في جلسة نقديّة لملتقى «دوحة الأميمة» للشعراء.. ثلاثُ قراءات في قصيدة «نبوءة» للشاعر «أحمد الباشا»

تشرين- ثناء عليان:
قل للّذي ملأ الرؤى ديجورا
الشّمعةُ الحُبلى ستنجبُ نورا
وسيرسِمُ المشلول أوَّلَ خَطوةٍ
ليُعيدَ للقلبِ الكسولِ مَسيرا
سيغرّدُ الزيتون ذاتَ قيامةٍ
كي يُطرِبَ الحسّونَ والشّحرورا
سيعود غصنُ السنديان فطالما
شقّتْ عروقُ السّنديان صخورا
هذه مقتطفات من قصيدة بعنوان «نبوءة» للشاعر أحمد الباشا، كانت في ميزان النقد خلال جلسة نقدية حوارية أقامها (ملتقى دوحة الأميمة للشعراء) في مبنى محافظة طرطوس، بمشاركة ثلاثة نقاد وهم: محمد الحسن وراغدة محمود وطلال خضر.
البداية كانت مع الناقد محمد الحسن، إذ أشار إلى أن الفرق بين النقد الأدبي والدراسة الأدبية يتمثل في أن الدراسة الأدبية تذكر محاسن القصيدة، وغايتها في أغلب الأحيان التشجيع، من باب الإعجاب والمؤازرة والدعم وكل ما لا يقدم فائدة حقيقية للشاعر عبر رفع المعنويات، أما النقد الأدبي فيركز على مثالب القصيدة ويومئ إلى ما يجعلها أكثر قيمة إبداعية، لذلك فالنقد أكثر فائدة من الدراسة، ومشكلته الوحيدة في النقد القاسي، ولكن من يدرك مدى فائدته يعرف أن هذه القسوة رحمة في الحقيقة، وتنطوي على أخلص النيات وأطيب التمنيات.
وفي قصيدة اليوم للشاعر أحمد الباشا –يضيف الحسن- نجد أن عنوانها «نبوءة» يعكس الكثير من طبيعة القصيدة وطبيعة اللغة المحبوكة منها، لافتاً إلى أن قصيدة الباشا تسير على أرض أفقية مستوية، وفي مستوى إبداعي واحد ينسحب على كل أبياتها، وأن الوهج في القصيدة يأتي من كونها تسير في طريق متعرجة تعلو وتهبط ولا تنتهي إلا على قمة جبل، هذا العلو والهبوط هما اللذان ينفيان عنها الرتابة ويزودانها بطاقة التأثير في نفس المتلقي باستثارة أحاسيسه ومشاعره.
بدورها بينت الناقدة راغدة محمود في قراءتها أن عنوان القصيدة «نبوءة» لا يحملُ المفاجأة والتشويق، ووقعه متكرر على الأسماع، لافتة إلى أن الشاعر ابتدأ قصيدته بـ:« قل للّذي ملأ الرؤى ديجورا.. الشّمعةُ الحُبلى ستنجبُ نورا» وكان موفقاً في الإيقاع الموسيقي من خلال التصريع الذي أضفى موسيقا عذبة، وكذلك استخدامه لاسم التفضيل الحُبلى فكان الربطٌ بين المعنى والمبنى.
وأشارت محمود إلى ما قاله الشاعر في البيت الثالث: «سيغرّدُ الزيتون ذاتَ قيامةٍ كي يُطرِبَ الحسّونَ والشّحرورا»، مبينة أن تشخيص الزيتون وتغريده منح جمالاً وصورة واقعية، لكن لا يحبذ لفظ قيامة في هذا الموضع، فالقيامة بعد موت، وهي انبعاث بعد فناء، والزيتون يحملُ رمزاً جميلاً، لم يستسغ اللفظ هنا.
وتختم محمود قراءتها مؤكدة أن قصيدة الشاعر تتميز بالتدفق العاطفي العذب والانثيال الصوَري الأخّاذ والمعاني الشفيفة التي تحاكي خفق الروح في تجلياتها المدهشة.
الناقد طلال خضر يرى أن شعراء الحداثة قناصون محترفون لم يتركوا مأخذاً يؤخذ عليهم، فهم جمعوا بين تقليدية الشعر بحفاظهم على الوزن والقافية والموسيقا، وبين تأملية ومجازية ما يسمى الشعر الحر وشعر التفعيلة الذي بدأ من قرابة قرن، وسعى له بعض الشعراء كنازك الملائكة والسياب وصلاح عبد الغفور وغيرهم للخروج من قفص العمودي وتحرير المعنى وفتح الأمداء، ولاقى ما لاقى ما بين مؤيد ومعارض.
والفرق بين الشعر القديم والحديث –حسب الخضر- من حيث موضوعاته، فإن القديم يسلط الضوء على قضايا عامة، أما الحديث فإن مركزية القصيدة في أنا الشاعر ويتمحور كل العالم حول ذاته، وعن ملامح الحداثة الشعرية في شعر أحمد الباشا أكد الخضر أن كلمة نبوءة هي اختزال للنص لأن الشاعر يتنبأ، وأن القصيدة مبنية على فكرة رئيسة، وهي التمسك بالأمل والإرادة والعمل للوصول إلى الهدف، فالأفكار والصور في رأيه كانت داعمة ومؤيدة في جميع الأبيات، إذ تتخللها صور فنية عالية ولغة شعرية إيمائية سلسة وانزياحات تبادلية.
وترى وعد صبح مديرة الملتقى أن النص جاء واضح الفكرة منذ المطلع، كما أنه مزين بالمحسنات والصور الكثيرة، والاقتباسات عززت الفكرة في كل بيت، ففكرة النص جميلة وواضحة ومباشرة وكذلك الأبيات، وأن البحر قريب جداً لعقل وقلب القارئ، سلس وعذب ولطيف، غير منفر ولا يشوش القارئ.
وأكدت أن فكرة النص كانت جلية وواضحة ومباشرة، والقافية أعطتها جمالاً، فالشاعر في رأيها عندما يكتب الشعر يكون في حالة معينة، ولا ندري ما يخطر في باله، والكلمة تكتب حسبما تأتي، لافتة إلى أن النص عموماً كان جميلاً والأبيات واضحة وصريحة.
في ختام الجلسة، قام الشاعر الباشا بالرد على جميع ما قيل من نقد، إذ قال: أقدّر وأحترم جميع الآراء النقدية السلبية والإيجابية، وتجربة الملتقى بإقامة الجلسات الحوارية تجربة ناجحة وخاصة بحضور جمهور مثقف، لذلك يجب تسليط الضوء على الملتقى ونشاطاته، وخاصة أنه يسعى للارتقاء بالمستوى الأدبي، فكلما ارتفع مستوى المتلقي ارتفع معه مستوى الشعر، مؤكداً أنه سيهتم بكل الملاحظات التي تم توجيهها له.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار