(المتنبي) في بغداد.. شارعُ الكتب ومَعْلمٌ للثقافة
تشرين- د.رحيم هادي الشمخي:
بات شارع المتنبي في بغداد أحد أهم المعالم الثقافية والحضارية والسياحية والاجتماعية وملتقى المثقفين العرب في بغداد عاصمة الرشيد، إذ تحوّل هذا الشارع لبيع الكتب العراقية النفيسة، وعرض أحدث وأقدم وأنفس الكتب العربية والأجنبية، وأصبح يوم الجمعة من كل أسبوع هو اليوم الأثير لباعة الكتب وعشّاقها، واستعراضاً للعوائل التي تنشد الرقي والجمال، ومع كل هذا البهاء الذي يتمتع به شارع المتنبي، ومع كل الحضور الاجتماعي الباهر فيه، بات مدرسة للحاجّين إليه من كل دول العالم.
ومع أهمية هذا الشارع الثقافية، ونظراً لازدياد أعداد الزوار العرب والأجانب فقد تنبهت جهات رسمية ومدنية إلى إيلاء هذا الشارع الأهمية القصوى، فعمدت إلى ترميم مبانيه ومكتباته وتحويله إلى شارع يتمتع بكثير من الجمالية المطلية بالخط العربي الكوفي، واتسع هذا الشارع ليشمل (مبنى القشلة) العباسي، وبات مكاناً لعقد الندوات وإقامة الفعاليات الثقافية والفنية وإحياء المناسبات الوطنية، كما توسعت رقعته زماناً ومكاناً، وصارت نهاراته تتواصل مع لياليه، كما أن عدداً كبيراً من الأدباء والفنانين والمثقفين لهم شغف كبير باقتناء الكتاب الورقي بوصفه يحمل روحاً حية يمكن التعامل معها والتفاعل وكتابة الملاحظات على جوانبها، وهذا ما هو موجود من كتب في مكتبات هذا الشارع الذي يحمل في كل أركانه أثمن كتب الفلسفة والتراجم والتاريخ وعلوم الحياة والجغرافيا وسينما العصر المرئية والمسموعة.
ورغم توفر الكتب في شارع المتنبي لكن الأمر، كما هو معروف، محفوف بشيخوخة القرّاء وعدم قدرتهم على قراءة الكتب المطلوبة والسعر الغالي الذي يثقل جيوب من يشتري الكتاب، وهم القرّاء الحقيقيون، هذا حال كثير من المثقفين وهم يواجهون أزماتهم مع الكتاب في هذا العصر، ومع هذا، فإن شارع المتنبي يمثل معلماً ثقافياً وحضارياً عراقياً وعربياً، لما يحتويه من كتب علمية وأدبية وثقافية قديمة وحديثة، فهو محج لكل العلماء والأدباء في العالم، وهناك حقيقة يجب أن نقولها: إن الذين يبيعون الكتب في هذا الشارع يتحدثون مع زبائنهم باللغة العربية الفصحى، ما يضيف جمالية اللغة في التعامل مع الآخرين، كما أن صور الشعراء العرب أمثال: المتنبي، أحمد شوقي، إبراهيم ناجي، الجواهري، نزار قباني، سليمان العيسى، شفيق الكمالي، نازك الملائكة…. وغيرهم، تغطي فضاءات هذا الشارع البغدادي.