الإلزام والاختيار

من بلد اغترابها تحدّثت إلي! كانت تضع صورتها على صفحتها وهي بملابس الزفاف الذي تمّ منذ أكثر من عام وتبدو نضرةً وسعيدة، وفي تواصلها معي قالت إنها رتبت حياتها كما تمنت لكنها تشعر الآن وهي بعيدةٌ عن الأهل والأقارب ونمط التواصل الحميم مع الأمكنة وأصحاب هذه الأمكنة واتساع أوقات الوحدة، أنها بحاجة للمطالعة! أما المعضلة التي واجهتها فهي ماذا تقرأ! هي تريد أن تتخطى مرحلة التجريب وتضييع الوقت في البحث عن أمهات الكتب!
كان السؤال بالنسبة لي مفاجأة فيها شيء من الصدمة، لأنني أُعطيتُ الاختيار لأستخدمه في الإلزام، كما اكتشفت أن للقراءة سيرةً ذاتية كصاحبها وهي ليست مطلَقةً من دون خصوصيات، وإذ كنت قد وجدت الخلاص في المطالعة منذ تعلمت الحرف من فوضى الكون وصعوبة المرور فيه بكل زحامه، فقد اتضح لي الطريق، تماماً كطريق الفلاح في حراثة أرضه وبَذْرها، استدللتُ على النوع المحبب من القراءة، وصرتُ أنهي الرواية وعيني على سيرة ذاتية لكاتب غير كاتب الرواية، وأنهي ديوان الشعر وعيني على مجموعة قصصية، وحين يصفو الذهن مع صفاء ظروف الحياة، أنتقل إلى البحوث والدراسات وكتب التراث، فمن المبهظ أن يأخذ القارئ كتاباً ليس فيه ما يهواه، بل هو يشبه “الأشغال الشاقّة” التي تُفرَض على المحكوم، لكن هل نجوتُ من هذا الإلزام؟
بعضُ سكان كوكب الكتابة يُكَلَّفون بقراءة “المخطوطات” على سبيل التقييم لإجازة طبعها وهنا يكون الإلزام الذي يخلو من متعة السّهو والتجاوز المزاجي! هنا تكون القراءة متفحّصة كما يفعل الطبيب في قراءة الصورة الشعاعية، فهو لا يرى البدن بتكوينه وجمالياته وملابسه، بل يبحث عن المرض ليشخّصَه ويصف الدواء! هنا التنبه للأخطاء في التسلسل والصياغة والمفردات وما هو مخبوء أيضاً من رسائل أبعد من النصّ الظاهر، لأن المطلوب من القارئ عدةُ تقييمات: المستوى الفكري، المستوى الفني، المستوى اللغوي، وهي طلبات ملزِمة لقارئ المخطوط بحيث لا تُدرَك حقيقةُ غياب المتعة عند القارئ المتحفّز للبحث عن السلبيات قبل الإيجابيات، وفي القراءة الممتعة تكون الصلة مع الكاتب سلسة تكاد تلمس يدَه تحبُّباً، بل وتبتعد عنه قليلاً للمس أيادي من قرأه واستمتع بقراءته، أما الإلزام فيذهب باتجاه إيقاظ كل ملكات المحاسبة والترصد والتقطير والتأطير، وقلما تأتي المتعة مع قراءة المخطوط لأن الكاتب يجب أن يكون قد وضع نصّه على جمرٍ هادئ ليعرف بخورُه كيف يترك سحائب في أنفاس قارئه!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
مؤتمر جمعية عمومية القدم لم يأتِ بجديد بغياب مندوبي الأندية... والتصويت على لا شيء! الرئيس الأسد يؤكد خلال لقائه خاجي عمق العلاقات بين سورية وإيران وزير الداخلية أمام مؤتمر بغداد الدولي لمكافحة المخدرات: سورية تضطلع بدور فعال في مكافحة المخدرات ومنفتحة للتعاون مع الجميع الرئيس الأسد يؤكد لوفد اتحاد المهندسين العرب على الدور الاجتماعي والتنموي للمنظمات والاتحادات العربية عقب لقائه الوزير المقداد.. أصغير خاجي: طهران تدعم مسار الحوار السياسي بين سورية وتركيا العلاقات السورية- الروسية تزدهر في عامها الـ٨٠ رئاسيات أميركا ومعيارا الشرق الأوسط والاقتصاد العالمي.. ترامب أكثر اطمئناناً بانتظار البديل الديمقراطي «الضعيف».. وهاريس الأوفر حظاً لكن المفاجآت تبقى قائمة دور المرأة المقاومة في تعزيز الانتماء وتحصين الهوية الإنهاك الحراري.. خطوات سريعة لتبريد الجسم ونصائح للوقاية في حرارة الصيف المرتفعة في قراءة للمرسوم التشريعي لذوي الإعاقة.. المحامي الداية: المرسوم مهم جداً بدليل إحاطته بأدق التفاصيل اليومية لهذه الشريحة.. وسيحقق الأهداف المرجوة شريطة تطبيق العقوبات للمخالفين