فتح منذ سنوات ملف أملاك الدولة المؤجرة بـ”تراب المصاري”، حيث كشف وقتها عن فساد كبير في تأجير عقارات كان يفترض استثمارها بملايين الليرات لكنها منحت للبعض ببضعة آلاف، في خسارة فادحة للخزينة تحملتها على مدار عقود بلا محاسبة أو مساءلة، وكما يقال:” أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألّا تأتي أبداً”، فمجرد فتح هذا الملف وإعادة تقييم هذه الأملاك وتأجيرها بعقود استثمار جديدة عُدَّ أمراً هاماً، إلّا أنه ظل منقوصاً بسبب بقاء عقارات عديدة رهينة الإيجار “الرخيص” نتيجة سطوة آفة الفساد، ليخبو بريق هذه القضية الدسمة فجأة وتغيب نتائجها عن الساحة بصورة مستغربة.
واليوم بعد التضخم الكبير الحاصل وارتفاع إيجارات العقارات على نحو مخيف، بات ضرورياً إعادة هذا الملف إلى دائرة الضوء وتقييم هذه الأملاك من جديد، وخاصة أن ذلك من شأنه رفد الخزينة بمليارات الليرات الكفيلة بتعويض نقص الإمكانات، التي تفصح عنها ألسنة صناع القرار كل فترة، فهذا الخيار القانوني يبقى أفضل مليون مرة من قرارات الجباية المكلفة اقتصادياً ومعيشياً، مع إنه في حال التنفيذ الصحيح على كامل العقارات المؤخرة من دون إغفال هذا العقار أو ذاك سيكفل تحسين رواتب الموظفين وحال القطاعات المنتجة المحتاجة للدعم والإنقاذ السريع شرط التقييم السليم والابتعاد عن المصالح الشخصية عند جرد أملاك الدولة المؤجرة وتأجيرها بمبالغ تشابه مثيلاتها من العقارات الخاصة في المنطقة الواقعة فيها وفق عقود استثمار تضمن حقوق الدولة والمستثمر معاً، وهنا نتساءل عن أسباب عدم إيلاء هذه القضية الهامة الاهتمام المطلوب في ظل العدد الكبير لأملاك الدولة التي تشمل كل القطاعات من دون استثناء، وأين هيئة الاستثمار من واقع هذه العقارات، التي ينطوي تركها من دون معالجة منطقية على تقصير كبير تفوح منها روائح الفساد الإداري والمالي، ما يستدعي الإسراع في إزالة الغبار عن أضابيرها وإخراجها من الإدراج المغلقة حفاظاً على أملاك الدولة وحقوق الخزينة والمواطن أيضاً.
متابعة تقييم ملف أملاك الدولة ومعرفة أين وصلت نتائجه، وليس البداية من جديد كسباً للوقت، أصبح أمراً ضرورياً وملّحاً، بالتزامن مع حملة القضاء على الفساد المعلنة، فهذان الملفان كفيلان عند المعالجة القويمة تحصيل موارد ضخمة للخزينة تضمن الحلحلة المعيشية والاقتصادية المأمولة، خاصة عند استرداد كامل الأموال المنهوبة على مدار عقود طويلة، بالتالي هذه الأيام العصيبة تعدّ أفضل وقت لتصويبها وضمان نفاذ الأموال المستردة إلى مطارحها الصحيحة، فهل نشاهد قريباً تصحيحاً لمسار الأملاك العامة المؤجرة وإعادة استثمارها بأسعار منطقية، أم إن الفساد سيظل ينهش مؤسساتنا العامة في هدر كارثي للمال العام؟، سيما عند معرفة أن قيمة أموال العقارات المستأجرة لا تقل عن أموال الدعم والفساد الذي لايزال يعتريه.
رحاب الإبراهيم
68 المشاركات
قد يعجبك ايضا