محمد كرد علي قامة سطّرت الإبداع مدائن أدب وترجمة وأسفار
تشرين- راوية زاهر:
(علاّمة الشام محمد كرد علي) بقلم الكاتب سراج الجراد ضمن سلسلة “أعلام ومبدعون” التي تصدرها الهيئة العامة السورية للكتاب، ومحمد كرد علي “أمةٌ في رجل” كما وصفه العلامة العراقي محمد بهجة الأثري.. فقد كان الرجل من كبار وقامات الأدباء والمفكرين العرب.. صال وجال في كل ميادينها، صحفياً ورحالة ومترجماً وفيلسوفاً وناقداً.. وصاحب أمارة العلم من ركنها القصي.
محمد كرد علي صحفيّاً
أول عمل قام به العلامة محمد كرد علي في مجال الصحافة هو كتابته في الشؤون الأجنبية، وهو في السابعة عشرة من عمره وذلك لإلمامه بالفرنسية والتركية.. ثمّ ليبدأ نشاطه الصحفي في جريدة “الشام” الأسبوعية الحكومية، واستمر فيها مدة ثلاث سنوات، وليستمر عمله الصحفي بالظهور جليّاً في مصر بعد أن ذاع صيته هناك، فحرّر العديد من المجلات والجرائد المصرية مثل (المقتطف و الظّاهر والمؤيد)، ثم عاد إلى سورية لينشئ مجلة “المقتبس” سنة ١٩٠٨م ترافقها جريدة يومية حملت الاسم نفسه وعطلتها السلطات العثمانية بسبب نقده اللّاذع لها، فهرب إلى باريس متلقفاً الكثير من العلوم ثم عاد إلى دمشق.
وكان لكرد علي دور في نقل صورة واضحة ومشرقة للحضارة العربية إلى الغرب، وإحياء هذه اللغة على مدار مسيرته الأدبية والعلمية والتاريخية.
وقد برز جليّاً أثر الصحافة في تكوينه الشخصي الذاتي، وخاصة أنه عمل فيها فترة طويلة تقارب العشرين عاماً، وحملت له الكثير من العناء والتعب والدعاوى القضائية، وقد تميزت مقالاته بمحاربة الجهل والجهلاء ودعت إلى التحرر من الخرافات ونادت بالإصلاح والتجديد ومعرفة تاريخ الأمة المجيد حتى تستلهم منه روح البعث والنهوض.. فقد نشر ستين مقالاً في الكثير من الصحف والمجلات السورية والمصرية وكانت من أهم مبادئه الصحفية : الوضوح والخلو من التعقيد والإيجاز والبلاغة والسهولة والتعبير المألوف والخفيف.
محمد كرد علي ومجمع اللغة العربية
الإنجاز الأعظم في مسيرة الرجل، كان تأسيس”المجمع العلمي العربي” والذي اشتهر لاحقاً باسم (مجمع اللغة العربية) بمشاركة مجموعة من الأعضاء المؤسسين المشاركين وهم: خليل مردم بك، د. حسني سبح، مصطفى الشهابي، د. منير العجلاني، أمجد الطرابلسي.. وغيرهم، حيث ضم الكثير من فحول اللغة العربية وذلك في ٣٠ تموز ١٩١٩م.
وجاءت أهمية هذا الإنجاز من كون هذا المجمع، كان النواة الأولى للمجامع كلها في البلاد العربية.. وقد تحدث في كتاب المذكرات عن تكريم أحمد شوقي عندما زار دمشق مع نخبة من الشعراء الذين استقبلوه بمطولات شعرية، وفي تلك الزيارة قال قصيدته المشهورة التي مطلعها:
قم ناج جلق وانشد رسم من بانوا
مشت على الرسم أحداث وأزمان.
عن آثاره الفكرية
عمل محمد كرد علي في مجالات عديدة، وزار الكثير من دول العالم، وقد كانت أهم إنجازاته تأسيس مجمع اللغة العربية كما أسلفنا، كما ترك كتباً مهمة في مجالات التأليف والتحقيق والترجمة والكثير من المقالات.
ومن إرثه الفكري:(أقوالنا وأفعالنا)، وهو مقالات إصلاحية متطرقة لحقوق المرأة والوحدة العربية وسجالات فكرية متنوعة طبع بالقاهرة عام ١٩٤٦م
ومن كتبه أيضاً (خطط الشام) طبع عام ١٩٢٥م من أهم ما كتب عن بلاد الشام بعد كتاب ابن عساكر
وأهمها على الإطلاق كان (المذكرات) في أربعة أجزاء وقد أثار ضجة وجدلاً واسعين في الأوساط العلمية والثقافية.. وكتاب (كنوز الأجداد) وفيه تحدث عن خمسين علماً من أعلام العربية كالأصفهاني والحريري والتنوخي.. وكتاب (الأعلام) كتاب تراجم لشخصيات وأدباء وعلماء ومفكرين من عصره. و(أمراء البيان) و(الإسلام والحضارة العربية) والعديد من التحقيقات.
وقد عرّب روايات فرنسية مثل (قبعة اليهوي ليفمان)
وفي مصر ترجم (الفضيلة والرذيلة) لجورج أونيه و(تاريخ الحضارة) لشارل سنيو بوس. وقد تسلم محمد كرد علي وزارة المعارف مرتين عام ١٩٢٠م
وتركها ثم عام ١٩٢٨م في زمان حكومة تاج الحسيني.
عن أسفاره ورحلاته
وضع محمد كرد علي خلاصة سفره وترحاله في كتاب ( غرائب الغرب) والذي صدر عام ١٩٢٣م وفيه يتحدّث عن رحلاته إلى أوروبا ويضع أمام القارئ دراسة دقيقة عن واقع الغرب الأوروبي في تلك المرحلة المبكرة من القرن العشرين. وبدأت أولى رحلاته إلى مصر عام ١٩٠١م وبقي متنقلاً بين الشام ومصر حتى عام ١٩١٠م
ثم غادر إلى أوروبا ليطوف في مكتباتها الشهيرة في إيطاليا وسويسرا والمجر طلباً لجمع مادة (خطط الشام).
ما قيل في محمد كرد علي
يقول الأمير مصطفى الشهابي :”كان أنشط أديب أطلعته دمشق في النصف الأول من القرن العشرين ولو لم يكن له من فضل على الأمة العربية ولغتها إلّا إيجاد المجمع ورعايته، لكفاه فخراً”.. يقول شفيق جبري : “أما معرفته بالمستشرقين وكتبهم فقد تكون آية من الآيات.. فقد أحاط علمه بتاريخ الاستشراق والاستعراب “.. وأما العلامة العراقي محمد بهجة الأثري كما أسلفنا خصّه بالقول” محمد كرد علي أمةٌ في رجل “.
وفي الثاني من نيسان عام ١٩٥٣م أفل نجم العلامة محمد كرد علي ورحل عن الدنيا عن عمر يناهز” (٧٧) عاماً. ودفن في مقبرة الباب الصغير بدمشق وقد أطلق اسمه على أحد شوارع مدينة دمشق تكريماً وتقديراً له، وأصدرت المؤسسة العامة للبريد طابعاً بريدياً يحمل صورته، تخليداً له.. وتم ختم الكتاب بمقالة له تحمل عنوان” الجنون بالكتب”على هيئة أخبار ممتعة ومدهشة عن علائق الكثير من الكتّاب بالكتب وارتباطهم بها روحياً ووجدانيّاً العرب منهم والأجانب.