بالعين المجرّدة…أطفال بين براثن التكنولوجيا الغادرة …استسهال الأهل وتنصيبهم أجهزة الاتصال بديلاً عنهم يتوعّد جيل بأكمله..
تشرين – إلهام عثمان:
سابقاً كان الطفل يقضي وقته في نشاطات مختلفة بين لعب وضحك وتفاعل جميل و مثمر مع أفراد محيطه, فينمو ويكبر بالشكل الطبيعي بعقل وبدن سليمين, إلى أن طالته خطا التكنولوجيا، فلم يفر من بين أصابعها حيث جعلته أسيرها لوقت طويل يمضيه معها خلال يومه, فأجهزة الاتصال اللوحية واللابتوبات لم تعد حكراً على البالغين, الذين يستخدمونها للعمل أو التسلية, بل بات مشهد غياب الطفل عما حوله مشهداً مألوفاً, وهو يسرح في خياله داخل العالم الكبير المختبئ خلف تلك الشاشة الصغيرة, غير مكترث بما يدور حوله رغم حبه له سالفاً, فلم يعد معظم أطفال اليوم يمرحون ويلعبون أو يهتمون للطيور والحيوانات الأليفة التي رافقت مخيلتهم وأيامهم كما كنا.
لكل شيء وجهه المظلم.. مخاطر جسدية وعقلية من الأجهزة الذكية على أطفالنا
كيف لا .. وقد استعمرت تفكيرهم أجهزة ووسائل الاتصالات بأنواعها، فأضحوا رفاقاً ملازمين للأطفال لا يفارقونهم في ليلهم ولا نهارهم حتى وقت النوم, فهذه الأجهزة الصغيرة التي تتسلل إلى حياتهم برقة، وتمتدح على أنها “العالم في راحة يدك” لها سلبياتها “فليس كل ما يلمع ذهب”, إنها حقاً ثورة في عالم الاتصال، إلا أنه لكل شيء وجهه المظلم.
ظاهرياً فوائد تلك الأجهزة كثيرة ومتعددة, فهي تعزز قدرات الأطفال العقلية والإبداعية، وتفتح لهم أبواباً لعالم المعرفة والتعلم, كما أنها تسهل التواصل والتفاعل مع الأصدقاء والعائلة، بل وتوفر لهم مساحة آمنة للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم, ومع ذلك تبقى الصورة ناقصة، فما يختبئ خلف الستار بعيد المدى تظهر آثاره لاحقاً للأسف..
اختصاصية اجتماعية: تغييرات في كيمياء الدماغ “إفراز الدوبامين” بسبب الأشعة الزرقاء
فالكثير من الأمهات والآباء باتوا يعتقدون أن وجود أجهزة الاتصالات نعمة تستحق الشكر، لأنه يخفف من ضجيج أطفالهم أو يحد من طلباتهم البريئة ويلهيهم حتى يتفرغ الأهل لأعمالهم أو تساليهم..!
حتى في الروضة
معلمة إحدى الروضات أسيل عمران تكلمت لـ”تشرين” بنوع من الحزن عن الجيل الجديد من الأطفال، إذ من المتوقع أن الروضات توفر لهم بيئة جديدة غنية بما يشغلهم كالتعرف واللعب مع أقرانهم أو تعلم شيء جديد، لكن للأسف، تضيف عمران، فإنهم يبدؤون يومهم بالبكاء رغم محاولاتنا المضنية لتأمين ما يشغلهم ويعلمهم، لكن (عبث)، فلا يشعرون بالأمان والراحة إلا عندما نشغل لهم أغاني دارجة على وسائط التواصل الاجتماعي، وهذا أمر خطير يحرمهم من أن يعيشوا طفولتهم وأن تنمو عقولهم، ويمنعنا كأساتذة من أن نستكشف خباياهم ومواهبهم المغمورة.. وهنا تظهر المشكلة.
وتعود لتضيف: عندما نتواصل مع أولياء أمورهم لفهم أساس المشكلة والتعاون لإيجاد حل, نجدهم لا يكترثون، مادام أطفالهم بخير، كما يظنون.
الخطيب: غياب الوالدين قد يعرض الطفل للمضايقات و يجعل منه فريسة سهلة للمجرمين الإلكترونيين
من جهتها تؤكد زميلتها ليلى حسن أنهم، كمعلمين، فقدوا الأمل من بذل الجهود في سبيل تعليم الأطفال، فأصبحت جهودهم تتركز على تأمين الأغاني وما يدمن عليه الأطفال من برامج منتشرة في العالم الأزرق، مبينة أنهم كانوا منذ سنوات يشعرون بالذنب تجاه هذا الجيل، لكن غياب العامل الأهم المساعد لهم وهو جهود الأهل في المنزل خفف من عذاب ضميرهم، مادام أن أكثر الناس اهتماماً بمستقبلهم لا يكترثون…
رأي أسري
في حين تبين فاديا سلوم وهي أم عشرينية لطفلين أن ارتباط أطفالها بالموبايل لا يمكن وصفه بالإدمان، فهو وسيلة للتعلم وتنمية القدرات للتأقلم مع ما يجري في هذا العالم، لأن الجوالات لم تعد وسيلة للتواصل أو اللعب فهي وسيلة لكسب الرزق، لكن على الأهل أن يختاروا بعناية ما يناسب الفئات العمرية لأبنائهم وأن يبقوهم تحت رقابتهم ويوجهونهم بما يفيدهم، لذا فلا تجد ضرراً من ذلك.
ويخالفها أبو أحمد -أعمال حرة- هذا الرأي، معتبراً أن استسهال زوجته تربية الأطفال على هذا النمط وتركهم بين براثن أجهزة الاتصال، أمر فيه الكثير من الخطأ بحق أولاده وهذا ما يولد الكثير من المشاكل بينه وبين زوجته، لاسيما عندما يعود للمنزل وكله شوق للقاء أطفاله بعد يومه الشاق والطويل، ليجد طفله ممسكاً بالجوال غير مكترث بما أحضره من تسالٍ أو فاكهة, ولم يرحب الطفل بقدوم والده، فيشعر الأب بأن تعبه وشوقه ذهبا مع الريح، وهذا في رأيه أمر غاية في الخطورة لأنه يفقد الأسرة أهم ميزاتها ألا وهو اللحمة الأسرية، متمنياً أن تلتفت زوجته إلى ما يشعر به.. لكن هل من مجيب؟.
خبيرة أسرية: الدماغ يعطي إشارة إلى إرهاقه من خلال ضربه لـ3 مراكز مهمة
فوائد محتملةعلاقة الجيل الجديد بالهاتف الذكي علاقة معقدة يصعب على الأجيال الأكبر فهمها أو السيطرة عليها وفقاً للاختصاصية الاجتماعية بدور الخطيب، التي أوضحت لـ”تشرين” من خلال إجابتها عن الأضرار التي تخلفها هذه الأجهزة على الأطفال وكيفية التعامل معها، مضيفةً: ولم لا وقد فتح الطفل عينيه على الهاتف في يد والده ووالدته طوال الوقت، بل أن الكثير من الآباء يستخدمونه كوسيلة تلهية للطفل في سن صغيرة شأنه شأن الألعاب الخاصة به؛ إذ أصبح الجوال الطلب الأول للطفل، ويعتبره صديقه المُقرب منذ بداية وعيه.
وترى الخطيب أن فوائد الهاتف الذكي تكمن في كونه وسيلة هامة للتواصل الأهل مع الطفل في حالة تواجده خارج المنزل مع أصدقائه أو في رحلة مدرسية وغيرها من الحالات التي تضطر لتركه فيها، أيضاً الهاتف وسيلة أمان للطفل لطلب النجدة والعون في حالة مواجهة أي مشكلة وهو أمر لا يُستهان به.
كذلك امتلاك هاتف في سن صغيرة يوسع مدارك الطفل ويجعله أكثر اتصالاً بالعالم الخارجي والتكنولوجيا ما يفتح أمامه فرصاً ومجالات كثيرة للمستقبل.
ولا نغفل عن أهمية الهاتف في العملية التعليمية من خلال الإنترنت عبر المواقع التعليمية وحتى المواقع الإخبارية وغيرها من المصادر التي تقدم معلومات تساعد الطفل على إدراك العالم وتنمية مهاراته.
حتى الألعاب والتطبيقات التي قد تجذب انتباه الطفل إذا تم إدارة علاقته بها تطويرها بشكل جيد قد تُصبح هذه فرصة جيدة له لاكتشاف مهاراته والكسب منها في المستقبل.
أخطار محدقة
ومقابل النقاط الإيجابية التي ذكرتها الخطيب في الأعلى والتي تجعل علاقة الطفل بالهاتف وردية، لكن لها الكثير من السلبيات كإدمان الهاتف الذكي وهنا قد يصل الأمر إلى نفس مرحلة إدمان المخدرات، مثل غيره من أنواع الإدمان, واضطرابات النوم لأن الضوء المُنبعث من الأجهزة الرقمية يتمتع بطول موجي قصير، لذا فهو يحتوي على تركيز أعلى من الضوء الأزرق مقارنة بالضوء الطبيعي. ويؤثر الضوء الأزرق هذا بالسلب على مستويات هرمون الميلاتونين الذي يحفز النوم، فالبقاء أمام شاشة الهاتف لوقت طويل يُحدث تغييرات كبيرة في كيمياء الدماغ، وعلى الأخص في إفراز الدوبامين- المعروف أيضاً باسم مادة المتعة الكيميائية – وهو أساسي للإدمان بأنواعه بداية من إدمان السكر إلى الكوكايين.
وتعرض الطفل لشاشة الهاتف قبل النوم يُسبب اضطراباً في النوم وأرقاً بسبب الخلل الذي يُسببه ضوء الهاتف وتأثيره على هرمون النوم، والاستخدام المُكثف للهاتف.. قد يؤثر في تطور الطفل، إضافة إلى أخطار أخرى قد لا تكون بالحسبان نتيجة الإفراط في استخدام الطفل للهاتف الذكي.
وعبر الإنترنت قد يتعرض لمضايقات ويقع ضحية للمجرمين الإلكترونيين في حالة غياب الوالدين وعدم وجود مراقبة وتوعية كافية وحماية من الآباء للأطفال الأصغر سناً.
التأثير النفسي والجسدي
من جهتها أوضحت الدكتورة مريم الحاج عثمان خبيرة في التربية والإرشاد الأسري في تصريح لـ”تشرين” أن منظمة الصحة العالمية بعد دراسة مطولة حول تأثير الأجهزة اللوحية على الأطفال.. تؤكد هذه الدراسات أنه يمنع منعاً باتاً على الأطفال تحت عمر 3 سنوات أن يتعرضوا لأي نوع من تلك الشاشات الذكية، لما لها من تأثير سلبي على الصعيد النفسي و نمو الطفل وذكائه.
أما بالنسبة للأطفال الأكبر سناً تقول الحاج عثمان: يجب أن يكون استخدام الأطفال لأجهزة الاتصال قليلاً ومحدوداً جداً وبعدد معين يناسب عمره وهذه تكون مهمة الأهل.
ما الذي يجري عند ملازمة الطفل الأجهزة الذكية؟..
يسبب مشاكل متعددة أهمها الإدمان، وحسب رأي عثمان تزداد موجات الدماغ نتيجة التركيز العالي جداً، ما يؤدي لإرهاق الدماغ الذي لا يعطي إشارة على إرهاقه، فالجسم عند تعرض عضلاته للتعب والإرهاق يقوم بتنبيه الإنسان بذلك نتيجة مجهود عضلي تعرض له، فيسعى تلبية لذلك التنبيه للراحة على عكس الدماغ الذي لا نشعر بإرهاقه، إلا أنه يعطي إشارة على إرهاقه من خلال ضربه لـ3 مراكز مهمة في الدماغ ألا وهي الذاكرة- التركيز- الانتباه، وهذه المراكز الثلاثة يحتاجها الطفل في حياته لتكوين خبرات مجتمعية وحياتية أضف للتحصيل العلمي ومدى تأثيرها..
تأثيرها على الصعيد النفسي.
الحاج عثمان: الموجات الكهرومغناطيسية تسبب الاكتئاب عند الأطفال
بعض الأمهات لهروبهن من ضجيج الطفل أو لانشغالهن بأشياء أخرى أو كونهن ربات منزل، فهناك مسؤوليات أخرى تناديهن مثل إعداد الوجبات أو تنظيف المنزل وغيرها من تلك الأمور، أو أحياناً لالتزامهن بوظيفة ما, وكحلّ بديل يلجأن لأجهزة الاتصال لإسكاته، حسب رأي الحاج عثمان، فيدمن الطفل عليها ليخرج شخصاً انطوائياً ومتقوقع على ذاته منفصلاً ومنعزلاً عن العالم الحقيقي, ملتحماً بعالمه الافتراضي.وتضيف الحاج عثمان: فيصبح الطفل عنيفاً ومتوتراً وسريع الغضب, كيف لا، وهو يشاهد تلك الألعاب الإلكترونية سواء على اليوتيوب أو التيك توك والتي لا نعرف محتواها أساساً وما تبثه في عقول أطفالنا وخاصة الصغار منهم، كما أنه ونتيجة لقلة حركة الطفل يصبح لديه خمول في الدماغ، حيث إن الحركة والمجهود البدني يحفزان الخلايا الدماغية، ما يزيد الخبرات المختلفة لديه.
المشاكل العضوية
نتيجة استخدامه لإصبعيه السبابه والإبهام، يصبح لدى الطفل ارتخاء بهما من وجهة نظر الحاج عثمان، فلا يستطيع استخدامهما في مسك القلم أو في الطعام وإن كانت متواجدة تتواجد بطريقة مشوهه وأصغر من عمره العقلي فيصبح بحاجة للمساعدة من الأهل، أما مشاكل العين فهي كثيرة أهمها جفاف و ارتخاء العين, أضف لتشوه في العمود الفقري والرقبة.
خطورة الأشعة
أما عن خطورة الأشعة بينت الحاج عثمان أن الخطورة تكمن في الأشعة الصادرة من تلك الأجهزة، فتؤثر في إفراز هرمون الميلاتونين, الذي له دور أساسي في التحفيز وطريقة النوم عند الطفل وخاصة الأصغر سناً, فتلك الموجات الكهرومغناطيسية لها دور أيضاً في دخول الطفل في مرحلة الاكتئاب التي أضحت واضحة عند بعض الأطفال، وقد تستوجب للعلاج النفسي إذا ما وصلت لمراحل اكتئاب متقدمة، مع ملاحظة زيادة العنف لدى الأطفال نتيجة لتقليدهم لألعاب إلكترونية معينة فيصبح الطفل غضوباً جداً فينفس الطفل عن غضبه بطرق غير لائقة اجتماعياً أو دينياً أو حتى ثقافياً.
كيف نحمي أطفالنا؟
فكرة منع الطفل من استخدام الهاتف ليست حلاً للمشكلة، حسبما ذكرت الاختصاصية الخطيب، بل قد تكون أسوأ قرار تتخذه لأنك هنا ستتسبب في أزمة مع طفلك سواء كان يمتلك هاتفاً بالفعل أو لم يحصل على هاتف ملكه بعد.
فلا يُمكن أن تعزل ابنك عن العالم والتطور التكنولوجي الذي يُحيط بك وبه في كل مكان، وإن فعلت فإنك قد تضره أكثر مما تنفعه. وهنا يأتي دورك الحقيقي كمسؤول عن طفلك لتدير علاقته بالهاتف الذكي والتكنولوجيا الحديثة حتى يأخذ منها ما يفيده وتقيه شر الوقوع في ظلماتها.
مشيرةً إلى أن التحكم في وقت استخدام الطفل للهاتف أول وأهم خطوة لتجنب مخاطر الهواتف التي ذكرناها، بداية من الأطفال أقل من عامين فيُجمع الخبراء والأطباء على ضرورة بقائهم بعيداً عن الشاشات سواء هاتف ذكي أو تلفاز أو أي جهاز مُشابه.
أما الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 2 إلى 5 سنوات فيُمكنهم استعمال الشاشات لمدة لا تتجاوز ساعة واحدة في اليوم. والأطفال من عمر 5 إلى 18 سنة فلا يجب أن يقضوا أكثر من ساعتين في اليوم أمام الشاشات.
في المحصلة
لكل شيء سلبيات وإيجابيات، لكن الملاحظ في مجتمعنا أن جهاز الاتصال الذكي لم يعد مجرد عضو فاعل من أعضاء الأسرة، إنما عضو من أعضاء الجسم لدى أطفالنا كما هو لدينا، لذلك فمن المؤكد أن الأضرار ستكون حتماً أكبر وأعمق من المنافع وبشكل خاص على تربية أطفالنا وعلاقتهم بمجتعهم وأهلهم، والشواهد في هذا المجال نراها جميعنا في بيوتنا وعلى مرأى من أعيننا وأحيائنا وفي كل مكان.