمتها من السلع والخدمات المنتجة لتقليل الفجوة التسويقية أي الفارق بين العرض الكلي والطلب الإجمالي، كذلك إلغاء الاحتكار وتعزيز المنافسة والتنافسية، وربط السياستين النقدية والمالية بحيث تخدمان العملية الإنتاجية، إضافة إلى معالجة أسعار الصرف والعمل لزيادة الاحتياطيات النقدية من خلال زيادة الصادرات وترشيد المستوردات وبالتالي تعديل وتحسين واقع الميزان التجاري، وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة وربط إنتاجها مع متطلبات السوق، ودراسة العلاقة التوازنية بين الكتلتين النقدية والإنتاجية، ومحاربة الفساد بل منظومة الفساد.
وكذلك بحسب سلمان يجب تحسين المنظومة الإدارية وعدم تقاذف التهم وأن يرتبط الإصلاح الإداري بسلسلة القيم المضافة وتحسين الخدمات واستبعاد التكلفة التي لا تمت للعمل الإنتاجي بصلة، وأخيراً التوجه شرقاً وفك العلاقات مع الدول الغربية واعتماد سياسة (المقايضة) وتنويع سلة العملات وخاصة للعملات التابعة للدول الصديقة (روبل، يوان، ريال إيراني …الخ ).

سنجر: التواصل الصحيح ما بين العامة والمصارف المركزية سيساعد على مكافحة التضخم بالشكل المطلوب

وبالتالي يبقى خيار رفع أسعار الفائدة هو أول الخيارات التي تلجأ له الدول وخاصة في الدول التي تستورد التضخم كالدول النامية التي لا تملك الإمكانيات للاستعاضة عن كثير من المنتجات المستوردة ولعدم تحقيق الأمن الغذائي في هذه الدول، فيستمر التعامل مع التضخم في هذه الدول من خلال تقليل عرض النقد والرفع من سعر الفائدة مع الضغط تجاه رفع الحماية الاجتماعية والتي يقصد بها رفع الدعم عن الفئات الأكثر فقراً بغاية تقليل أثر تقلبات سعر الصرف والصعود في الأسعار وخاصة أسعار الوقود والغذاء والأدوية.
في حين انطلق خبير إدارة المخاطر ماهر سنجر، من أن التضخم العالمي هو مشكلة معلنة وبالتالي فالجميع يتوجب أن يهيئ الأدوات اللازمة مع مراعاة فروق خصائص الاقتصاد، حيث إن الأثر على الناتج المحلي الإجمالي للدول سيتفاوت بحسب طبيعة كل دولة فمن المفترض الاتجاه نحو توسيع برامج الحماية للفئات الأضعف مع رفع معدل الإعفاءات الضريبية مقابل الحد من أرباح الشركات وتحديد الأسعار، وخاصة للشركات الغذائية وذات الإنتاج الاستهلاكي، وضرب الاحتكار والتركيز على إنشاء الصناديق الاستثمارية لدعم سياسة رفع سعر الفائدة، وتقليل الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك وتخفيض الاستيراد مقابل التصنيع وخلق الإيرادات الحقيقة وتقديم التسهيلات اللازمة لتسهيل وتسريع توريد مواد الإنتاج بأي طرق ممكنة، (حيث من الممكن لأي دولة توسيع مفهوم المناطق الحرة لتكون على كامل المساحة الجغرافية للبلد) لتكون قادرة على تلبية الطلب لحين ارتفاع معدل الإنتاج المحلي كبديل عن السلع المستوردة ومحاولة سد ثغرات الإنفاق الكبير كم حصل في حالة الوباء من خلال محاولة الحفاظ على مجتمع صحي وتقديم الرعاية الصحية اللازمة.
وختم سنجر، بأن كل ما سبق لا يعفي البنوك المركزية من أن تكون منبراً لنشر الثقافة وتوجيه العامة نحو المطلوب القيام به بغاية تقليل التضخم والتعامل معه، فالتواصل الصحيح ما بين العامة والمصارف المركزية سيساعد على مكافحة التضخم بالشكل المطلوب.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار