ملف «تشرين».. الحرب التي ما زالت تغير وجه المنطقة؟!
تشرين – وائل الأمين:
بعد خمسين عاماً على نصر تشرين، ما زالت بعض التفاصيل تقع تحت بند السرية لدى الاحتلال الإسرائيلي، خاصة تلك التي تثبت فشل جيشه في التصدي لأبطال العرب، هذه الحرب التي غيّرت وجه الشرق الأوسط في التاريخ الحديث.
قبل حرب تشرين التحريرية، استطاع الكيان الإسرائيلي أن يروج لجيشه على أنه قوي لا يقهر، لدرجة أن وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر قال: لم نتوقع أن تقوم مصر وسورية بهجوم، مضيفاً في مقابلة له نشرتها صحيفة «جيروزاليم بوست»: «إن فريق الخارجية الأمريكية المكلف في شؤون الشرق الأوسط أعتقد أن الإسرائيليين سيهزمون العرب في غضون ساعات، كنا نظن أن الجيش الإسرائيلي سيصل الإسكندرية قبل أن تطأ أقدام الجنود المصريين سيناء»، هذه النظرية السائدة كانت قبل السادس من تشرين الأول 1973، لكن عندما بدأت ساعة الصفر استطاعت القوات المصرية اجتياز خط بارليف بالتوازي مع دخول طلائع الجيش السوري إلى هضبة الجولان وصولاً إلى بحيرة طبرية.
شكل هذا التقدم العربي صدمة لدى القادة في كيان الاحتلال وحتى في الغرب، يقول كيسنجر: «لقد ذُهلت الحكومة الإسرائيلية، وكان وزير الدفاع موشيه ديان، ورئيسة الوزراء غولدا مائير، على وشك الانهيار».
من يقرأ تصريحات ثعلب السياسة الأمريكية يعرف مدى تخبط الكيان في تلك الحرب، وخسارته المدوية، فالأرقام التي تحدّث بها كيسنجر في الأيام الثلاثة الأولى من القتال «فقدت القوات الجوية الإسرائيلية 49 طائرة وتضررت 500 دبابة في سيناء» كانت دليل على التكتيك العالي في استخدام القوة العسكرية لدى الجيوش العربية المهاجمة، خصوصاً أن الدفاعات الجوية العربية استطاعت إذلال الطيران الصهيوني، باستخدام الدفاعات الجوية من طراز SA6 المصنعة في الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت، ولذلك يقول كيسنجر «صممنا منذ البداية على منع النصر العربي، الذي كنا ننظر إليه على أنه انتصار سوفييتي».
منذ خمسين عاماً يعيش الكيان في حالة من الذهول والرعب والتخبط ، ومع كل ذكرى لحرب تشرين، ترتعد قلوب الإسرائيليين الذين شاركوا في الحرب خوفاً، حيث يقول المؤرخ العسكري والمراسل الحربي الصهيوني زئيف شيف: إنّ «الصهاينة فشلوا استخباراتياً في توقع الهجوم وأن العرب نجحوا في خداع «إسرائيل»، هذا الخداع الذي أسقط أسطورة الجيش الذي لا يقهر، ومعه سقطت فكرة خط بارليف الأسطوري، هذه الحرب الأولى في تاريخ «إسرائيل» التي يقوم بها أطباء نفسيون بمعالجة عدد كبير من الجنود المصابين بصدمة المعركة، وذلك يؤكد حالة الخوف الكبيرة التي استطاعت الجيوش العربية ترسيخها في عقل الصهاينة.
يعيش الكيان الصهيوني اليوم أسوأ أيامه، فالمظاهرات والتشرذم الحكومي والتخلف عن الالتحاق الجيش تسود أرجاءه، والخطر الوجودي الذي يعم الاحتلال من مظاهرات واشتباكات خير دليل على حالته، واليوم بعد نصف قرن على حرب تشرين التحريرية، فقد وحدت الحرب العرب واستطاع النفط أن يكون سلاحاً اقتصادياً بيدهم، وخسرت بورصة نيويورك 79 مليار دولار من قيمة أسهمها في الأسابيع الستة الأولى من الحرب لدرجة أن الأمريكيين فكروا في الاستيلاء على حقول النفط في الخليج بعد أن حظرت الدول العربية تصدير النفط للغرب وفق وثائق بريطانية أفرجت عنها الحكومة عام 2004.
ما أشبه البارحة باليوم، فالجيش السوري يعيد النصر على أذناب الصهاينة الذين حاولوا تدمير سورية.. وروسيا تنتصر على أمريكا في شرق أوروبا، وكأن التاريخ يعيد نفسه، فأمريكا تقاتل بالأوكرانين، والصهاينة يقاتلون بالإرهابيين، ومنذ ذلك الحين تجيد أمريكا اختلاق النزاعات والعيش على الأزمات.
سورية بعد ثلاثة عشر عاماً من الحرب انتصرت على من صنعتهم «إسرائيل»، ويمكن القول إنه بعد تلك الحرب التي خسرت فيها «إسرائيل» يومياً أكثر من 200 جندي بدأت تفكر في القتال بالأدوات، تحاول ضرب المكونات الواحدة ببعضها البعض، فاختلقت داعش والنصرة والتنظيمات التكفيرية والإخوان وغيرهم، لتشكل بيئة آمنة في محيطها، ولتكون الحلقة الأقوى في الشرق الأوسط، ولكن ما يحصل في الداخل الفلسطيني من مقاومة وعمليات يثبت للعالم أن الكيان هو كيان من ورق ليس إلّا.
اليوم بعد خمسين عاماً على نصر تشرين، يتشوق الشارع العربي لرؤية نصر جديد، نصر يعيد للأمة العربية أمجادها.. فكيف يتحقق هذا النصر من دون وحدة العرب على كلمة واحدة؟
اقرأ أيضاً: