سورية عبر الشام وتدمر وحلب شكلت جزءاً من الأسطورة طريق الحرير أكثر من ممر تجاري..هو لقاءات وتنوع بالأفكار والثقافات الملهمة حتى يومنا هذا
تشرين- يسرى المصري:
منذ القديم بدأت قصة طريق الحرير ..وكما انه لا يمكن لبصمة الإصبع طمس مابين الثقافة والجغرافية من نسب ولا يمكن لها في المقابل طمس مابين الثقافة والجغرافية من بعد فالقرية الكونية اليوم وما أصغر التي صار إليها العالم من المحال أن تقوى على لم ّ الإشعاع الثقافي العالمي في منديل كوني واحد .
مادام ثمة تعدد في الثقافات منذ قديم الدهر وتعدد في الحضارات فقد كانت سورية من دعاة تفاعل الثقافات وتكامل الحضارات بدل تناحر الاولى وصراع الثانية ,وشكلت بصمة راسخة على طريق الحرير ..فكان مجموعة من الطرق المترابطة تسلكها القوافل والسفن وتمرّ عبر جنوب آسيا رابطةً تشآن (والتي كانت تعرف بتشانغ آن) في الصين مع سورية عبر تدمر وحلب الى المتوسط . المتوسط أو عبر دمشق وبلاد الشام إلى مصر وشمال أفريقيا .
طبعا الطريق قديم منذ اكتشاف الصينيين صناعة الحرير نحو سنة 3000 قبل الميلاد،
كان لطريق الحرير تأثير كبير على ازدهار كثير من الحضارات القديمة مثل الصينية والحضارة المصرية والهندية والرومانية حتى إنها أرست القواعد للعصر الحديث. يمتد طريق الحرير من المراكز التجارية في شمال الصين حيث ينقسم إلى فرعين شمالي وجنوبي. يمرّ الفرع الشمالي من منطقة بلغار-كيبتشاك وعبر شرق أوروبا وشبه جزيرة القرم وحتى البحر الأسود وبحر مرمرة والبلقان ووصولاً إلى البندقية. أمّا الفرع الجنوبي فيمرّ من تركستان وخراسان وعبر بلاد ما بين النهرين والعراق والأناضول وسورية عبر تدمر وحلب إلى البحر الأبيض المتوسط أو عبر دمشق وبلاد الشام إلى مصر وشمال أفريقيا.
وحدها اسمها مسحور. طريق الحرير ، لمسة من الأسطورة والأسطورة. إنه مثال للرفاهية والغرابة، من الثروة والمغامرة، من التصوف الشرقي والثقافات الغامضة.
تاريخ طريق الحرير هو رواية كما اسمها. إنها قصة عن فضول الإنسان، سعيه من أجل الثروة والسلطة والجمال …
لقرون كان أهم طريق تجاري بين أوروبا والصين. ليس فقط الحرير ولكن الكنوز الأخرى مثل اليشم والتوابل والشاي والخزف وكذلك المجوهرات والذهب والسجاد كانت في طريقها.
ولكن طريق الحرير كان أكثر بكثير من مجرد طريق تجاري. وقبل كل شيء، كان الطريق من اللقاءات. وعلى طول المسارات واسعة النطاق، اختلطت الأفكار والأديان والثقافات المختلفة. وهي حقيقة لم تفقد أياً من أهميتها الحقيقية والرمزية حتى يومنا هذا. إن تنوعها اللغوي والثقافي والاقتصادي يلهم الآن والآن …
وسورية عبر دمشق وبلاد الشام و تدمر وحلب شكلت جزءاً من هذه الأسطورة فقد اعتاد البشر منذ القدم على الترحال من مكان إلى آخر وإقامة علاقات تجارية مع من جاورهم من الأقوام متبادلين السلع والمهارات والأفكار. فشُقت في المنطقة الأوروبية الآسيوية على مر التاريخ طرق للمواصلات ودروب للتجارة تشابكت وترابطت مع الوقت لتشكل ما يُعرف اليوم بتسمية “طرق الحرير”؛ وهي طرق برية وبحرية تبادل عبرها الناس من كل أصقاع العالم الحرير وغيره الكثير من السلع. وتُعتبر الطرق البحرية جزءاً لا يستهان به من هذه الشبكة فمثّلت حلقة وصل ربطت الشرق بالغرب عن طريق البحر واستُخدمت على الأخص لتجارة التوابل بحيث بات اسمها الشائع “طرق التوابل”.
ولم تحمل هذه الشبكات الواسعة في طياتها السلع والبضائع الثمينة فحسب وإنما أتاحت أيضاً تناقل المعارف والأفكار والثقافات والمعتقدات بفضل حركة الشعوب المستمرة واختلاطهم المتواصل ما أثر تأثيراً عميقاً في تاريخ شعوب المنطقة الأوروبية الآسيوية وحضاراتهم. ولم تكن التجارة وحدها هي التي جذبت المسافرين المرتحلين على طول طرق الحرير وإنما التلاقح الفكري والثقافي الذي كان أيضاً سائداً في المدن المحاذية لهذه الطرق حتى إن العديد من هذه المدن تحوّل إلى مراكز للثقافة والتعلم. وشهدت المجتمعات القاطنة على امتداد هذه الطرق تبادلاً وانتشاراً للعلوم والفنون والأدب ناهيك بالحرف اليدوية والأدوات التقنية، فما لبثت أن ازدهرت فيها اللغات والأديان والثقافات وتمازجت.
ويُعتبر مصطلح “طريق الحرير” في الواقع مصطلحاً حديث العهد نسبياً إذ لم تحمل هذه الطرقُ القديمة طوال معظم تاريخها العريق اسماً بعينه. وفي أواسط القرن التاسع عشر، أطلق العالم الجيولوجي الألماني، البارون فرديناند فون ريشتهوفن، اسم “دي سيدينستراس” (أي طريق الحرير بالألمانية) على شبكة التجارة والمواصلات هذه ولا تزال هذه التسمية المستخدمة أيضاً بصيغة الجمع تلهب الخيال بما يلفها من غموض موحٍ.
إنتاج وتجارة الحرير
الحرير عبارة عن نسيج جاء قديماً من الصين موطنه الأصلي، ويتكوّن من ألياف بروتينية تنتجها دودة القز عندما تقوم بغزل شرنقتها، وقد بدأت صناعة الحرير بحسب المعتقدات الصينية عام ٢٧٠٠ قبل الميلاد تقريباً. وكان الحرير يعدّ من المنتوجات النفيسة جداً فانفرد بلاط الإمبراطورية الصينية باستخدامه لصنع الأقمشة والستائر والرايات وغيرها من المنسوجات القيّمة. وبقيت تفاصيل إنتاجه سراً حفظته الصين بشدة طوال ٣٠٠٠ سنة تقريباً بفضل مراسيم قضت بإعدام كل من يتجرأ على إفشاء سرّ إنتاج الحرير لشخص غريب. وتحوي قبور مقاطعة هوبي، العائدة إلى القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد، نماذج فاتنة لهذه المنسوجات الحريرية ومن بينها الأقمشة المزخرفة والشاشات والحرير المطرّز وأولى الألبسة الحريرية بجميع أشكالها.
وكان كل خان يبعد عن الخان الذي يليه مسيرة يوم واحد، وهي مسافة مثالية هدفها الحيلولة دون أن يضطر التجار (وحمولاتهم الثمينة على وجه التحديد) لأن يبيتوا في العراء عدة أيام أو ليال ويكونوا عرضة لمخاطر الطريق. وأدى ذلك في المتوسط إلى بناء خان كل ٣٠ إلى ٤٠ كيلومتراً في المناطق المخدمة بشكل جيد
إرث طرق الحرير
في القرن التاسع عشر، تردد نوع جديد من المسافرين على طرق الحرير هم: علماء الآثار والجغرافيا، والمستكشفون المتحمسون الراغبون في خوض المغامرات. وتوافد هؤلاء الباحثون من فرنسا وإنكلترا وألمانيا وروسيا واليابان وأخذوا يجتازون صحراء تكلماكان في غرب الصين، تحديداً في منطقة تعرف الآن باسم شينجيانغ، قاصدين استكشاف المواقع الأثرية القديمة المنتشرة على طول طرق الحرير، ما أدى إلى اكتشاف العديد من الآثار وإعداد الكثير من الدراسات الأكاديمية والأهم من ذلك أن هذا الأمر أدى إلى إحياء الاهتمام بتاريخ هذه الطرق.
وما زال العديد من المباني والآثار التاريخية قائماً حتى يومنا هذا، راسمة ملامح طرق الحرير عبر خانات القوافل والموانئ والمدن. إلا أن الإرث العريق والمستمر لهذه الشبكة المذهلة يظهر في الثقافات واللغات والعادات والأديان العديدة المترابطة رغم اختلافها التي نمت طوال آلاف السنين بمحاذاة هذه الطرق
بهذا نستطيع القول إن طريق الحرير قد وضع حجر الأساس للعالم الحديث.