تتعقد الأمور وتزداد صعوبة بشكلٍ خطير.. مرض نادر يكلف مصابيه الكثير بسبب تصنيع مستلزماته بشركة واحدة..
تشرين – رشا عيسى:
تتعقد الأمور وتزداد صعوبة على من يعانون سوء الامتصاص (الداء الزلاقي أو السيلياك) وسط موجة الغلاء الحالية وقلة الخيارات المتاحة أمامهم، لكون العلاج الأساسي للمرض يتطلب حمية دائمة عن الغلوتين، أيّ عن كل ما يدخل فيه منتجات القمح أو الشعير، والبدائل الأخرى سواء الجاهزة أو المُصنّعة منزلياً، في وقت يعاني فيه المرضى عدم وجود شعار خالٍ من الغلوتين على المنتجات الغذائية، وكذلك الأدوية، ويطالبون بإلزام معامل الأدوية والأغذية بوضع العلامات سواء كان خالياً من الغلوتين أو يحتوي على الغلوتين.
التكلفة المرتفعة
الداء المُشخّص طبياً عبر التحاليل الطبية، والتنظير المعوي يتطلب حمية كاملة عن الغلوتين، المُسبب الأساسي لسوء الامتصاص في هذه الحالات، وبالتالي نمط حياة غذائي جديد بات مرهقاً مادياً ونفسياً للأسر التي يعاني أحد أفرادها سوء الامتصاص وخاصة إن كان طفلاً.
ولعدم وجود علاج دوائي، فإنّ الحمية الغذائية هي العلاج الحالي ريثما يتوصّل العلماء والأطباء لأدوية علاجية ما سيخفف من وطأة تكاليف الحمية.
مرضى سوء الامتصاص يطلبون الإدراج الصريح لمكونات الدواء والغذاء المصنعين محلياً
حياة جديدة
وتقول السيدة رولا إنّها وقبل عام من الآن اكتشفت وجود المرض لدى طفلها (خمس سنوات)س، ورغم عدم وجود الأعراض لديه لكنها اضطرت لإجراء الفحوصات اللازمة بعد أن تبيّن وجود إصابة أحد أفراد العائلة باعتبار أنّ المرض له جانب وراثي.
وبدأت حياة جديدة للعائلة عنوانها الحمية، واضطرت لتغيير أدوات الطبخ والأواني للحفاظ على عدم تلوثها بالغلوتين، وبدأت بطهو الأطعمة والحلويات الخالية من الغلوتين لطفلها الذي بدأ يعتاد تدريجياً على الأمر مع المراقبة المستمرة لطعامه داخل المنزل وخارجه.
تكلفة مرتفعة
التكلفة مرتفعة جداً، كما توضّح رولا، حيث يصل سعر ربطة الخبز الخالية من الغلوتين والمصنوعة من طحائن الأرز والبطاطا إلى ١٢ ألف ليرة سورية، وتحتوي 4 أرغفة متوسطة الحجم، ويحتاج الطفل أحياناً بشكل يومي ربطة خبز وأحياناً أكثر من ذلك، و تشتري الطحائن وتقوم بإعداد الخبز في المنزل، ويبلغ سعر دقيق الأرز ٨٠٠ غرام ٢٦ ألفاً، ونشاء الذرة ٨٠٠ غرام ١٩ ألفاً، ودقيق الذرة الصفراء ٥٠٠ غرام ١٢ ألفاً، وخليط متعدد للخبز ٧٠٠ غرام ٢٥ ألفاً، لكن قلة الغاز المنزلي أيضاً قلّصت قدرتها على صنع الخبز في المنزل.
وتؤكد رولا أنّها اشترت جبنة سائلة لصغيرها مع بداية العام الدراسي، وبلغ سعرها 40 ألفاً سعة 800غرام، وقطعة دونات بـ 9000 ليرة، وشوكولا بيضاء 100غرام بـ 16500، وتعتقد أنّ هذه الأسعار مرشحة للزيادة أيضاً خلال الفترة القادمة.
السيدة رولا أكدت جانباً آخر من الصعوبة التي تواجهها والتي ترتبط بالأدوية، حيث من الصعب أيضاً معرفة الأدوية التي تخلو من الغلوتين لعدم الكتابة عليها، مطالبةً بضرورة إلزام معامل الأدوية بذلك سواء للأدوية أو للفيتامينات التي يحتاجها الأطفال بصورة عامة، مطالبةً أيضاً بالتصريح للمنتجات التي هي أساساً خالية من الغلوتين مثل الألبان والأجبان، والتصريح من قِبل المصنّعين بأنّها خالية من الغلوتين، وعدم ترك هذه المنتجات عرضة للاحتكار من قبل البعض، وهذا ينطبق على أغلب المنتجات المشابهة.
قصص مشابهة
السيدة حلا تشرح قصتها مع مرض ابنها غدي حيث كانت البداية صعبة جداً سواء بالنسبة لها لعدم معرفتها بهذا المرض، وجهلها التام به، أو بالنسبة لغدي الذي سيصبح فجأة محروماً من كل ما لذّ وطاب من أطعمة يتناولها أخاهو الصغير أو أصدقاؤه في المدرسة.
في البداية وخوفاً على غدي من عدم الالتزام بالحمية القاسية قررت عزله، وبالتالي عزل العائلة عن كل المناسبات الاجتماعية أو الاجتماعات العائلية، لأنه وببساطة وكما أوضح لي الطبيب المعالج لغدي كل ما هو طعام مجهز خارجاً أو طعام الأسواق ممنوع، كما أنّ حفلات أعياد ميلاد أصدقائه كانت مأساة بالنسبة لها خوفاً من أن يتناول قطعة الكاتو أو فطيرة تحتوي على الغلوتين.
هذه العزلة الاجتماعية سببت معاناة كبيرة لطفلها، وصلت به درجة الاكتئاب، إضافة لعصبيته الدائمة و إحساسه بأنّه ليس كبقية أصدقائه كما توضح حلا.
12ألف سعر ربطة الخبز و40 ألفاً للجبنة السائلة و 26 ألفاً لدقيق الأرز
وتبيّن أنّ الصعوبة الأكبر تكمن في عدم وجود بدائل متاحة، و إن كانت المكونات من البطاطا والذرة (وهي في طبيعتها لا تحتوي على الغلوتين) لكن يبقى ممنوعاً لمجرد احتمال أن يكون مصنعاً بآلات يتم تصنيع مواد غذائية تحتوي على الغلوتين فيها.
المعاناة تمتد لتشمل تقريباً المنتجات الغذائية كلها من الشوكولا السائلة، الألبان والأجبان الجاهزة، والتي قد يتم إضافة النشاء لها أو مواد أخرى تحتوي على الغلوتين لإعطائها القوام المطلوب أو حتى كمواد حافظة أو منكهة.
لا يوجد تصريح
وهناك الكثير من المنتجات يتعذر شراؤها لأنّ الشركات المصنعة لا تصرح بخلوها من الغلوتين، لذا حاولت الأم التواصل شخصياً مع شركات عدة لتسأل إن كانت تحتوي منتجاتهم على الغلوتين، البعض اكتفى بعدم الإجابة غالباً لعدم معرفتهم، والبعض الآخر أوضح أنّ منتجاتهم لا تحتوي على الغلوتين، وهنا توجهت لهم بالسؤال: لماذا لا يتم وضع شعار أو التصريح بأن هذا المنتج خالٍ من الغلوتين و لم تتلقَ أيّ اجابة، لتبيّن أنّ الحلم الأكبر بالنسبة لها هو تفهم الشركات المصنعة للمواد الغذائية لهذا المرض من خلال وضع تصريح يبين خلو المنتج من الغلوتين أو إمكانية احتوائه على الغلوتين أسوة ببقية دول العالم التي تعرض المنتجات الخالية من الغلوتين ضمن ستاندات في كل متجر، وعندما تتفهم الشركات المصنعة للمواد الغذائية طبيعة المرض، وتقوم بالتصريح عن منتجاتها الخالية من الغلوتين يصل لمثابة كونه عملاً مسؤولاً جداً تجاه المرضى، وتختصر عناءً طويلاً من البحث عن المنتجات المضمون خلوها من الغلوتين.
مُطالبات بإشهار شعار (خالٍ من الغلوتين) على الأدوية والمواد الغذائية
تجربة مؤلمة
فادي _ ٢٦ عاماً_ شاب مصاب بالداء الزلاقي يصف الحمية بالقاسية جداً خاصة لشاب يعيش بعيداً عن أهله، وكان يعتاد على تناول الأطعمة الجاهزة، ويوضح أنّ الصعوبة بالنسبة له ليست في قساوة الحمية فعند وجود الإرادة القوية والوعي الكافي لن تكون الحمية بهذه القساوة، لكن الصعوبة كانت في تغيير نمط الحياة بشكل كامل، حيث أصبح يتجنب الخروج مع أصدقائه لعدم قدرته على تناول الأكل خارج المنزل، وكما أنّه، وحسب طبيعة عمله، يضطر أحياناً للسفر إلى محافظات أخرى، و هنا يجد نفسه مضطراً في بعض الأحيان للصيام لأوقات طويلة، وفي بعض الأحيان وعندما يمتد سفره لأكثر من يوم يضطر لأخذ الخبز الخالي من الغلوتين لأنه غير متوفر إلّا في بعض الأماكن، وفي الكثير من الأحيان يكسر الحمية عند السفر، رغم معرفته بخطورة هذا الأمر على صحته و خصوصاً على المدى البعيد، متمنياً وجود مطعم للمأكولات السريعة يكون مختصاً بتقديم الأكل والسندويش الخالي من الغلوتين.
تشجيع المستثمرين على الاستثمار في القطاع الغذائي النظيف من الغلوتين
تشجيع الاستثمار
بدوره المهندس أحمد ٣٥ عاماً اكتشف إصابته قبل ثلاث سنوات، وأكدّ أنّه واجه صعوبة في البداية ومع الارتفاع المستمر لأسعار المنتجات الخالية من الغلوتين، مطالباً بدعم هذه الشريحة، وفتح المجال للمزيد من المستثمرين ليخوضوا غمار الاستثمار في هذا المجال، ومنح التحفيزات والتسهيلات لجلب وتشجيع المستثمرين لخوض مجال الصناعات الغذائية الخالية من الغلوتين، لكونه يحقق ربحية جيدة، وخاصة أنّ الطلب على الأطعمة الخالية من الغلوتين في ازدياد وليس فقط بالنسبة للمرضى، بل للأشخاص الذين يقررون إيقاف تناول الغلوتين بغرض إنقاص الوزن أو لأسباب صحية وجمالية أخرى، موضحاً أنّ نسبتهم تتزايد محلياً وفقاً لمشاهداته.
لا يتمكن أحمد عبر راتبه الشهري من تحمل تكاليف أغذيته الخاصة وتساعده أخته المقيمة خارج البلد على تغطية هذه المصاريف.
إشهار (خالٍ من الغلوتين)
وشرح تجربته الصعبة مع معرفة بعض أنواع الأغذية التي يمكنه تناولها حيث لا يُكتب على المصنعات الغذائية ذلك صراحة، مطالباً أيضاً بإلزام معامل الأغذية بإشهار ذلك بشكل صريح على غرار الدول الأخرى التي من السهولة معرفة محتويات المواد الغذائية من خلال الاطلاع على ما هو مكتوب عليها.
وحتى الآن لا يوجد دعم حكومي لهذا النوع من الغذاء، والمساعدات خجولة جداً من الجمعيات النادرة المعنية بهذا الشأن، ما يسبب ارتفاعاً مستمراً بهذا النوع من الغذاء.
مناعي ذاتي
الدكتور جاد عمار _ اختصاصي هضمية _ بيّن لــ”تشرين” أنّ الداء الزلاقي (سوء الامتصاص) أو ما يعرف بالسيلياك هو مرض مناعي ذاتي يحدث عند المرضى نتيجة تناول الغلوتين، وهو عبارة عن بروتين موجود بشكل رئيسي في القمح و الشعير.
ويحدث عند هؤلاء المرضى ارتكاس مناعي عند تناول أيّ مادة تحتوي على الغلوتين، حيث يقوم الجهاز المناعي بإنتاج الأضداد التي تهاجم و تخرب الزغابات المعوية المسؤولة عن امتصاص الطعام، ما يسبب تسطحها وعدم قدرتها على امتصاص المواد الغذائية، وبالتالي عدم الاستفادة من القيم الغذائية الموجودة فيها.
(المرضى الصامتون)
وأوضح عمار أنّه مرض يتم تشخيصه بشكل رئيسي عند الأطفال تحت العشر سنوات نتيجة ظهور الأعراض الهضمية لديهم مثل الإسهال والآلام البطنية وتطبل البطن، لكن من الممكن تشخيصه بأي عمر خصوصاً أن بعض المرضى قد لا تظهر لديهم هذه الأعراض الهضمية الواضحة، وهؤلاء يعرفون بالمرضى الصامتين و تقدر نسبتهم بثلث المرضى حيث تتأخر عندهم الأعراض و قد تسبق لديهم اختلاطات المرض أعراضه.
مرض مناعي ذاتي يحدث عند المرضى نتيجة تناول الغلوتين وهو عبارة عن بروتين متواجد بشكل رئيسي في القمح و الشعير
وعن التشخيص تحدّث عمار أنّه يتم تشخيص الداء الزلاقي من خلال إجراء بعض الفحوص المخبرية، ومن ثمّ إجراء التنظير الهضمي، وأخذ خزعات من الأمعاء وبذلك يتم تأكيد المرض.
مضاعفات خطرة
وبالنسبة لخطورة هذا المرض شرح عمار أنّ الخطورة تكمن في المضاعفات التي تحدث لاحقاً نتيجة الاستمرار بتناول الغلوتين، و منها تأخر النمو عند الأطفال، فقر الدم بعوز الحديد، عوز بعض العناصر الغذائية و الفيتامينات و بشكل خاص الكالسيوم و فيتامين (دال)، و ما ينتج عن ذلك من تلين عظام عند الأطفال أو هشاشة عظام عند الكبار، و إذا ما استمر المريض بتناول الغلوتين لفترات طويلة قد يؤدي ذلك لحدوث بعض أنواع اللمفوما و بشكل خاص لمفوما الأمعاء.
واحد في المئة عالمياً
وتقدر نسبة الإصابة بالداء الزلاقي عالمياً بـواحد بالمئة، علماً أنّ بعض الدراسات العالمية تشير إلى أنّ فقط ثلث المصابين قد تم تشخيصهم بالفعل، و هذا المرض يتم توريث الجين المسؤول عنه لذلك عندما يكون أحد أفراد العائلة مصاباً بالمرض، فإنّ احتمال إصابة أقارب الدرجة الأولى (أب, أم, أبناء،إخوة) ترتفع عشرة أضعاف كما يؤكد عمار.
اختصاصي يحذر من الغلوتين المخفي ..ولا احصائيات لعدد المرضى على غرار أي مرض هضمي
لا علاج دوائياً
وعن العلاج المتبع للسيطرة على المرض، أكدّ عمار أنّه ورغم الأبحاث الدوائية المستمرة، إلّا أنّه لا يوجد علاج شاف من الداء الزلاقي حتى الآن، والعلاج يكون من خلال الابتعاد عن مسبب المرض وهو الغلوتين من خلال حمية قاسية خالية من الغلوتين تماماً، حيث يمنع تناول أي غذاء يحتوي على الغلوتين حتى لو كان بكميات قليلة جداً.
الغلوتين المخفي
و تكمن الصعوبة في الحمية لكون الغلوتين يوجد في العديد من المواد الغذائية بشكل مخفي مثل بعض المواد الحافظة و المنكهات والملونات التي يتم استخدامها في الصناعات الغذائية، كما أن السواغات التي تستعمل في تصنيع الأدوية بعضها قد يحتوي على الغلوتين، إضافة إلى ذلك قد لا يدخل الغلوتين في تركيب المادة الغذائية إلّا أنّ هذه المادة الغذائية من الممكن أن تحتوي على الغلوتين نتيجة تصنيعها في مكان تُصنع فيه مواد غذائية يدخل الغلوتين في تركيبها، و هو ما يسمى التلوث بالغلوتين، و كمثال بسيط على ذلك، فإنّ البطاطا المقلية بحد ذاتها لا تحتوي على الغلوتين، إلّا أنها قد تكون ملوثة بالغلوتين نتيجة قليها بالزيت نفسه الذي تمّ قلي الخبز أو البروستد أو الكبة المصنعة من البرغل أو البرك وكل هذه المواد تحتوي على الغلوتين، ومن هنا تأتي أهمية الطلب من شركات الأدوية و الشركات المصنعة للمواد الغذائية أن تضع شعار خال من الغلوتين على منتجاتها التي تضمن خلوها من الغلوتين ما يخفف العبء الكبير على المرضى وأهاليهم وفقاً لعمار.
تجارب لم تكتمل
السيد مروان حاول الخوض في مجال تصنيع المنتجات الخالية من الغلوتين، لكن وجد شروط التصنيع صعبة وخاصة أنها تحتاج إلى تخصص تام على حد قوله، وأسس مصنعاً لهذه الغاية واستورد المواد اللازمة، ورغم أن منتجاته نالت رضا الزبائن لكنها كانت مكلفة على الطرفين، ولم يستمر بهذا العمل رغم اقتناعه بأنه مثمر، وخاصة إن تم العمل عليه بشكل صحيح.
لا إحصائيات لأعداد المرضى
بدورها مديرة الشؤون الصيدلانية في وزارة الصحة الدكتورة ضحى آدم أوضحت لــ”تشرين” أنّ المرض يتحول لطبيب هضمية على غرار أي مرض آخر، مشيرة إلى عدم وجود إحصائيات لأعداد المرضى محلياً على غرار أي مرض هضمي آخر.
وبالنسبة لإلزام معامل الأدوية بإظهار شعار خالٍ من الغلوتين على الأدوية، أكدت آدم أنه في حال وجود الغلوتين فإنه يذكر بشكل صريح ضمن النشرة الداخلية “كسواغ”، ووفقاً للمشابهات العالمية المعتمدة والأدوية المستوردة فلا يصرح بها على العبوة الخارجية حيث أن الغلوتين مصدره القمح الذي لا يستخدم بشكل عام في الأدوية وفقاً لآدم.