برسم الاهتمام الحكومي.. الإبل ثروة مهدورة في بلدنا ومركز البحوث يحافظ على السلالات الشامية
تشرين – حسام قرباش:
تتناقص أعداد الإبل في بلدنا يوماً بعد يوم لتصبح الحاجة ملحة للاهتمام الحكومي بهذه الثروة المهمة أكثر من أي وقت مضى، علماً أن الإبل ذات إنتاجية عالية ولا تكلف تربيتها 25٪ مما تتكلفه الأبقار والأغنام.
ونكاد نشعر أن الجَمل غائب عن بيئتنا وكأنه على وشك الانقراض أو سيقتصر حضوره في أقفاص حديقة الحيوانات ويصبح (للفرجة) فقط في ظل عدم قرع جرس الإنذار لتدهور هذه الثروة وتناقص أعدادها المستمر بالتهريب لدول الجوار وإخراجها من قائمة الاهتمام وكأن هناك خفضاً متعمداً لقطعانها وإهمالها تمهيداً لاندثارها.
أسباب التناقص
مدير مركز بحوث وتطوير الإبل في هيئة البحوث العلمية الزراعية الدكتور شادي عليشة أكد لـ (تشرين) أن الأزمة والوضع الاقتصادي العام أثرا سلباً على قطعان الإبل، حيث تناقصت كثيراً بتخلي المربين القدامى عن تربية الإبل لقلة مساحات الرعي وخاصة في البادية لخروج بعضها عن السيطرة وتواجد الإرهابيين فيها وبالتالي لم تعد آمنة للرعي، وهذه القطعان تعتمد أساساً في تربيتها على “السرح” ورعي الأعشاب والأشواك، فذهب أغلبيتها للذبح والاستهلاك إضافة لسرقة محطات الإبل الحكومية خلال الأزمة ما أدى لتناقص حاد في عددها، مشيراً إلى أن الاعتماد على التربية المكثفة ضمن محطات وحظائر يؤدي لتفشي الأمراض كما الحال في حظائر الأغنام والأبقار.
وأكد صعوبة الإحصاء الحقيقي للإبل خصوصاً بعد الأزمة لأنها متغيرة من شهر إلى شهر والإرشاد الزراعي هو الإحصاء الدقيق لأعدادها بتشبيكه مع الوحدات الإرشادية الفرعية.
34 ألف ليرة سعر كيلو حليب الجمل و 35 ألف رأس تقديرات عددها الإجمالي ومنتجاتها مطلوبة بشكل كبير خارجياً
الهدف الرئيس
وبيَّن عليشة الدور الرئيس للمركز بالمحافظة على الأصول الوراثية للإبل الشامية البالغ عددها في محطة بحوث الإبل بدير الحجر 136 رأساً وتحسين النسل لهذه السلالة من جهة إنتاج الحليب واللحم، لافتاً لوجود تجارب بحثية لمنظمات وطلاب ماجستير ودكتوراه بهدف الوصول لقطيع بإنتاجية مرتفعة من الحليب واللحم، وكذلك تجري منظمة المركز العربي لدراسات الأراضي الجافة والقاحلة (أكساد) تجارب غذائية وتسمين وتلقيح لفئات الإبل كافة.
ونوه بالمشاريع المستقبلية لبحوث الإبل بوضع إستراتيجية للوصول إلى سلالة منتجة للحليب واللحم وفق خطة عمل قصيرة لخمس سنوات ومتوسطة الأجل لعشر سنوات مع المحافظة على نسل الإبل الشامية كأهم هدف للمركز.
مضيفاً: لسنا محطة إنتاجية إنما بحثية تعمل على تعميق الدراسات على لحوم الإبل وحليبها طبياً وتصنيعياً وإجراءات مجال التناسل والتلقيح.
غير كافٍ
تتشابه سلالات الإبل في سورية والدول العربية وآسيا الوسطى لكونها وحيدة السنام، حيث تعاني هذه الثروة حالياً في بلدنا من صعوبة تأمين الأعلاف وقلة المواد العلفية المركبة وضعف قيمتها الغذائية النوعية إضافة لقلة المواد لتركيب الخلطات العلفية بسبب الغلاء أو عدم توافرها حتى إن المؤسسة العامة للأعلاف لا تتوفر فيها مواد علفية مثل كسبة الصويا فيتم اللجوء لتركيب علف مركب قيمته الغذائية غير كاملة.
ولفت عليشة إلى عدم وجود دعم كافٍ للحفاظ على قطعان الإبل، حيث يشهد الوضع تدهوراً كبيراً آخر سنتين، لذلك يتطلب الأمر تأمين مقننات علفية كافية عن طريق مؤسسة الأعلاف.
وطالب عليشة للحفاظ على الإبل الشامية بتأمين مستلزمات الإنتاج و مقومات العمالة، حيث تعاني المحطات من عدم توافر كوادر كافية و نقص كبير بالأيدي العاملة من فنيين وعمال زراعيين ومختصين مهندسين ودكاترة بيطريين ولايزال هذا النقص متواصلاً وهو أصعب ما نعانيه حتى بتنا غير قادرين على تغطية العمل المطلوب و إذا بقينا على هذا المنوال من قلة الدعم، فالأمر سيئ جداً لدرجة تخفيض أعداد القطعان من إبل وأغنام أيضاً لتواجدها في المحطة.
ثروة ضائعة
بلغ عدد الإبل في سورية وفق إحصاءات وزارة الزراعة في عام 2010 أكثر من 50 ألف رأس وفي عام 2019 وصل عدد الرؤوس حوالي 40 ألفاً، تتوزع في حمص وحلب ودير الزور والرقة والحسكة وريف دمشق و بادية السويداء لتصل حالياً إلى 34 ألف رأس، وفي حقيقتها لا تتجاوز الآن نصف هذا العدد لقلة المراعي وصعوبة تأمين الأعلاف وتهريبها بشكل كبير للأردن وقسم منها للعراق، كما أوضح لـ(تشرين) المدير السابق للمركز والخبير الزراعي الحالي في(أكساد) المهندس موفق عبد الرحيم، مشيراً لتربيتها اليوم في حظائر دون رعي بعد أن كانت تسرح 15 كيلو متراً.
ضعف الإمكانات والتهريب وقلة الرعي وراء تناقصها الكبير
وتابع بأن الجمل اليوم بعد ارتفاع سعره أكثر من 25 مليون ليرة يشكل ثروة مهمة خاصة حليب الإبل الذي يعد صيدلية قائمة بذاتها لما له من مواصفات طبية وعلاجية إضافة لفوائد جمة في رفع المناعة والأمراض المستعصية وداء السكري ووباء الكبد الفيروسي وأمراض القلب وغيرها، حيث تعطي الإبل من 3 إلى 10 كغ و تتجاوز مدة الإدرار عندها من 8 إلى 12 شهراً ويصنع منه ما يصنع من حليب البقر و الغنم والماعز، لافتاً لسعي أحد الأشخاص لإقامة مشروع استثمار حليب الإبل، حيث يعادل ثمن الكيلو منه 35 ألف ليرة ومرغوب جداً في الخارج لفائدته الكبيرة عدا عن أنه مصدر لتطوير الموارد الغذائية وخاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة كمصدر دخل للسكان بتلك المناطق إضافة للاستفادة صناعياً من وبره في صنع العباءات الفاخرة والخيام والتي لم يعد لهذه الصناعة وجود حالياً.
وأفاد بأن الجمل من الحيوانات الاقتصادية التي تنتج كثيراً ولا تستهلك 20٪ مما يستهلكه البقر ولا يتعدى طعامه 4 كغ علفاً مركباً و3 كغ من مادة التبن، في حين يستهلك البقر من 15 إلى 20 كغ أعلافاً، خاتما بأن الإبل ثروة لم تستغل بالشكل الأمثل عندنا ولا يوجد تصدير أو استيراد لها ولا لمنتجاتها في الوقت الحالي و تستنزف بالتهريب وقلة الاهتمام بها.