في «دار الأوبرا» بدمشق الرباعي الوتري «كوميتاس» القادم من أرمينيا أداءٌ متميّزٌ لأعمال موسيقيّة كلاسيكيّة متنوّعة
تشرين- إدريس مراد:
لعل أجمل ما قدم في الأمسية التي أحياها الرباعي الوتري «كوميتاس» القادم من أرمينيا مؤخراً في دار الأسد للثقافة والفنون- أوبرا دمشق، هو عمل «المنمنمات الأرمنية» وهو مقطوعات مختارة من أربع عشرة أغنية للأب الروحي للموسيقا الأرمنية «كوميتاس» الذي سمي الرباعي باسمه، وتعود جمالية هذا العمل لعدة أسباب، منها لكون العمل كتبه وجمعه كوميتاس الذي وضع الأساس لأسلوب الموسيقا القومية في أرمينيا، وتتميز تدوينات هذا العبقري عن بقية التدوينات، لكونها جاءت بأسلوبه وطابعه الخاص، وذات صدق وأمانة، ربما لأنه كان يعتمد على أسس عميقة وإظهار أنموذجية اللحن، كما توصف مدوناته بأنها قومية تراثية، ولا ترسم فقط قشور النغم وقالب الأغنية، بل تعيد إنتاج الكيان الحقيقي لمضمون اللحن، والسبب الآخر يكمن في إبداع صياغة هذه المقطوعات من قبل الموسيقي «سيرغي زاخاروفيتش أسلامازيان» أحد مؤسسي الرباعي، وعضو فيه كعازف تشيللو من عام 1925 إلى عام 1968، ومختص بترتيب وبحث الأعمال الرباعية لكوميتاس، وحاصل على عدة جوائز قديرة في الاتحاد السوفييتي السابق.. منها جائزة ستالين، وهو مدرس في معهد موسكو الحكومي للموسيقا، وهناك سبب أيضاً جذب المتلقي لهذا العمل جاء من خلال أدائه بأنامل موسيقية أرمنية، فاستطاعت إيصال روح الموسيقا الأرمنية وإحساسها ببراعة عالية وبتفاصيلها الدقيقة.
حضور لموتزارت
كان موتزارت حاضراً في هذه الأمسية من خلال أداء الفرقة رباعيته من مقام دو ماجور كوخل 465، الملقبة بـ «التنافر» بسبب مقدمتها البطيئة غير المعتادة، وهي الأكثر شهرة بين رباعياته، إنها الأخيرة في مجموعة الرباعيات الست التي ألفها بين عامي 1782 و1785 والتي أهداها لجوزيف هايدن، وتتضمن أربع حركات، عُزف منها حركتان، مينيويتو أليجرو، وأليجرو.
تبدأ الحركة الأولى بلحن هادئ تعزفها آلة التشيلو، وينضم إليها على التوالي الكمان الأول والكمان الثاني، يستمر اللحن في استخدام مقاييس النغمات اللونية والكاملة لتحديد الأرباع. تم دمج الخطوط على شكل قوس والتي تؤكد على الأرباع في الكمان الأول والتشيلو، مع الخطوط التي تؤكد على الأخماس في الكمان الثاني والفيولا فوق الخط الفاصل بين القياسين الثاني والثالث.
الحركة الثانية يمكن وصفها من خلال ما كتبه ألفريد أينشتاين عن خاتمة هذه الحركة، قائلاً «إن الكمان الأول يعبر بشكل علني عما بدا مخفياً وراء مسرحية المحادثة للموضوع الثانوي».وهنا تجدر الإشارة إلى أنه في الفترة التي تخلى فيها موتزارت عن كتابة سوناتات الكمان، كرس نفسه لكتابة رباعياته الوترية وكتبها لمجرد شعوره وهو في مقتبل العمر بالرغبة في استكشاف أحد أهم القوالب الموسيقية وأكثرها التصاقاً بشخصية وأفكار وأحاسيس مؤلفها، عموماً جمع أسلوب موتزارت بين اللطف في الشكل والعمق في التعبير، وعبر إحساسه الفطري بالتلوين النغمي، ومرونة قوالبه، أنقذ غنائيته القوية من الاقتران بأي طابع رومانتيكي.
من رومانسيات رخمانينوف
اختار الرباعي الضيف عملاً للمؤلف الروسي الشهير «رخمانينوف» وهو «الرومانسية»، من سلسلة رباعياته من مقام لا، رقم 1 غير مكتملة، يعود تاريخها إلى بداية مسيرة رخمانينوف المهنية، تمت كتابتها بشكل دقيق، ولعبقرية هذا العمل لا يزال يجول مسارح العالم، تتميز افتتاحيته بنغم حسي وجذاب، وتلويناته اللحنية وهي سمة من سمات كتابات رخمانيوف طوال حياته، إضافة إلى رومانسيته الرائعة.
وشهد الحفل عملاً لهاندل بعنوان« باساكاجليا»، وهو شكل موسيقي نشأ في إسبانيا في أوائل القرن السابع عشر، رتب هذا العمل للرباعي الوتري الموسيقي سيرجيل أصلازيان، يظهر جورج فريدريك هاندل تقنيته في التأليف لهذا الشكل الموسيقي من زمن الباروك، إذ يعالج بحرية معظم الاختلافات لدمج استخدام مجموعة متنوعة من التقنيات والأداء التسلسلي، وطرائق في تغييرات الإيقاع والأسلوب.
عموماً قدم رباعي «كوميتاس» بنجاح كبير وانسجام واضح، وتألف الرباعي الوتري في هذا الحفل من كل من الفنانين، إدوارد تاديفوسيان (كمان أول)، سوزي يريتسيان (كمان ثان)، ألكساندر كوزيميان (فيولا)، أنجيلا ساركسيان (تشيللو)، والجدير ذكره أن هذا الرباعي هو أقدم رباعي وتري في العالم مستمر في الأداء حتى الآن.